لا تتكامل عملية الإبداع المسرحي إلا بتركيب واستخدام فنون مختلفة، كالرسم والرقص والنحت والشعر والموسيقى وغيرها، و القدرات الأخرى لفنانين لهم علاقة مباشرة في خلق التأثير المسرحي كالمخرج والممثل والتقنيات الفنية العديدة، وهذا هو جوهر المسرح الذي يهدف الى خلق تلك الدلالات والإشارات الفنية والإ قونية التي تنتجها اللغة التعبيرية المرئية لجسد الممثل ومكونات الفضاء المسرحي الاخرى بغية خلق معنى معرفي جديد وغربلة وعي المتفرج وإرباك تقليديته من خلال الوسائل المسرحية المختلفة.
(فالإشارة المسرحية تتميز بتعددية وظائفها وقدراتها على التحول الدائم. وخاصية التحول هذه، يتفرد بها المسرح) الذي له دائما مهمة واحدة هي (الإشارة الى شئ أخر , ويكف أن يكون مسرحا إذا لم يدل على شئ آخر) بمعنى (أن العرض المسرحي هو مجموعة إشارات) كما يفاجئنا جيندريك هونزل. وإذا كان المسرح بطبيعته يستوعب هذه الفنون جميعها فانه يتميز أيضا بالقدرة على (تحررها من القيود التي فرضتها عليها فنونها الأصلية وتوحيدها في كل موحد يتميز بخصائص مسرحية حتى تدخل هذه العناصر في علائق وانساق جديدة عند تمسرحها، وتفقد هذه العناصر المختلفة لهذه الفنون، استقلاليتها وخصوصيتها وتندمج عبر الفعل المسرحي).
وإذا استعرنا مفهوم هونزل فان المسرح فن أحادي (بمعنى انه فن مُوَحِدhellip; أي يخلق وحدة الفنون المختلفة لخدمة هدف واحد) على خلاف مفهوم فاغنر للمسرح الذي ينص على انه فن تركيبي ـ مكون من عدة فنون.
المسرح hellip;..فن اللحظة
المسرح هو فن اللحظة (ألان وهنا) التي لا يخضع الزمن فيها لأبعاده الواقعية والمنطقية، وانما يخضع الإبداع المسرحي لقوانين زمن الإبداع الذي يكون ديناميكيا يعبر عن الإيقاع المستتر للموضوع الفني، فيظهر لنا الخفايا اللامرئية في الواقع والحياة وذات الإنسان. ويقوم أيضا بدلالات وإحالات إلى الماضي وكذلك المستقبل.
فالطاقة الإبداعية في الفنون جميعها وفي المسرح خاصة، ذات قيمة دلالية، تقوم بالعدوى وتؤثر على الفنان، ومن خلاله يتسرب الإبداع المبني على الإشارات والدلالات والإحالات السميولوجية الى المتلقي الذي يتحول الى متفاعل بمفردات هذه اللغة التعبيرية لخلق صورة درامية في زمن و ظروف محدد ة، ولكنها تخضع للآنية (ألان) وللمكانية (هنا) وبهذا يكمن جوهر الفن المسرحي.
والشيء الذي يمتلك أهميته في المسرح أيضا هو quot; اللحظة الإبداعية quot; التي تعتبر رؤيا درامية ذات دلالات سميولوجية يتجلى بمفرداتها فكر المؤلف والمخرج، ويتجسد المعنى الذي ينتجه جسد الممثل وقدراته التعبيرية لتأليف لغة دلالية إشاراتية للمخاطبة والتأثير على الحواس البصرية والسمعية للمتفرج المتفاعل. وتتم عدوى التأثير بين حامل اللحظة الإبداعية(الفنان) والمتفاعل (الجمهور) فقط عبر اللغة الإبداعية المتفردة وغير المعادة، التي لا تؤثر على السمع فقط وانما على مجموع الحواس الأخرى. ولا يغفر المسرح لكل مبدع لا يمتلك حساسية الوجد الفني هذه.
في الفن المسرحي وبالذات في إبداع الممثل ليس هنالك حدود بين الدراما والشعر. والهذيان المبدع (الارتجال) لجسد وفكر الممثل الفنان الذي هو اختزال لفكر المخرج الدراماتورج هو الذي يحقق هذا التلاحم الكيميائي لمكونات اللغة السميولوجية، وهذا يخلق تكامل لغة الممثل الإبداعية التي لا تلعب دلالاتها تأثيرا إلا عندما يكون جوهر هذه اللغة خاضعا للحظة الزمن الإبداعي، وامتلاكها لايتم إلا من خلال دلالات الرؤيا الشعرية المتفجرة دراميا، والرؤيا الدرامية المتفجرة شعريا.
وتمتزج عادة الرؤيا الدرامية السميولوجية وتتحول الى صورة واشارات شعرية فقط من خلال امتلاك المبدع لمفردات لغته التعبيرية غير اللفظية، لان المسرح هو فن الدلالات والاحالات والاشارات التي تخلق تكاملية الصورة الدرامية الشعرية، حيث ينثر الشعر كتعويذة امام بصر وبصيرة الاحياء الذين مازالوا ينحدرون نحو الهاوية بابتهاج لا مثيل له.

الممثل الفنان hellip;hellip;والممثل المتكيف
يهدف الفنان عادة الى خلق المعرفة والجمال في ذاته والمحيط الذي يتفاعل معه.أما اذا كان هدفه بوعي أو بدونه هو السذاجة الفنية تحت ضغوط أنانية مرضية أو منافع مادية آنية كما في الكثير من تجارب المسرح العربي، فان هذه الفرضية تشترط علينا النظر إلى مشكلة رئيسية في الفن المسرحي، وهي علاقة الممثل بذاته وبمفردات عمله الإبداعي وكيفية امتلاكه للوسائل التي تؤدي إلى رفض السكونية والنمطية في عمله، عندما لا يعي الممثل لغته الإبداعية، ومن ثم علاقته بالأشياء والكتل ومكونات الفضاء الإبداعي التي يجب ان تكون غير ساكنة في مكان وزمان الفعل. وتعتبر هذه النمطية والسكونية ـ حتى وان كان الممثل في حركة سواء كانت مادية أو فكرية ـ إثم لا يغتفر له في المسرح المعاصر، لأنها لا تنتج معنى.
إن جسد الممثل الذي يعتمد النمطية يخلق بالتأكيد دلالات واشارات مكررة و ساذجة بسبب كونها لا تنتج إحالات لمعاني معرفية، بل تشكل ثرثرة في الفضاء، يصبح فيها جسد وفكر الممثل بعيدا عن الخلق الفني والمعرفي. فالحركة التعبيرية لجسد الممثل هي مفردات للغة معرفية في الفضاء الديناميكي المكتظ بالدلالات والرموز والضاج بالمعاني. وعلاقة الممثل بالسكونية والنمطية تحدد لنا نوعين من الإبداع في عمله:
1ـ الممثل الفنان:
وهو الفنان الذي ينشئ معنى معرفيا في الفضاء الإبداعي في مكان وزمان وظرف محدد، ويمتلك معرفة علمية وإبداعية بتكنيك لغته الفنية، و هو الذي يكوّن من جسده والوسائل التعبيرية الاخرى لغة سميولوجية لانتاج المعاني.
ويمتلك هذا الفنان عادة حساسيته الشعرية التي تكتنف علاقته بالأشياء والمواد الأخرى من اجل إعادة خلق الفضاء المسرحي المشحون بالمعنى الفني والدلالي والمعرفي من جديد،على غنى علاقة الممثل بالأشياء والمواد المحيطة به، فتتغير وظيفة هذه الأشياء عادة بتغير إيقاعها نتيجة لطبيعة تعامل الممثل معها أي العلاقة بين جسد وفكر الممثل وهمس الأشياء، فيصبح لها كيانها وجوهرها ورموزها من خلال مدلولاتها في الفضاء المسرحي.
وبهذا يمكن خلق ديناميكية فضاء الطقس المسرحي مما يدفعنا إلى التفكير بالمسرح كإيقاع حركي ديناميكي، ولون له دلالته التعبيرية، وضوء من خلاله نسمع الصمت، وموسيقى لها وجودها البصري. وكل هذا له تأثيره على البصيرة أيضا، وعلى تلك الخفايا وأسرار الوجد في روح الإنسان.
2 ـ الممثل النمطي المتكيف
الذي يتكيف مع نمطية وسكونية المسرح التقليدي، وهو عبد مخلص لهذا الطريقة التي تنتج وتعيد واقعا فوتوغرافيا. ويعتمد الممثل فيها على الارتجال الساذج، بغية خلق علاقة تعتمد الثرثرة في الحركة التي لاتعني شيئا. فهي لا تنتج المعنى المعرفي في الفضاء المسرحي، ولا يمكن أن يتحملها جسد وفكر الممثل العارف بخلق التأثير البصري والمعرفي في الفضاء.
والارتجال السكوني غير الديناميكي لهذا الممثل (حتى وان اعتمد على نص مؤلف ما) يعني أن يلعب جميع الأدوار بذات السكونية وتلك المسالك والأنماط المعادة ( يعرفها جمهور المسرح التقليدي ويشجعها) التي تخلق منه ممثلا لا يملك خيالا خصبا ولاروحا متوهجة بل يعتمد على الصدفة في عمله الإبداعي.
القيمة الإبداعية في الفضاء المسرحي
إن الخطورة التي تواجه الفن المسرحي المعاصر تكمن في أنه قد يفني ذاته كفن hellip;..لسببين:
أما كونه فن واقعي فوتوغرافي يخدعنا برؤية الواقع والطبيعة مرة اخرى في فضاء المسرح hellip;.. أو مسرحا متأثرا بوسائل الإعلام الدعائية التي تنتج الضجيج الإعلامي المؤدلج، فيتحول المسرح الى وسيلة لتسريب المعلومات الساذجة، مبتعدا عن معالجة القيم الإنسانية والمعرفية العظيمة. ومازال المسرح العربي متأثرا بهذين الاتجاهين ماعدا بعض الإستثناءآت.
غير أن هذا الواقع المنقول بكل تفصيلاته عما نراه بالعين، يفرض منطقا على الممثل ويحتم عليه ان ينقل الى الجمهور واقعا معاشا ومكررا يوميا. وعلى الجمهور ان ينسى بانه يشاهد مسرحا وامامه غابة وهمية، وليلة نسى القمر فيها اطلالته على هذا الوجود وانزوى بين الكواليس. ومؤثرات مسرحية متقنة خلقت عاصفة كان غضبها مختلطا بمطر كالفؤوس تحفر جبهة ملك مشوش الفكر يتخبط وسطها هائجا، يائسا من الحب البشري، لا يعرف ماذا يفعل بعد أن استشرى مرض العقوق، فيلعن غاضبا بناته الثلاث ونفسه والطبيعة. إذن على الجمهور ان ينسى بان كل هذه الأشياء تضخمت بفعل المؤثرات المسرحية، وعليه ان يصدق بحقيقية هذا الواقع وطبيعية هذه العاصفة.
وحقيقة الأمر إن هذا التصور المسرحي كان هدفه نقل الواقع والطبيعة فوتوغرافيا ولايمكن اعتباره تكاملا فنيا. ولكن المسرح كان ومازال واقعيا، إلا أن هذا الواقع الذي نعنيه ومن الوجهة الفنية هو واقع فني (إذا جاز التعبير) مملوء بالرموز والإشارات والدلالات والغرابة والفنتازيا التي تبدو غير واقعية. وان الفن يفرض لغة ومفردات فنية رؤيوية لإنتاج المعرفة ضمن المفهوم والوعي السميولوجي. فالإبداع المسرحي هو فن يولد لذاته ومحيطه، مكتفيا بذاته فنيا وتعبيريا، وعندما يولد الممثل ويبدع في مكان فعله، فان الأفكار الفنية والحقيقة المعرفية المؤثرة والوسائل التي تساهم في خلق الحياة من جديد هي التي تبقى في الفضاء لتقلق المتلقي (المتفاعل).
ولهذا السبب بالذات يحتاج أي عمل درامي الى قراء آت سميولوجية عده من قبل منتجي الوعي الفني. وكنتيجة لهذه القراءة تختلج في ذواتنا أفكار كثير ة، منها ان الكاتب من خلال مؤلفه يريد أن يكشف لنا مقطعا من الحياة، او انه يريد ان يحدثنا عن سعادة بعض الناس ومستقبلهم، او تعاستهم وتعقيدات حياتهم اليومية، او انه يعالج الخراب الروحي لإنسان ما.

وبالتأكيد فان الممثل يمتلك انطباعاته وأفكاره الحياتية والفنية الخاصة عند تفاعله مع هكذا نص درامي. ولكن عندما تصبح الدراما مقطعا محددا ومنقولا من الواقع له تكامله فوتوغرافيا، هنا يكف المسرح أن يكون فنا يتواصل مع الجمهور سميولوجيا، ولهذا يختلف مدلول القراءة للنص بشكل عام وكذلك القراءة البصرية للفضاء المسرحي من قبل الفنان الذي يعتمد الوعي السميولوجي لانتاج المعرفة، عن مدلولها بالنسبة الى الفنان الآخر صاحب الوعي التقليدي الذي يبحث دائما عن تكامل الواقع فوتوغرافيا على خشبة المسرح.
وللتدليل على استخدام الرؤيا الفنية للتعبير عن الواقع او الظاهرة الواقعية باستخدام وسائل واقعية أيضا، لكنها بالضرورة تحيل الى دلالات ورموز جديدة، سأستعير المثال الذي أتى به جيندريك هونزل عن أحد عروض المخرج الروسي أوخلوبكوف التي عبر من خلالها تعبيرا مشحونا بالوعي السميولوجي عن عاصفة ثلجية :(أن المسرح يمتلك أدوات صوتية عديدة للإيحاء بالعاصفة، ولكن في عرض للمخرج أوخلوبكوف كان مجاز العاصفة قد أُظهر بغزو من قبل مهرجي كرنفال، فتيان وفتيات quot;ممثلون في مآزر زرقاء quot;يتراشقون بقصاصات ورق صغيرة وهم يقفزون محدثين ضجيجاً. هذا المجاز للعاصفة ـ الكرنفال الذي يبدو كالزوبعة ـ لم يكن فصلا من إخراج اوخلوبكوف لمسرحية quot; الارستقراطيون quot;، بل كان مشهدا مكانياً.. SPACIAL SCENERYأو وسيلة لتصوير quot;مناخ quot; الفعل ـ أي الإشارة للعاصفة) ونستطيع أن نستنتج من هذا، بان أي مادة أو عنصر يستخدم في الحيز الإبداعي، يمكن ان ينتج معنى جديد ويعاد خلق مكونات الفضاء المسرحي بحسب القراءة او الطريقة التي استخدمت فيها والمنظور الذي أريد الوصول اليه.
وضمن هذا المفهوم كان المخرج راينهاردت يحاول أيضا تحقيق المعاني والإشارات والإحالات التي تعيد تشكيل المكان من خلال علاقة الممثل بالديكور وكذلك تلك الحركات التي يقوم بها الممثل والتي تعطي معنا آخر وتشكل الفضاء الإبداعي في جدلية علاقة جسد الممثل بفضاء وجوده.
إن البحث في ماهية وجوهر الفن المسرحي المعاصر يدفعنا إلى التفكير بالفن كإيقاع ورتم حيوي داخلي وحركة ديناميكية متطورة تخلق القيمة الإبداعية في الفن عموما وبالذات إبداع الممثل كما أشرنا إلى ذلك سابقا. حيث من الضروري بمكان هو الكشف عن جوهر المادة أو الشيء الساكن في مكان الفعل من خلال التركيز على خلق الإيقاع الداخلي لهذه المواد، المرتبط بديناميكيتها غير المنظورة. فمثل هذا الإيقاع هو الذي يعبر عنها ويعكس حقيقتها وجوهرها بشكل فني.
ويكمن إبداع الفنان في الفضاء المسرحي في القدرة على تحويل المادة الواقعية الى معرفة إبداعية جديدة تؤثر على الحواس سمعيا وبصريا وتخضع لقوانين الخلق الفني. وهذا الهدف يضع عمل الفنان عموما والممثل خاصة ضمن مفهوم الواقعية المطلقة (مصطلح استعاري من المفكر البلغاري غيو ميليف) التي تعني دائما بالكشف عن جوهر المادة الداخلي وتعطي أبعادا شعرية جديدة لعناصر الفضاء المسرحي، وذلك من خلال اكتشاف واعادة خلق الإيقاع الداخلي للمادة التي تكون حية وديناميكية فقط بارتباطها بحركتها الداخلية غير المرئية.
فالإيقاع الداخلي للمادة، الجسد، الأشياء وهي في زمنها الإبداعي وديناميكيتها، هو الذي يعبر عن حقيقتها وجوهرها ضمن العملية الإبداعية. ويساعد على الفهم الحقيقي للمعنى الذي تبثه هذه المواد للمتلقي. ولذلك فان الصورة الدرامية ذات البعد السميولوجي، والإحساس بها وامتلاك حرفية خلقها تحتم على الفنان المبدع، التعمق بجوهر المادة الداخلي او روح الظاهرة من اجل الكشف عن ذلك الشيء الجوهري لإعادة تشكيله ورؤيته من جديد ضمن الشروط الإبداعية. وبمعنى آخر إعادة خلق الواقع المنظور له من خلال رؤية فنية حقيقية، أي إبراز وإعطاء بعدا ماديا للإيقاع الجوهري غير المرئي للمادة أو الشيء أو الموضوع، وهذا بالتأكيد يحيل الى دلالات الفكرة الجديدة والتأكيد عليها بعد أن كانت مستترة.
وتعتبر أعمال الفنان شاجال مثال حي على إبراز ذلك الجو والإيقاع الداخلي الذي هو في حقيقة الأمر موتيف خفي للحياة الواقعية إذا تعمقنا بوعي بما يحيطنا. ومن خلال شفافية فنتازيا شاجال المشوبة بسحر الرموز الحلمية لدرجة تظهر فيها ألوانه ومواده الفنية والكتل والأجساد التي تكون عالمه الفني، وكأنها تسبح في سديم حلمي، ميتا فيزيقي، لازوردي وغريب، لكنه في كل الأحوال لا يقل غرابة وغموضا عن الواقع الذي نعيش فيه. ولا يقل جمالا عن الطبيعة التي نحاول أن نباركها من خلال الفن.
وبالتأكيد فان هذا المفهوم حول هكذا إيقاع يشمل مجموع مكونات الخطاب المسرحي، كالنص، الإخراج، والتمثيل، بما فيها مكونات الفضاء وما ينتجه من ديناميكية جمالية وحقائق معرفية من خلال استخدام واع من قبل الممثل والمخرج وبعقل إبداعي حر وغنى فني بعيد عن التقليدية. ويشمل أيضا تلك الإشارات والرموز والعلامات التي تمتلك خصائصها وقدرتها على التحول لإغناء الخطاب المسرحي السميولوجي. حيث تتبادل المواد مظاهرها، أي أنها تنتقل من مظهر إلى آخر فتبدأ حيويتها ومن ثم تؤدي إلى بعث الحياة في الشيء الجامد.ويمكن أن يتم التحول من الرؤية السمعية إلى الرؤية البصرية وبالعكس.
مايرهولد hellip;. وتكنيك الممثل
للفعل المسرحي وإمكانيات جسد الممثل وما ينتجه من إشارات ومعان، أهمية فائقة لتحقيق تكاملية الخطاب المسرحي، حيث إن المخرج من خلال تحقيق ووضوح الفعل المسرحي يستطيع أن يخاطب الجمهور. فجوهر ومعنى عمل الممثل في الفضاء هو تحقيق هذا الفعل،(لأنه الحركة الداخلية للأحداث، ويقترن هذا الفعل عادة بعنصري الزمان والمكان). وبالتأكيد فان علاقة الممثل بالمكان والزمان لها أهميتهما القصوى، لذلك فان المعنى الواقعي للمادة، للمكان، للديكور مثلا يتغير. فالممثل يستطيع أن ينتج معنى ودلالات جديدة إذا تعامل مع المكان ومكوناته بأفعال ودلالات ذات معنى محدد وهدف معين. وحسب إرادة الممثل والمخرج فان خشبة المسرح الفارغة من أي معنى يمكن أن تصبح مكانا مملوءا بالرموز و تتحول إلى ساحة معركة أو بحر، سجن hellip;.. الخ
إذن الحديث عن عمل الممثل يدفعنا إلى التأكيد على أهمية رمزية الإشارة وما خلف الإيماءة التي تشكل جوهر عمله أيضا في إنتاج المعنى. لهذا فان اكتشافات المخرج مايرهولد في هذا الصدد مازالت تشكل أهميتها حيث إن معظم أفكاره حول التركيبية /الإنشائية CONSTRUCTIVISM أو نظريته التي أطلق عليها البيوميكانيكا، تصب في مفاهيم السميولوجيا المعاصرة وأهميتها في المسرح. حيث عمل ميرهولد على اكتشاف معاني ودلالات بعيدة عن معانيها في الواقع من خلال علاقة الممثل بالمكان والزمان.
فالوعي الفني المستقبلي لمايرهولد آنذاك حتم عليه استخدام التركيبية بدون أدوات ديكورية، وحل الممثل محلها. فتعامله معها هو الذي يحدد المكان ويوضح المهمات. فالممثل هو الذي يخلق
المعاني الجديدة
للأدوات والأشياء التي تكون الفضاء. ولهذا أتهم مايرهولد بالتجريدية.
ويحدثنا هونزل عن صراعات تلك الفترة:
(ان نقاد عروض مايرهولد تحدثوا كثيرا عن المشهد التجريدي، ولكن لا مايرهولد ولا أي فنان مسرحي آنذاك، كان معنيا quot; بالمشهد التجريدي quot; إن مشاهد مايرهولد كان لها مهام ووظائف ملموسة، لأنها كانت غير محددة بالشكل واللون، فصارت كالإشارات.
ويمكننا القول بان الوظيفة التمثيلية REPRESENTATIVE لم يعبر عنها بواسطة الشكل أو اللون، ولكن بأفعال الممثل وهو على سطوح الديكورات، على الأرض العارية، السطوح المعلقة، أو الانحدارية أو على السلالم.) فالممثل ولغته الإبداعية في الفضاء هي التي تخلق وجوده كفنان وتواصله مع الجمهور.
وكان مايرهولد يتميز بقدرته العالية في كيفية استخدام طاقات الممثل سميولوجيا. ففي مسرحية (موت تاريلكين نشاهد الممثل يغدو جيئة وذهابا كالسجين، لكنه ليس في سجن، وانما في بناء خشبي أسطواني لا يشبه السجن في أي حال، لكن من خلال حركة الممثل وتعامله مع المكان ندرك ان وظيفة هذا البناء هوquot; زنزانة quot;). إضافة إلى هذا فان الدلالة السميولوجية وعلاقات الممثل بالأشياء التي تحيطه لا تقتصرعلى (تحديد واقتراح المكان او الإسهام بالفعل المسرحي فحسب وانما تشمل تعدد المعاني و تحديد معالم الشخصية أيضا).
إن عدم فهم أفكار مايرهولد آنذاك من قبل الأيديولوجيين وبعض معاصريه من العاملين في المسرح، أصحاب الدماء الباردة والضحك الغليظ، الذين لم يفهموا تجاوز عقل مايرهولد الفني لمسرح فترته الزمنية، لكن إصابتهم بعقدة ساليري دفعتهم إلى اعتماد الوشاية لمنعه من مواصلة إبداعه والإيقاع به ومن ثم القضاء عليه وتصفيته بشكل بشع في منفاه الإجباري في الوقت الذي كانت وتائر التطور المسرحي في روسيا والعالم بحاجة إلى عقله المسرحي المتوهج.
وبالتأكيد فان الاستخدام الصائب للمفهوم السميولوجي ـ الدلالي في المسرح وكذلك إعادة اكتشاف إمكانيات جسد الممثل التعبيرية وفنتازيا المخرج غير المقيدة بحدود منطق الواقع أو الزمن الواقعي، وكذلك الفهم الجدلي المعاصر لمكونات الفضاء المسرحي باعتباره قيمة تعبيرية مملوءة بالرموز hellip;. كل هذا سيمنح آفاقا جديدة لتشكيل اللغة التعبيرية للممثل والمخرج والمؤلف في المسرح العربي المعاصر ضمن تحديات الألفية الجديدة، إضافة إلى تأشير الإمكانيات في اكتشاف فضاء آت أخرى لتشكيل مفاهيم نقدية جديدة.

[email protected]