صلاح سرميني من باريس: في بداية الفصل الخامس من فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، إنتاج الولايات المُتحدة/فرنسا/ألمانيا عام 2009، يختار quot;كونتان تارانتينوquot;عنوانًا سينمائيًا، ومضمونيًا مُوحيًا quot;الانتقام في لقطةٍ مُكبّرةquot;.
بوستر فيلم أوغاد شائنونوفي بداية المُجلد الأول من الفيلم الأمريكي quot;اقتل بيلquot;(أو بالأحرى quot;سوف أقتل بيلquot;) إنتاج عام 2003 quot;المُقسّم بدوره إلى خمسة فصولquot;، يستهلّه quot;تارانتينوquot; بمثلٍ قديم quot;الانتقام طبقٌ يُؤكل باردًاquot;، وينسبه بطرافةٍ إلى quot;غلانغونquot; الشخصية الفضائية المُتخيّلة في المُسلسل التلفزيوني الشهير Star Trek، ويختتمه بلقطةٍ للمُعلم الياباني صانع سيوف الساموراي quot;هاتوري هانزوquot;(سوني شيبا) يُمارس طقوسه، ويُردّد على مسامع تلميذه:
quot;الانتقام ليس أبدًا خطًا مُستقيمًا، إنه غابةٌ يمكن أن نتوه فيها، نضيع، وننسى من أيّ طريقٍ دخلناهاquot;.
وفي الحقيقة، يُعتبرquot;أولاد زنا بلا مجدquot;(وكلّ أفلام تارانتينو) خزينةً سينمائيةً ثرية، كلما عثرنا فيها على فيلمٍ، فإنه يُحيلنا إلى آخر، حتى نتوه في البحث عن الأفلام التي quot;يُحبهاquot;، وتختبئ في فيلمه، ويجعلنا نغوص في سينما quot;نُحبهاquot;.
في قراءتي الأولى للفيلم quot;موقع إيلاف ـ 7 سبتمبر 2009quot; لجأتُ إلى رصد المرجعيات السينمائية التي اعتمد عليها quot;تارانتينوquot;، واستخدمها بطريقةٍ مُشابهة، أو مُغايرة عن أصولها:
ـ شكوك ـ ألفريد هيتشكوك ـ الولايات المُتحدة ـ إنتاج عام 1941.
ـ أكون، أو لا أكون (لعبةٌ خطرة) ـ إرنست لوبيتش ـ الولايات المُتحدة ـ إنتاج عام 1942.
ـ العيش بحرية ـ جان رينوار ـ الولايات المُتحدة ـ إنتاج عام 1943.
ـ مدافع نافارون ـ ج.لي.تومبسون ـ الولايات المُتحدة/بريطانيا ـ إنتاج عام1961.
ـ دستة أشرار ـ روبيرت ألدريتش ـ الولايات المُتحدة/بريطانيا ـ إنتاج عام 1967.
ـ حدث ذات مرةٍ ثورة ـ سيرجيو ليوني ـ إيطاليا ـ إنتاج عام 1971.
ـ اقتل بيل(سوف أقتل بيل) ـ كونتان تارانتينو ـ الولايات المُتحدة ـ إنتاج عام2003.

إعصار الانتقام
ولن تكون تلك القراءة السابقة كاملةً بدون رصد المرجعيات السينمائية الأخرى المُتضمّنة في فيلمه، حتى أنها تُجبرنا على إعادة النظر في بعض تفاصيلها، ويبدو لي، بأنّ موسيقى quot;إنيّو موريكونيquot; التي استخدمها quot;تارانتينوquot;، جعلتنا نفكر على الفور بأفلام quot;سيرجيو ليونيquot;، ولكن، تبينّ لي بأن أجواء أفلام الكاوبوي الواضحة في الفصل الأول من quot;أولاد زنا بلا مجدquot; لم تتأتى من فيلم quot;حدث ذات مرةٍ في الغربquot;(إنتاج عام 1968)، ولا من فيلم quot;حدث ذات مرةٍ ثورةquot;(إنتاج عام 1971) ـ مع أنني استخلصتُ منه بعض التأثيرات ـ، ولكن بالأحرى من فيلمٍ آخر أقلّ شهرةً هو Lrsquo;Ouragan de la vengeance/ Ride in the Whirlwindquot;إعصار الانتقامquot; لمُخرجه الأمريكي quot;مونتي هيلمانquot;(إنتاج عام 1965)، وبالعودة إلى هذا الفيلم المُختلف عن أفلام الكاوبوي الأمريكية quot;بمُعالجته الأوروبيةquot;، سوف يتكشف لنا، وبشكلٍ مُدهش، ومُثيرٍ للانتباه إلى أيّ حدٍّ استعان quot;تارانتينوquot; بمشاهده الأخيرة، وخلطها مع استعاراتٍ من أفلامٍ أخرى، واستخلص منها الفصل الأول من فيلمه quot;أولاد زنا بلا مجدquot;. بوستر فيلم اعصار الانتقام
في فيلم quot;إعصار الانتقامquot; تلاحق فرقة للحراسة عصابةً من المجرمين، وتقود الأقدار مرور ثلاثة من الكاوبوي في المنطقة التي تدور فيها معارك quot;صيد الرجالquot;، ويلجأ هؤلاء إلى كوخٍ يحتمي فيه المجرمون، فيختلط الأمر على رجال الفرقة، ويتعقبونهم بعد أن قضوا على الآخرين، وفي محاولات هروبهم، يُقتل واحدٌ منهم quot;فيرنquot;(كاميرون ميتشل)، ويظل الآخران هائميّن في السهول، والجبال حتى يعثرا على كوخٍ تسكنه عائلةٌ صغيرة، فيحتميّا فيه، ومنذ تلك اللحظات، يبدأ التشابه الصارخ مع الفصل الأول من فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;.
تخرج فتاةٌ شابةٌ من البيت الريفيّ الخشبيّ، وتتوّجه نحو والدها الذي نراه في عمق الصورة يقطع جذع شجرة، وتدعوه إلى الداخل لاحتساء الشوربة.
اللقطة اللاحقة تُظهر في يمين الصورة الفأس مغروزة في جذع الشجرة، والأبّ في يسارها يتوّجه نحو الكوخ، يضع قبعته على طاولةٍ خشبية، يخلع قميصه، يصبّ الماء في صحنٍ كبير، ويغسل يديه، ووجهه.
(وهو ما فعله بالضبط المُزارع الفرنسي السيد quot;لاباديتquot; في الفصل الأول من فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;).
يصل اثنان من رجال فرقة الحراسة، القائد ينادي:
ـ أنتم هناك، هل يمكن أن نتحدث معكم؟
تنتاب العائلة المُكوّنة من الأب إيفان quot;جورج ميتشيلquot;، والأم كاترين quot;كاترين سكويريquot;، والابنة أبيغايلquot;ميلي بيركينزquot; حالةً من الذعر، وقبل أن يخرج الأبّ، يقول لهما:
ـ ابقيا حيث أنتما.
(في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot; يطلب الأبّ من بناته، وزوجته الدخول إلى الكوخ).
ـ الأم: خذّ حذرك.
يخرج الأبّ: ماذا يمكن أن أقدم لكم؟
قائد الفرقة: نحن من لجنة الحراسة، هل لاحظتَ شيئاً غريباً حولك؟
الأب: لم أرَ اليوم غيركم، ماعدا عائلتي.
قائد الفرقة: هناك مجرمان يختبئان في المنطقة، إنهما أفراد عصابة، لقد شنقنا كلّ الآخرين.
(في فيلم quot;أولا زنا بلا مجدquot;، العقيد quot;هانز لانداquot;(كريستوف والتز) يشرح للمُزارع الفرنسي السيد quot;لاباديتquot; بأنهم عندما فتشوا المنطقة في المرة الأولى، اعتقلوا كلّ العائلات اليهودية التي كانت تسكنها، ولكنهم لم يعثروا على عائلة quot;دريفوسquot;، ويتساءل عن اختفائها).
الأب: هل جاءا إلى هنا؟
قائد الفرقة: لا نعرف، إنهما هاربان على أقدامهما، واحدٌ منهما رُبما يكون جريحاً، هل بإمكاننا تفتيش الإصطبل؟
الأب: هل أقدم لكم قهوة، عندنا أيضاً ويسكي مصنوع من الذرة.
(في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot; زوجة المُزارع السيد quot;لاباديتquot; تدعو العقيد quot;هانز لانداquot; لاحتساء النبيذ، ولكنه يطلب كأساً من الحليب المستعارة من فيم quot;شكوكquot; لمُخرجه quot;ألفريد هيتشكوكquot;).
ـ قائد الفرقة: شكراً، بعد أن نلقي نظرة على الإصطبل.
وبعد التفتيش، يدعوهم الأب للدخول إلى الكوخ، ولكنهما يعتذران، وقبل ذلك، نلاحظ إعجاب القائد بالصبية quot;أبيغايلquot;، وعندما يغادرا المكان يقول لزميله:
ـ حلوةٌ تلك الصغيرة، أليس كذلك، أعتقد بأنني سوف أعود إلى هناك.
(في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot; يدخل العقيد quot;هانز لانداquot; إلى كوخ عائلة المُزارع السيد quot;لاباديتquot;، ولا يخفي إعجابه ببناته الثلاث، قائلاً بأنّ كلّ واحدةٍ منهنّ أجمل من الأخرى، وفي مشاهد لاحقة، نفهم بأنه زير نساء، الجندي النازيّ/المُمثل في فيلم quot;فخر الأمةquot; المُعجب بالفرنسية quot;إيمانويل/ شوشاناquot;، يُعبر عن غيرته من العقيد quot;هانز لانداquot;، ويخاف بأن يستدرجها عاطفياً، ولا يرغب بأن تبقى لوحدها معه في المطعم حيث يستجوبها عن صالة العرض التي تمتلكها، وفي حفل العرض الأول لفيلم quot;فخر الأمةquot; يلتقي العقيد quot;هانز لانداquot; مع الممثلة الألمانية quot;بريدجت فون هامرسماركquot; بصحبة الملازم أول quot;ألدو راينquot;، وزميليّه من quot;أولاد الزناquot; مُتنكرين في فريق تصوير إيطالي، ويوجه لها عبارات الإطراء، فتذكره بماضيه النسائيّ، وتوحي تلك المُحادثة الودّية جداً بعلاقةٍ قديمة بينهما، رُبما يحاول العقيد quot;هانز لانداquot; استرجاعها).
يحتمي الهاربانquot; أوتيسquot;، وquot;ويسquot; في كوخ العائلة، هما مُسالمان لا يريدا إيذاء أحد، ويرغبا فقط بالحصول على بعض الطعام، والشراب، وحصانيّن ليهربا بعيداً عن أعين فرقة الحراسة.
وفي الوقت الذي يقطع الأب جذع الشجرة الضخم، يعود قائد الفرقة.
ـ لم نعثر عليهما بعد، سوف يكون اليوم، أو أبداً، أين النساء؟
الأب: في الداخل يُحضّرون الخبز.
قائد الفرقة: الخبز، فعلاً.....لقد انطلقتُ مُبكراً، سوف يتبعني الآخرون.
يلاحظ قلق الأب، وارتباكه: هل هناك ما يُقلقك؟
الأب: لا.
قائد الفرقة: يبدو على وجهك القلق، إن لم يكن هناك أمر ما.
يقترب منه الأب، ويُخبره بصوتٍ منخفض: إنهم هنا.
(في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، العقيد quot;هانز لانداquot; يستدرج المُزارع الفرنسي السيد quot;لاباديتquot; للاعتراف بمخبأ العائلة اليهودية مُقابل الحفاظ على حياته، وعائلته).
قائد الفرقة: هذا ما كنتُ أتوقعه، أين، في المنزل؟
(بدوره، كان العقيد quot;هانز لانداquot; يتوقع بأن العائلة اليهودية مُختبئة في منزل المُزارع السيد quot;لاباديتquot;).
يحتفظ قائد الفرقة بهدوء أعصابه، ويوحي بأنه يجهل مخبأ الهاربيّن.
الأب: ماذا نفعل، النساء في الداخل؟
قائد الفرقة: لا تنظر إلى المنزل، أشرّ بيدك على اتجاهٍ ما، سوف أذهب للبحث عن زملائي، تصنّع بأنك تدلني على الطريق، عندما أنتهي، أكمل عملك كالمُعتاد، ومن ثم أخرجهما ليُشاهدا ما حدث، واقبض عليهما.
(وبنفس الطريقة، وبعد اعتراف المُزارع الفرنسيّ السيد quot;لاباديتquot; بمخبأ العائلة اليهودية، يطلب منه العقيد quot;هانز لانداquot; بأن يبقى هادئاً، ويشرح له، بأنه طالما بقي هؤلاء في مكانهم، فهذا يعني بأنهم لا يفهمون اللغة الإنكليزية، ويطلب منه الحديث بالفرنسية، وينصحه المُشاركة في لعبته المُخادعة، وكي يُطمئن العائلة المُختبئة في القبوّ، وتبقى في نفس المكان، يطلب العقيد من الأم، وبناتها الدخول، وفي الحقيقة، كان الأمر مُوجهاً إلى الجنود الذين يعبرون العتبة بصمتٍ، ويُمطرون المكان برصاص رشاشاتهم.
في ذلك المشهد، تموت العائلة اليهودية، ماعدا quot;شوشاناquot; التي تهرب على الرغم من تصويب العقيد quot;هانز لانداquot; مسدسه نحوها، وإمكانية القضاء عليها فوراً، أو ملاحقتها بسيارته، إلاّ إذا كان راضياً عن هروبها، تاركاً فريسته حرةً بانتظار اصطيادها في مرةٍ قادمة، وهو الذي يُسمّونه quot;صياد اليهودquot;، ولكن، ربما يكشف quot;تارانتينوquot; في الجزء الثاني من الفيلم ـ المُتوقع إنجازه ـ عن السبب).
من خلف ستارة الشباك، يراقب الهاربان quot;أوتيسquot;، وquot;ويسquot; ما يحدث خارج الكوخ، وبسبب المسافة التي تفصلهما عن قائد الفرقة، والأب، لا يتمكنا من سماع الحوار المُتبادل بينهما.
(في quot;أولاد زنا بلا مجدquot; يتلصصّ أفراد العائلة المُختبئة في القبوّ من بين فتحات الأرضية الخشبية، ولا يفهما اللغة الإنكليزية التي يتحدثها العقيد quot;هانز لانداquot;، والمُزارع السيد quot;لاباديتquot;).
quot;أوتيسquot; وquot;ويسquot; يفهما الحيلة التي يُدبرها لهما الاثنان، وبعد أن يغادر قائد الفرقة المكان للبحث عن زملائه، يخرجا من الكوخ، يقتلا الأب، يسرقا حصانيّن، ويهربا، ولكنّ رصاصة تُصيب quot;أوتيسquot;، ويتمكن quot;ويسquot; من الهرب.

الجلادون يموتون أيضا
في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، يترك الملازم أول quot;ألدو راينquot; أحد الجنود الألمان على قيّد الحياة مقابل الإدلاء عن مكان فرقةٍ من الجيش الألماني، ويتخلل ذلك المشهد الدمويّ لقطاتٍ اعتراضية، حقيقية، أو مُتخيلة quot;مُتوقعةquot;، وفيها يقف الجندي الألماني مُرتعشاً أمام قائده quot;هتلرquot;، ويخبره بأن quot;أولاد الزناquot; تركوه حياً كي يحكي للآخرين عن الفظائع التي تنتظر النازيين، ولكنّ quot;هتلرquot; السريع الغضب يدقّ بقبضة يده على الطاولة، ويصيح هائجاً : Nein, Nein, Nein (لا، لا، لا).
لقطة من فيلم الجلادون يموتون أيضاوبالعودة إلى الفيلم الأمريكي Les bourreaux meurent aussi/Hangmen Also Die (الجلادون يموتون أيضًا) من إنتاج عام 1943، وإخراج quot;فريتز لانغquot;(عن سيناريو برتولد بريخت) الذي تدور أحداثه في quot;براغquot; عاصمة quot;تشيكوسلوفاكياquot; عام 1941، سوف نعثر على لقطةٍ مُماثلة، بطلها هذه المرة الحاكم النازيّ quot;راينهارت هايدريشquot;(Hans Heinrich von Twardowski) ـ الذي اغتالته المُقاومة التشيكية في 27 مايو عام 1942ـ يضرب بسوطه على الطاولة صائحًا: ألمانيا، ألمانيا، ألمانيا.
وبالإضافة إلى تلك الاستعارة الطريفة، أتوقع بأنّ quot;تارانتينوquot;(الذي صرّح بأنه شاهد معظم الأفلام التي أُنتجت عن الحرب العالمية الثانية) استعار أيضاً الكثير من شخصية أحد الضباط في فيلم quot;الجلادون يموتون أيضاًquot;، وأسلوبه المُخادع في التحقيق مع الفتاة ماشا quot;آنا ليquot; ابنة البروفيسور المُناضل quot;ستيفين نوفوتنيquot;(والتر برنان)، ولكن، بشكلٍ خاصّ، مع بائعة الخضار عندما يجلس خلف مكتبه، وأمامه فنجان قهوة، يُطقطق أصابعه، يلتقط قطعة بسكويت، يكسرها، ويمضغها بتلذذ.
وربما يُذكرنا بمشهدٍ مُماثل في quot;أولاد زنا بلا مجدquot; عندما يلتقي العقيد quot;هانز لانداquot; مع quot;إيمانويل/شوشاناquot; في المطعم، ويطلب لها كأساً من الحليب، وبدوره يلتهم قطعة الحلوى بالكريمة بطريقة نهمة.
في فيلم quot;الجلادون يموتون أيضًاquot; يشكّ قادة المُقاومة التشيكية بخيانة مواطنهم quot;إميل تشاكاquot;(جيني لوكخارت)، وتعاونه مع الاحتلال النازيّ، فيدبرون خطةً لكشفه، وحول مأدبة عشاء، يحكي أحدهم بالألمانية طرفةً، فيضحك الجميع بما فيهم quot;تشاكاquot; المُفترض بأنه لا يعرف الألمانية.
وكلّ من شاهد quot;أولاد زنا بلا مجدquot; لن ينسى تلك اللحظات الدرامية الحاسمة في بعض مشاهده التي تنطلق جوهرياً من العوائق اللغوية بين شخصيات الفيلم:
ـ الحوار المُتبادل بين العقيد quot;هانز لانداquot;، والمُزارع الفرنسي السيد quot;لاباديتquot;، بالفرنسية أولاً، والانتقال إلى الإنكليزية، والعودة إلى الفرنسية من جديدٍ في لعبة تحقيقٍ خبيثة، ومدروسة لمعرفة مخبأ العائلة اليهودية.
ـ الحديث باللغة الألمانية بين المُمثلة quot;بريدجت فون هامرسماركquot; مع أعضاء المُقاومة من الضباط البريطانيين المُتنكرين بثيابٍ عسكرية ألمانية في اللقاء الذي جمعهم في حانة، ومن ثمّ اكتشاف أحد ضباط المخابرات لحقيقتهم عن طريق لهجتهم الغريبة.
ـ المشهد quot;الأسطوريّquot; بمناسبة حفل العرض الأول لفيلم quot;فخر الأمةquot; في الصالة التي تمتلكها quot;إيمانويل/شوشاناquot;، والذي يجمع الممثلة الألمانية quot;بريدجيت فون هامرسماركquot;، والملازم أول quot;ألدو راينquot;، واثنين من quot;أولاد الزناquot; مُتنكرين في فريق تصوير إيطاليّ، وعلى عكس توقعاتهم، يكتشفون بأن العقيد quot;هانز لانداquot; يتحدث الإيطالية بطلاقةٍ بالمُقارنة مع الطريقة المُضحكة التي ينطق بها quot;ألدوquot;، ورفيقيّه أسمائهم.

اثنان على الطريق
في نهاية الفيلم الأمريكي Macadam agrave; deux voies/Two-Lane Blacktop quot;اثنان على الطريقquot; من إنتاج عام 1971، وإخراج quot;مونتي هيلمانquot;، يقود السائق quot;جيمس تايلورquot;، وصديقه الميكانيكي quot;دونيس ويلسونquot; سيارتهما بسرعةٍ جنونية، رغبةً بكسب السباق مع صاحب السيارة الصفراء quot;وارين أواتيسquot;، أو تحدياً للموتquot;يتعمّد سيناريو الفيلم عدم ذكر أسماء الشخصياتquot;. لقطة من فيلم اثنان على الطريق
في اللقطة الأخيرة من الفيلم تحترق الصورة، وهي فكرةٌ مُستوحاة من زمن استخدام السينما التجريبية لشرائط مقاس 8، وسوبر 8 مللي، وكان يتصادف بأن يتوقف الشريط عن الدوران في الآلة، وتحترق الصورة المُواجهة لمصباح الإضاءة، وتُضفي على العرض أجواءً متناقضة من البهجة، والتعاسة. وتحولت تلك الحوادث المألوفة إلى جزءٍ من العرض نفسه، وكان بعض السينمائيين التجريبيين يتوقف عمداً عند صورةٍ مُعينة لإحراقها مباشرةً أمام الجمهور، بينما شطح خيال آخرين بعيداً، واستخدموا صوراً محروقة في أفلامهم، حتى أنّ السينمائية الفرنسية quot;فريدريك دوفوquot; أنجزت أفلاماً من شرائط محروقة، أو عمدت إلى إحراق إطارات الشريط نفسه بواسطة نصلٍ مُحمّى.
يمنح احتراق الصورة في نهاية فيلم quot;اثنان على الطريقquot; معنىً رمزيًا يمكن إسقاطه على شخصيات الفيلم، وانعكاس الأزمة الوجودية على جيلٍ كاملٍ من الشباب الأمريكي نهاية الستينيّات.
ويبدو بأن quot;تارانتينوquot; الذي تكشف أفلامه عن منحى تجريبيّ خاصّ في إطار السينما السائدة، التقط تلك النهاية الإستعارية لشخصيات فيلم quot;اثنان على الطريقquot;(والفيلم نفسه)، وأعاد تدويرها في فيلمه quot;أولاد زنا بلا مجدquot; عندما مستخدماً فكرة احتراق شرائط الأفلام المُحتوية على مادة النيترات الشديدة الاشتعال (في إحدى اللقطات الاعتراضية، يُقسّم quot;تارانتينوquot; الشاشة إلى قسميّن، نشاهد في يمين الصورة لقطةً بالأبيض، والأسود تُوضح منع نقل تلك الأفلام في وسائل النقل العامة، وفي يسارها تظهر مقصورة العرض في الصالة التي تُديرها إيمانويل/شوشانا).
للوهلة الأولى، احتراق كومة شرائط الأفلام، ومن ثمّ الشاشة، يبدو حادثاً قدرياً، ولكن، حالما يتكشف الغرض منه عن طريق الرسالة الصورية المعروضة على الشاشة ـ المُحترقة بدورها ـ والتي تُوجهها quot;شوشاناquot; إلى الحاضرين، وخلال ثوانٍ تتحول صالة السينما إلى فرنٍ عملاق لإبادة رموز النازية quot;سينمائياًquot;.

القطار المُصفح الملعون
أخيرًا، وهذا لا يعني بأنّ المرجعيات السينمائية لفيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot; قد انتهت (لأنني لم أشاهدها بعد)، ولكنّ صديقاً من أكثر المُتابعين للسينما quot;طولاً، لقطة من فيلم القطار المصفح الملعونوعرضاًquot; ـ على حدّ تعبير الناقد السينمائي اللبناني محمد رضا ـ لفتَ انتباهي إلى الفيلمٍ الأيطالي Quel maledetto treno blindato (القطار المُصفح الملعون) من إنتاج عام1978، وإخراج quot;إنزو .ج .كاستيلاريquot;.
وبعد التحقق من هذه المعلومة، وجدتُ بأنّ عنوانه الفرنسي Une poigneacute;e de salopards، ويعني (حفنة أشرار/أوباش/أنذال)، ويشبه كثيراً عنوان الفيلم الأمريكي/البريطاني quot;دستة أشرارquot;، أما العنوان الإنكليزي فهو The Inglorious Bastards، وهذا يعني بأنّ الملعون quot;تارانتينوquot; قد استعاره عنواناً لفيلمه.
ويتوقع الصديق بأنه النسخة الأصلية من فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، ومن المُؤسف بأنني لم أعثر على نسخةٍ منه، ولكنّ مشاهدة التسع دقائق الأولى المُتوفرة على الأنترنت، وقراءة مُلخص الفيلم تنفي ـ بشكلٍ ما ـ الفكرة المُتداولة، ورُبما لم يكن أكثر من مرجع هامشيّ.
على أيّ حال، ومع هذا الكمّ الكبير من الاقتباس، الاستعارة، الإستيحاء، الاختطاف، وإعادة التدوير،..لا يمكنني نفيّ أصالة فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، أو تجاهل مُساهمة quot;كونتان تارانتينوquot; في إحياء السينما من خلال السينما نفسها، وإعادة الاعتبار لأفلامٍ، ومخرجين, والتأكيد بأن quot;السينما ضدّ النسيانquot;.

هوامش:

كنت أنويّ التوقف عند هذا الحدّ عندما قادتني الصدفة لمُشاهدة الفيلم الإيطالي/الفرنسي Ercole alla conquista di Atlantide/Hercule agrave; la conquecirc;te de lrsquo;Atlantide (هرقل قاهر أتلانتا) من إنتاج عام 1961، وإخراج quot;فيتوريو كوتافافيquot;، وبالإطلاع على قائمة الأفلام التي شارك quot;ريغ باركquot; الذي أدى دورquot;هرقلquot;،، وجدتُ بأن أحدها quot;الهلع في قرقيزياquot; من إنتاج عام 1964، وإخراج quot;أنطونيو مارغاريتيquot;، وquot;روجيرو ديوداتوquot;.
وفي الفصل الخامس منquot;أولاد زنا بلا مجدquot;، وبالتحديد حفل العرض الأول للفيلم النازيّquot; فخر الأمةquot;، يلتقي العقيد quot;هانز لانداquot; مع المُمثلة الألمانية quot;بريدجت فون هامرسماركquot; بصحبة الملازم أول quot;ألدو راينquot;، واثنيّن من quot;أولاد الزناquot; المُتنكرين في فريق تصوير إيطاليّ، وخلال مراسم التعارف، ينطق أحدهما اسمه quot;أنطونيو مارغاريتيquot; بطريقةٍ مُضحكة للغاية، تُشير بأنه لا يعرف من اللغة الإيطالية أكثر من اسمه فقط، وتؤكد للمُتفرج بأنّ quot;تارانتينوquot; لم يقتصر على الاستيحاء من أفلام غيره، ولكنه استعار أيضاً أسماء مخرجين، والقائمة طويلة.....
*Inglourious Basterds ترجمها البعض :
أولاد زنا بلا مجد، أوغاد بلا مجد، أولاد زانية شائنون، أوغاد مجهولون، صعاليك مجهولون، أوغاد شانئون، وبما أنني لا أتقن اللغة الإنكليزية كحال الفرنسية، فإنني أترك القارئ يختار الترجمة المُناسبة له، مع أنني تخيّرت quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، وأنا أميل إلى الحفاظ على العناوين الأصلية للأفلام بدون ترجمة إلى لغةٍ أخرى.
*كلّ الأسماء المُشار إليها في القراءة مكتوبة باللغة العربية وُفق نطقها باللغة الفرنسية.

نصّ القراءة الأولى لفيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;
http://www.elaph.com/Web/Cinema/2009/9/480133.htm