أمانٌ

زمنٌ مستحيلٌ ليسَ كأزماننا، حيث تُرمى أسمالنا في عفن النفايات، وتقطعُ أوصالُنا.. هنا، تجلسُ وحدَها منتصفَ الليل تقرأُ quot;فوضى الحواسquot;، وحواليها مصابيحُ ناعسة، تنتظر نهاية الفصل، ثمّ تغفو مثلنا. وفي لحظة تالية، تحتضنُ قامتها الساحة الساجية، هي ولداتها من نسيج هذا الزمان الرخي، بناتُ أمنه وأيامه...

ضجّة ال(مول)

هنا المسافات تنأى بين حيّ وحيّ، وإنّ لفي مولاتها ألفُ سبب، لتخرجَ من وخم الشقة، وتلقي بحاساتك ثمةَ، حيث تعجّ بالخلائق أروقة المول، وبالوجوه التي محا الزمان ملمحها، أنا أعرفها، لحمها، دمها، لكنْ نسيتُ أسماءها-، فآبوا اليّ من رحاب المعاهد والجامعات، يومَ كنتُ أهرقُ الجهد من أجلها، فهمُ الآنَ أضغاث حلم، لم أعهدْها قبلاً، لديهم عيالٌ، أمل، طووا إرثهم رموه في إحدى ضواحي بغدادهم، وحين يرحلُ هذا الغبارُ الوباء، يؤوبون الى جنة المأوى، لكنهم الآن ضيوف دبي و(أبو ظبي) والشارقة..

ساعةٌ للتريض

المصابيحُ مثلُ البشر، تحرسُ هذا الفضاء، من خدش الظلام، ونحنُ فرادى أو جماعات، نتمشى على البلاط النظيف، نمنحُ أجسادنا فسحة للحراك، ثمة وجوهٌ، عراها كلسُ الهرم، توقظ خطاها كسلَ الدم والعظم، المصابيح حوالينا تقاسمنا النشاط، و تتلو علينا هذياتها، تتمنى لأيامنا صحة وافرة..

فرحٌ صغير

دَبَةٌ الماء بدراهم سبعة ٍ،وكنتُ هيأتُ له عشرة ً، وما أن وضعَ بضاعته في فسحة الباب، ناولته ما بيدي، ورقة خضراء من فئة العشر، فمضى راضياً، كأني زرعتُ في عروة جاكيته سنبلة َفرح ٍ:

عبيد

كان منفعلاً، يشجّعُ بضعة َ فتيان، من بقاع ٍ شتى، تتدحرجُ كرةٌ بين أقدامهم،أأنتَ عراقيّ؟ أسأله، يّجيبُ: لا فرقَ،أنا من دبي. هو في مبتدأ عشرينياته، وأنا في مستهل سبعينياتي، لا أدري كيف غدونا صديقين، عبيدُ، هذا الفتى الإماراتيّ، غدا أثيراً لديّ مثلَ وَلدَيْ، فأمضينا ساعة ً نتمشى في المَمَرّ الدائري، ياه،ما أعذبَ أحاديثه عن وطنه، وما أخلص كلماتي، أنثرها نصحاَ على مسمعِه.

الخلود

كان جلجامش أحمق طوباوياً، فلمَ غامر بحثاً عن الخلود؟ قال صاحبي ساخراً، ثمّ أضاف: الخلود كان طيّ سريره، لكنه كان أعمى البصيرة، أليس المرءُ خالداً في أنساله، وفيهم بقاياه؟ ذاكرته، أحلامه، دمه، بعضٌ من روحه أودعها عندهم. وذا جدنا آدم خالدٌ فينا، ولما يزلْ إرثه، تأريخه، أخطاؤه أمانة لدينا، إنه فينا، فها نحنُ نغذ خطانا على آثاره...يبتسم ُصاحبي ويغادرني. وشفتاه تهمسان: حقاً ان بطل الملحمة اشدّ حمقاً مني، فما معني أن يحظى بالخلدٍ من دونِ سواه، كان محضَ نرجسي مارقاً.

حكاية

لوحات سعدي الكعبي حكايات رمل ٍ ترتديها مومياوات ٌبشرية تائهة، تسوّرها سلاسلُ همّ وإحباط، تتحاور إيماءً وهمساً، لئلا يبطشَ بهم طاغية جائر. أشباح بشرٍ، جيءَ بهم من أزمنة الطمي والتِرْب، أو قذفت بهم طوفانات من أيام سومر، لكن لمَ يستقدمهم الكعبي ملوّثين بالقمع؟ ربما ليُدلوا بشهاداتهم عن الخراب الذي حلّ بالوطن..

مطاردة

في رواق الحلم فتنة ٌ تطاردنا، تؤوب من جحيم أيامنا، تلصقُ بنا مثلَ آثامنا، ثمة َ حرسٌ جبلوا على القتل، مدججين بآلات موت، ترى علامَ إقتحموا ساحة أحلامي؟ فأضطررتُ لأن أُوسعهم قتلاً، وأنتهوا، لكنْ كيف بوسعي أن أكنس فضاء رؤياي من بقايا الدم؟ فألتقتني إمرأةٌ فرأتْ دخاناً خيّمَ على وجهي، وأخبرتني أن الدمى التي حاصرتني أضغاثُ كوابيس،إذا ًعلينا تركُ هذا المكان، لنكمل معاً شريط قصة ٍلم تكتمَلْ..