من السلبيات التي يمارسها السياسيون في منطقتنا بل ويصرون عليها غالبا، محاولاتهم المستمرة الربط بين القضايا الإنسانية والقضايا السياسية، من اجل الحصول على مكاسب معينة تزيد من غلتهم السياسية، فسياسيونا لم يتعلموا بعد التفريق بين الأساسي والثانوي في ما يواجههم من قضايا ، فيضعون في الغالب الجانب الإنساني على قدم المساواة مع الجانب السياسي، وهو ما يعد متاجرة كبيرة ومؤسفة بالمعاناة الإنسانية، دأبت معظم دول العالم الأخرى على تجنبها والابتعاد عنها قدر الإمكان، بحيث يتم غالبا تجنب أي ربط مجحف للعامل الإنساني مع جملة العوامل الأخرى يؤدي إلى التناقض مع المبدأ الإنساني العام، لان الأساس عندهم هو ذلك العامل الذي يمثل تاج الحضارة البشرية ومصدر إلهامها، العامل الذي سكبت البشرية من اجله أطنانا من الدماء وأهوالا من المعاناة ، لكن يبدوا أن منطقتنا لم تصل بعد إلى هذا الأمر، فهي مازالت تعيش عصر المساومات السلبية والقيم الغابية التي تجاوزها العصر وغدت جزءا من ذمة التاريخ في معظم بقاع العالم، حيث لم يعد لها وجود إلا في قلة من الدول أبرزها بالتأكيد دول منطقتنا الغارقة حتى أذنيها بالمساوئ والإشكالات المعقدة، والتي لم تبرح بعد سكونها التاريخي وتأخرها القيمي، وما ارتهان العامل الإنساني للأمزجة والإرادات المختلفة إلا دليلا دامغا على هذا التحجر الحضاري والإنساني الخطير، والذي تشهد عليه كثيرا محافلنا وأروقتنا السياسية، ولعل اقرب دليل على ذلك ما جرى من اعتماد الأسرى كورقة مساومة في المفاوضات العراقية الإيرانية عقب انتهاء حربهما الثمانينية الطويلة، الأمر الذي تسبب في بقاء آلاف الأسرى محجوزين في أقفاص الأسر لسنين طويلة، لم تنتهي إلا بعد جملة من التسويات السياسية المكلفة، كان الخاسر الأكبر فيها ذلك الأسير الذي فقد حريته وعومل معاملة غير لائقة لأسباب سياسية لا أكثر.
ولذلك من الضروري بمكان ونحن نثير ملفات العلاقة بين العراق والكويت، أن نفصل بين القضايا الإنسانية والقضايا السياسية ولا نضعهما في كفة واحدة عند مناقشة تفاصيل الحالة بين البلدين، فلا يجوز على الإطلاق المساس بالجانب الإنساني من هذه الملفات، أو وضعه كعنصر من عناصر المساومة في موضوع العلاقة بين العراق والكويت، فقضية المفقودين الكويتيين هي قضية إنسانية بحتة ، من واجبنا جميعا العمل على إنهائها بشتى الوسائل المتاحة دون التقيد بسقف سياسي معين ، وان لا نكتفي في ذلك بالجهد الحكومي، بل يجب أن نمارس جميعنا دورا مماثلا بشتى المستويات المتاحة، بما في ذلك المستويات الشخصية و منظمات المجتمع المدني والعشائر والمؤسسات الدينية المختلفة والإعلام، ليكون فعلنا قويا ونجاحنا أكثر احتمالا، فنحقق ما هو منشود ونصل إلى نتيجة أكثر ايجابية تضع حدا لهذا الملف، ولنؤسس في سبيل ذلك هيئة شعبية تطوعية من المواطنين لجمع المعلومات عن المفقودين الكويتيين، بحيث يمكنها الانزياح إلى أماكن قد يصعب على الدولة الوصول إليها بسهولة، ما يسمح بفك بعض الطلاسم المرتبطة بهذه القضية الشائكة، أو نتوصل إلى نتائج تنهي هذه المأساة الإنسانية .
فجهد كهذا هو بالتأكيد مؤشر حي على طبيعة ما يجمعنا بإخواننا في الكويت وبقاع الأرض الأخرى، انه الرباط الإنساني الذي لا يساويه أو يعدله أي رباط أخر، لأنه مرتبط بأعماق أعماق حقيقتنا وشعورنا الإنسانيين، فهل نستطيع أن نوفي لهذا الرباط؟ ونمارس دورنا الإنساني دون أي غايات أخرى؟ هذا ما سوف تجيب عنه بالتأكيد أفعالنا المرتبطة بهذا المسعى المهم .