من الديني للسياسي للاجتماعي
4 محاورات تؤكد حتمية كسر التابوهات

محمد الحمامصي:
شهدت المحاور الأربعة والتي نظمت علي شكل دوائر مستديرة وتمت علي مدار يومين في إطار الملتقي الإبداعي للفرق المسرحية أوروبا ـ البحر المتوسط بمكتبة الإسكندرية نقاشا ساخنا ومتعدد الرؤى والاتجاهات جمع بين العام والخاص، عناوين المحاور نفسها تطرح الكثير من التساؤل وتثير الكثير أيضا من الشجون والآلام خاصة إذا كان الأمرمرتبطا بالمجتمع العربي، الدائرة المستديرة الأولي حملت عنوان (حرية التعبير من المقدس الديني إلي المقدس السياسي) والثانية (حرية التعبير وإحياء ثقافة التمرد) والثالثة (حرية التعبير والمحرمات الاجتماعية) والرابعة (حرية التعبير، هل هي ضرورة حياتية أم شعار أخلاقي)، شارك فيها مجمل إن لم يكن كل المشاركين في الملتقي من فنانين وكتاب مسرحيين وإعلاميين وأكاديميين وطلاب وشباب، كاشفين عن تعدد التابو وتجاوزه للثلاثي الدين، السياسة، الجنس، إلي أشكال أخرى وسلطات جديدة بشرية بالأساس.
في المائدة الأولي أكد يان هانينجسون مدير المعهد السويدي بالإسكندرية أكد أن حوار الحضارات دون محبة حوار بلا معني، التعبي لا معنى للنقد، لا معني للتحليل، لا معني للنقاش. وشدد علي ضرورة اتخاذ موقف ضد إهانة الديانات، وقارن بين حرية التعبير في السويد والعالم العربي والإسلامي مشيرا إلي أن في الإسلام محرمات تحد كثيرا من حرية الفنون والعلوم، كما أن الرقابة في المجتمعات العربية علي حرية التعبير تسيطر علي نمو الإبداع والعلوم.
وقال هانينجسون: المقارنة بين حرية التعبير بين السويد ومصر صعبة لأسباب منها ارتفاع نسبة الأمية في مصر خاصة بين النساء حيث لا تقل عن 50%، في حين تنعدم الأمية في السويد، كذلك النظام السياسي والمؤسسات الدينية تلعب دورا في مصر وفي المجتمعات العربية عامة منذ خروج الاستعمار والتي لعبتها المؤسسات في السويد بعد خروج الاستعمار الدنماركي، التطور التاريخي هو هو، لكن هنا في مرحلة كنا فيها في السويد في القرنين الـ 16 و 17.
وتحدث د.محمود أبو دومة رئيس الملتقي عن تجربته مع فرقة مسرحية نمساوية عمل معها إحدى مسرحياته التي تتناول قصة شهرزاد هذه الفتاة الحكاءة والتي أنقذتها قدرتها علي الحكي من سيف الجلاد، وتم العرض في الإسكندرية ثم في النمسا، وفي النمسا فوجئ بالمخرجة تطالب الفتاة التي تلعب دور شهرزاد بأن تخلع بعض مما ترتديه لتشف الثياب عن مفاتنها، لكن الفتاة رفضت وما كان منه إلا أن دخل في حوار مع المخرجة يؤكد أنه من أمتع الحوارات حيث أكد علي أن لكل ثقافة خصوصيتها وأقنعها بأهمية أن تواصل الفتاة لعب دورها بنفس ملابس العرض.
أما الكاتبة المسرحية والممثلة السكوتلاندية إيفون كاديل فأكدت أن المسرح الغربي يعطي اهتماما لصوت الإنسان ويسعى لجذب أصوات جديدة وقال من تجربتي المسرحية أؤكد أنني أشعر بحريتي وذاتي وراحتي كاملةعلي خشبة المسرح، المسرح المكان الوحيد الذي يمنحني الحرية.
ورأي المخرج والممثل هناء عبد الفتاح أن طالما استمر حضور التابو الديني بالقوة التي نراها الآن سيظل الإبداع خائفا وسجينا، مشيرا إلي أن الفنانيين في مصر غير قادرين علي التحرر من سطوة التابوهات علي اختلافها.
وكشف عبد الفتاح عن ولادة تابو جديد في مصر منذ سنوات عديدة لكنه كبر الآن ألا وهو النمط التجاري وقال إن المشكلة في هذا النمط أن المؤسسات الرسمية في مصر تدافع عنه، عن المتعة التجارية التي تحقق الربح السريع دون قيمة فنية بدليل وجود مسرحية مثل (روايح).
وسرد الروائي المصري السوداني المقيم في النمسا تجربته في الهجرة للنمسا وما واجهه حيث هاجر عام 1984 وكان عمره 25 عاما وأنه وجه بالعزلة والانطواء، وقال لم أكن أستخدم أذني ولكن عيني حيث لم أكن أعرف اللغة، وهناك بدأت أكتب لأتواصل مع العالم وواجهت مشكلة المحرم والممنوع، هناك لا يوجد كلمة (محرم) ولكن هناك كلمة (ممنوع)، والمشكلة التي نعاني منها في تعاملنا مع الغرب الآن هي عدم فهمنا أن الغرب لا يفهم كلمة حرام ولكن يمكن أن تقول له ممنوع وتقول له لماذا ممنوع، وما نشرته بالألمانية لاقي قبولا مضاعفا في الألمانية بعكس العربية.
وردا علي سؤال حول كونه عاش ويعيش في أوروبا وتتاح له حرية التعبير فماذا فعل؟ قال الطيب: كنت أملك حرية التعبير لكن لم أجد اللغة التي تساعدني علي التعبير.
وأكدت الروائية سحر الموجي أن هناك تواطؤا رسميا إعلاميا لتغييب الصوت الليبرالي الذي يبحث عن مشروع تنويري، كما أن عدم وجود مشروع قومي دفع إلي ظهور وتزايد التيارات الدينية الأصولية، وقالت الموجي: روايتي الأخيرة (نون) كنت مدركة وأنا داخلة علي كتابتها أنني داخلة علي تابوهات متعددة، كنت داخلة لأكسّر فيها، وتدور أحداثها بين عامي (2002 ـ 2003) وتحايلت باستخدام الأسطورة، فالرواية ترويها حتحور آلهة العشق عند الفراعنة وما تمثله من قيم الجسد والعشق والشراب.
إن مفهوم التابو هو كل ما يمكن الاصطدام به وينفيك اجتماعيا والفنان لابد أن يكون لديه استعداد لتقبل ذلك واصطدام به.
ويري المخرج المسرحي أحمد شوقي أن السياسي يطوع الديني للسيطرة علي المجتمع، هناك تحالف مصالح بين المقدسين للسيطرة علي الواقع الاجتماعي، وهذا يصطدم بحرية التعبير، الثقافة تستطيع التعبير لكن كيف؟
وفي الندوة الثانية حرية التعبير وإحياء ثقافة التمرد تحدث الشاعر جرجس شكري طارحا العديد من التساؤلات: هل ثمة علاقة بين حرية التعبير وإحياء ثقافة التمرد؟ وهل الجملة الأولي مشروطة بالثانية والعكس؟ وقال: الشطر الأول من الجملة (حرية التعبير) مصطلح فضفاض ونسبي، فضفاض لأنه يحتوي أشكالا عديدة أهمها حرية التعبير علي المستوى الفردي، وحرية التعبيرعلي مستوى الجماعة وكلاهما له شروط مختلفة، ونسبي لأن ما يعتبره البعض في زمان ومكان ما أقصي تجليات حرية التعبير أيضا في زمان ومكان ما مختلفين لا يمثلان ذلك.
وأضاف: (إحياء ثقافة التمرد) الإحياء يفترض الموت أو علي الأقل الغياب، فهل غابت ثقافة التمرد فاحتاجت إلي البعث والإحياء، إنني أظن أنه في أقصي حالات الضعف والانهيار تظل ثقافة التمرد حاضرة علي الأقل علي المستوى الفردي وإن ضعفت أو غابت علي المستوى الجماعي، والتمرد في أبسط صوره هو الخروج علي السائد والمألوف ولكن إذا غاب الوعي أصبح التمرد قولا يخلو من الفعل وصارت حرية التعبير مجرد ثرثرة، فالحرية المسئولة والوعي هما شرط التمرد والتمرد الذي يخلو من هذين الشرطين ستكون نتائجه عكسية، والأمثلة علي ذلك عديدة في الكتابة بشتى أنواعها والموسيقي والعمارة وكل مفردات الحياة ولنأخذ مثلا ما يحدث في مصر علي مستوى الموسيقي والغناء، في ظاهره يحمل هذا العنوان، فالجميع يمارس حرية التعبير ويؤكد علي التمرد والخروج علي المألوف، ولكنها حرية أقرب إلي العشوائية وتمرد يكتفي بالهدم ولا يعرف أدنى قواعد البناء.
وأشارت د.سحر الموجي إلي أنها داخل قاعة المحاضرات لا تستطيع مطالبة الطلاب بالبحث في الانترنت أو شراء مراجع، وقالت: النظام التعليمي لدينا فاشل وقاتل لكل أنواع الإبداع، يخرج أشباه الأميين، إنها منظومة اجتماعية وثقافية وتعليمية منهارة.
ورأت الموجي أن الرقابة الداخلية هي منطقة الصراع الأساسي للفنان والتخلص منها يأتي علي المستويين الشخصي والذاتي، وقالت: في كل نص أكتبه أبعد كل الخطوط الحمراء وأصبح أكثر حدة في مواجهة التابوهات ومن ثم أكثر استعدادا لمواجهة تبعات ذلك، وهذا ليس سهلا لكنه حتمي، هناك حتمية لمواجهة الخوف والنفي الاجتماعي ومطاردة القضاء.
وأكد الكاتب أكرم القصاص أن التابو السياسي هو الذي يحكم جميع التابوهات، فالدولة تترك بعض سلطاتها لجماعات أخرى لكي تمارس التابو وتخلقه، حتى وصل الأمر إلي أصبحت رقابة المجتمع أقوي من رقابة الدولة، المجتمع يمارس عملية مطاردة لحرية التعبير أكثر قوة من السلطة السياسية، لقد أصبح التمرد يتم من أجل العودة إلي الماضي وليس العكس.
وقال القصاص أن أزمة وزير الثقافة مع الحجاب كشفت عن أن الحزب الحاكم في مصر يزايد علي السلطة بأي شكل وبأي وسيلة، حين وقف كثير من أعضائه يستنكرون ما قال الوزير ويطالبونه بالاعتذار.
وتساءل الشاعر والمسرحي الفلسطيني وسيم الكردي: لو هناك قرار افتراضي ونزعت الرقابات هل سيتغير الوضع؟ ورأي ضرورة منح الناس الفرصة لكي يعبروا عن أنفسهم عما يدور داخلهم وليس ما نتوقع منهم.
وتساءلت مايا جال شترومار عن دور الفن مشيرة إلي أن دور الفن أن يكون مرآة للواقع وأن يثور ضد التقاليد، وكفنانيين نحن نعدد مشاكل مجتمعنا، فإلي أي درجة يتم تحديد موضوعات الفن؟ وهل طبيعة مجتمعنا أصبحت تعتمد علي الفرد؟
وأشارت المخرجة المسرحية بريتا بابيني إلي أهمية وجود ثورة تعليمية قبل التحدث عن التمرد الفني، وكما عرفت هناك ما يقرب من 50 % من النساء أميات، إذن فعن طريق التعليم لا الفن يجب أن نتمرد، يجب أن يكون هناك وعي تعليمي حتى يصبح للتمرد الفني قيمة.

وفي ندوة (حرية التعبير والمحرمات الاجتماعية) تحدثت الروائية د.سحر الموجي قائلة أن كل النقاشات حول حرية التعبير تتداخل وفي هذه الجلسة نناقش التابو الاجتماعي والمحرمات الاجتماعية، هل تذكرون مسرحية بالعربي الفصيح حيث يجتمع الطلبة العرب في لندن لكي يناقشوا كل شيء بحرية تماما مشترطين عدم التطرق إلي: الجنس، السياسة، الدين، القوات المسلحة، الشرطة، وهكذا في كل مرة يجلسون فيها إلي بعضهم البعض!!
ليس هناك مجتمع في التاريخ يخلو من التابوهات الاجتماعية مهما كان تقدمه، لكن قياس مجتمع ما أو تخلفه من خلال قياس درجة التابو في هذا المجتمع، كلما تقدم المجتمع تقلصت مساحة المحرمات، وكلما تخلف المجتمع زادت مساحة التابو واتسعت، هناك ارتباط شرطي بينهما.
وقالت: أيضا كلما كان زمن القداسة طويلا (المجتمعات العربية)كلما ضربت القداسة بجذورها في المجتمع، ومن ثم لا يمكن الاقتراب منه، أو يصعب الاقتراب منه.
وأكدت أن مجتمع لا يشهد نوعا من التطور العقائدي علي مستوى التأويل والفكر يؤكد القداسة ويجعل هناك صعوبة في الاقتراب منها، وقالت: إن عدم حدوث مراجعات وتأويلات جديدة أدى إلي تحول المقدس إلي أسطورة حتى وصل الأمر إلي إضفاء القدسية علي كائنات بشرية كالحكام والفنانين، عندما خرج عادل حموده وقال إنه لا يحب أم كلثوم عزل ونفي وعوقب لأنه اقترب من مقدس لا يجوز الاقتراب منه، أيضا طول زمن الاعتقاد وعدم وجود تأويلات ووجود أشباه المتعلمين وزيادة الأمية أحدث نوعا من الاختلاط بين الديني والاجتماعي.
وأشارت الموجي إلي أن الصوت الذي يسمي نفسه دينيا أصبح عاليا جدا داخل الإعلام الرسمي والخاص في مقابل خفوت الصوت العلماني، بل إن هناك دورا سلبيا للإعلام الرسمي، فضلا عن القنوات الزاعقة والحضور المكثف للشيوخ المودرن.
وتساءلت الموجي هل يمكن التخلص من التابو نهائيا مؤكدة عدم القدرة علي هزيمته لأنه أصبح كائنا أسطوريا يجدد ويطور نفسه دائما متغذيا علي الأمية والجهل والخوف وغير لك مما أشرت إليه.
أما الأب فرانيسيس مدير المركز الثقافي بالمعهد السويدي بالإسكندرية فرأي أنه رغم ذلك كله فإن التابو له دور إيجابي في كل المجتمعات ورفض ربط قوة مساحة التابو بتقدم أو تخلف المجتمعات، مشيرا إلي تعددى التابوهات داخل المنطقة الجغرافية الواحدة.

وتساءل الشاعر ياسر الزيات: ما هو التابو؟ هو توافق جماعة بشرية محدودة علي تحريم شيء معين أو التعامل مع هذا الشيء أوتقديسه، هذا التحريم يصب في مصلحة الجماعة البشرية وصراعها مع جماعات أخرى، ما هو محرم عند جماعة بشرية قد لا يكون محرما عند جماعة بشرية أخرى.
وقال الزيات: الفن في تصوري خارج هذه الأفكار التي تشكلت داخل جماعة أو قطيع من البشر لأنه ينطلق من ذوات فردية خارجة علي هذه الجماعة أو ذلك القطيع.
وتطرق الكاتب الروائي حجاج أدول إلي مسألة الأقليات والخصوصيات مؤكدا وجود تابوهات كثيرة تواجه الفنان مشيرا إلي ما واجهه من رفض الجماعة النوبية لكتابه (المرأة والجنس في الأدب النوبي) وقال: دور الفن تغيير التابو وكسره ومنع طغيانه علي المجتمع

وفي المحاور الأربع سرد عدد من الفنانين من لبنان والمغرب وتركيا والسويد وفلسطين تجاربهم مع التابو داخل مجتمعاتهم سواء الصغيرة العائلية أو الكبيرة المجتمعية عامة.