د. ماهر شفيق فريد: هذه الرواية تبشر بأن تكون إضافة مذكورة إلى تراث الرواية العربية الذي يتراكم، عبر السنين، عملاً فوق عمل، وحجراً فوق حجر.
لقد كتب روائيون كثيرون عن تجربة المصري الذي يعمل في دول الخليج، وها هوذا كمال غبريال يتحدث عن خبرة الاغتراب في العراق: عراق الماضي القريب الذي تمتد عتابيله إلى المستقبل وتطرح ثمارها المرة في اللحظة المأسوية الراهنة. إنه عراق صدام، وأمجاد القادسية الجديدة، وحرب الأشاوس والمجوس، وشعارات حزب البعث المنطلقة في الهواء مع جهاز دعاية جبار، ومظاهر القهر والتسلط في الحياة العامة والحياة الخاصة على السواء.
نحن هنا في بلدة بروانة الواقعة على نهر الفرات، والأحداث تُرى بعيني كرم فوزي روفائيل: مهندس مصري ليبرالي الذهن، وجودي الحساسية، جاء إلى العراق ثم عاد ndash; بعد خبرات أغلبها أليم ndash; إلى بلده الإسكندرية. ومن حوله تدور كوكبة من الشخصيات المصرية والعراقية يتفاوت دورها أهمية وضآلة، وتمثل شرائح اجتماعية مختلفة: جباب عبد الحسين، رضاب، خالد العاني، فتحي فضل، صبري بحرية، فايز عبد النور، حجي مناع، نجدة وابنتها إيمان.
تحمل الرواية في صفحتها الأولى كلمات للسيد المسيح من إنجيل متى، وتغتني بأصداء مسيحية ما أحوج أدبنا المعاصر إليها كي يزداد غنى، ويكثف نسيجه، وتتراكب طبقات حفائره التاريخية. وعلى امتداد الصفحات نلتقي بإشارات إلى الميثولوجيا الإغريقية، والأسطورة المصرية القديمة، ونشيد الإنشاد (أتراني على صواب إذ أستشعر هنا صدى خافتا من إدوار الخراط ndash; كاهن الحداثية الأكبر ndash; أم أنى واهم؟). تتصدر الفصول مقتطفات من العهد الجديد وبورخيس وبودلير وجويس. ما بين كورنيش الإسكندرية ومقاهي العراق وشوارعها تتحرك عدسة كرم اللاقطة الراصدة ما بين رموز حزب البعث الحاكم والعمالة المصرية في العراق، لتبنى حساً باغتراب عميق. وتنتهي الرواية بمونولوج داخلي جليل يذكرنا ndash;وإن اختلفت طبيعة قائلةndash; بمونولوج quot;مولى بلومquot; في ختام رواية quot;يوليسيزquot;
هذه رواية مهمة ndash; وإن لم تخل من عيوب فنية ndash; تدق، بجرأة محسوبة، على أبواب المحرمات الثلاثة الكبرى في مجتمعاتنا، وربما ndash; بدرجات متفاوتة ndash; في كل مجتمعات الأرض: محرمات الدين والجنس والسياسة.