منهج التحليل التقابلي Contrastive analysisهو دراسة مقارنة للغتين أو أكثر أو للهجات مختلفة من لغة معينة بهدف أيجاد أوجه التشابه والاختلاف بينها بصورة عامة أو في جوانب لغوية معينة.
يرى بعض الباحثين أن الدراسات اللغوية التقابلية Contrastive studies يجب تمييزها عن علم اللسانيات المقارنة Comparative linguistics والذي هو عبارة عن دراسة مقارنة للغتين أو أكثر يعتقد أنهما ترجعان إلى أصل واحد وبينهما أصول تاريخية مشتركة بهدف اكتشاف تلك الأصول و إعادة بنائها.
بينما يرى البعض الآخر أن خلطاً قد حصل في استعمال المصطلحات الدالة على منهج التقابل والمقارنة من قبل الباحثين في مجال علم اللغة المقارن. فأطلق على الدراسات التي تعنى بمقارنة لغتين أو أكثرمسميات عدة من قبيل الدراسات التقابليةContrastive studies، دراسات اللغة التقابليةContrastive language studie ، اللسانيات التقابليةContrastive linguistics، الدراسات التقابلية التطبيقيةApplied contrastive studies، الوصف التقابلي Contrastive description وغيرها. ولاتدل جميع هذه المصطلحات على معنى واحد عند مستخديميها من العلماء بل تدل على معانٍ عديدة ومختلفة ولكل باحث طريقته الخاصة به في استعمالها.
منشؤه
ويعتبر منهج التحليل التقابلي حديثاً بالمقارنة مع المناهج الأخرى في علم اللسانيات فقد نشأ هذا المنهج خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الحاجة الملحة أنذاك لتعلَم وتعليم اللغات الأخرى كلغات ثانيةSecond languages أو لغات أجنبية Foreign languages. حيث كانت جيوش الولايات المتحدة الأمريكية تقاتل على جبهات مختلفة في مناطق متعددة من العالم فأحس قادة تلك الجيوش وضباط المخابرات بالحاجة الماسة إلى فهم لغات الشعوب التي يقاتلون على أراضيها بل والتخاطب بها إن أمكن. ومن هنا نشأت الحاجة إلى تعلم وتعليم تلك اللغات من خلال تحليلها ومقارنتها باللغة الإنجليزية باتباع منهج التحليل التقابلي الذي أثبت جدواه وفاعليته.
ويرى بعض الباحثين أن هذا المنهج كان سائداً قبل ذلك بكثير وأن إرهاصاته بدأت في إنكلترا حينما شرع اللغويون بمقارنة الأنماط النحوية الإنجليزية مع تلك التي في اللغة اللاتينية.
بينما يذهب بعض علماء اللسانيات إلى أن هذا الفرع من علم اللغة كان قد بدأ في أواخر القرن التاسع عشر حين إهتم علماء اللغة بدراسة فقه اللغة المقارنComparative philology في محاولة منهم لإيجاد روابط بين لغات العالم المختلفة على المسوتيين البنيوي والتاريخي بهدف إظهار القواسم المشتركةCommon factors فيما بينها وبالتالي تصنيفها إلى quot;عائلاتquot; لغوية Language families.
والأمر الذي لاشك فيه هو أن هذا المنهج قد بلغ ذروة نضجه وصار يتبناه الباحثون في دراساتهم اللغوية في ستينات القرن المنصرم في الولايات المتحدة الأمريكية عندما أستخدم بصورة فعالة في تفسيرالمشاكل الناجمة عن عملية تعلم وتعليم اللغات الأخرى كلغات ثانية أو لغات أجنبية ولتجنب الوقوع في الأخطاء الشائعة المصاحبة لتلك العملية والتي يعزوها العلماء إلى تأثير اللغة الأولىFirst language على اللغة الثانيةSecond language أو ما أطلق عليه فيما بعد بتداخل اللغة الأولى First language interference. وقد تعزز هذا الاهتمام في السبعينات من القرن الماضي حينما قام الباحثون الأوروبيون بمقارنة لغاتهم باللغة الإنجليزية.
أنواعه
يقسم الباحثون الدراسات اللغوية التي اتخذت من التحليل التقابلي منهجاً لها إلى ثلاثة أقسام وهي:
1. دراسات قائمة على منهج التحليل التقابلي الخالص. وهي التي تعنى بمقارنة لغتين أو أكثر أو لهجتين من لغة ما أو أكثر لتسليط الضوء على نقاط التشابه والاختلاف بينها. وقد ظهرت جملة من الدراسات الرصينة المكرسة كلياً لهذا الغرض، فقورنت اللغة الإنجليزية بالعربية والفرنسية والروسية والصينية وبقية اللغات الأخرى، كما قورنت اللغات الأخرى باللغة الإنجليزية.
2. دراسات نتجت عن تحليل الأخطاء اللغويةLinguistics error analysis الناجمة عن تعلم لغة ما أو الترجمة منها وإليها. وقد اهتم الباحثون في هذا الحقل بتتبع تلك الأخطاء ومحاولة الكشف على أسبابها وطرق تلافيها. وبالطبع ما كان لهم أن يخوضوا في هذا الغمار ما لم يتخذوا التحليل التقابلي منهجاً.
3. دراسات لغوية وصفية Linguistics descriptive studies. وهي الدراسات التي اهتمت بوصف جانب لغوي أو عدة جوانب لغوية في لغة ما. وهذا النوع من الدراسات سهّل عملية مقارنة تلك اللغات باللغات الأخرى على ضوء منهج التحليل التقابلي.

فوائده
مما لاشك فيه أن اكتشاف منهج التحليل التقابلي وتأصيله وتطوير أدواته قد عاد على علم اللسانيات وعلى المتخصصين فيه بالنفع الكثير. فقد أسهم هذا المنهج في تصنيف لغات العالم المختلفة إلى عائلات لغوية متعددة وذلك من خلال دراستها دراسة تقابلية مقارنة أظهرت بوضوح قواسمها المشتركة التي سهلت عملية فرزها وإدراجها تحت عائلات مختلفة.
ولعل من أهم عوامل تطور ونجاح هذا المنهج في الدراسات اللغوية المعاصرة هو الاهتمام المتزايد به من قبل مدرسي اللغات ومتعلميها. فالتحليل التقابلي قد نجح إلى حد كبير في تفسير مشلكة التداخلInterference في مجال تعلَم اللغات واكتسابها. وقد تم استعمال نتائجه وتطبيقها لتطوير مواد ومناهج وطرق تعليم اللغات الأمر الذي ساعد كثيراً في تجنب متعلمي اللغة من الوقوع في أخطاء لغوية تتعلق بتأثير اللغة الأولى على اللغة الثانية وذلك من خلال إبراز أوجه التشابه والاختلاف على المستوى الصوتي Phonetic level والمستوى الصرفي level Morphologicalوالمستوى النحوي Syntactic level والمستوى الدلاليSemantic level والمستوى الاستعمالي Pragmatic level.
كما وأستفاد دارسوا علم الترجمة من منهج التحليل التقابلي فائدة كبيرة حيث وجدوا أن الإلمام بأوجه التشابه والاختلاف بين اللغة المنقول منهاSource language وتلك المنقول إليها Target language يجعل المترجم قادراً على تجنب الوقوع في إخطاء كثيرة من قبيل الترجمة الحرفية للتراكيب والصيغ والدلالات. زد على ذلك إن الإلمام بهذا النوع من التحليل يجعل المترجم قادراً على الإحاطة بجوانب النص المراد ترجمته إحاطة علمية شاملة ودقيقة لاتستوعب المستوى النحوي أو المفرداتي فحسب بل تتعاداهما إلى مستوى الخطاب ونوعه وظروفه الموضوعية.
كما وقد استفاد نقاد الترجمة بشقيها الشفوية والخطية من منهج التحليل التقابلي في عملية نقد وتحليل وتقييم النصوص المنقولة من لغات أخرى. فقد مكنهم هذا المنهج من اكتشاف مواطن ضعف النصوص المترجمة واكتشاف مواطن قوتها، وسهل لهم عملية بلورة نماذج أو أنماط أو أقيسة لتقييم تلك النصوص والحكم على ترجمتها بالجودة أو الرداءة وعلى مترجميها بالكفاءة أو بعدمها.

الدكتور علي يونس الدهش: الجامعة الوطنية الأسترالية (كانبيرا - أستراليا)