كانت تلوذ بالصمت، متلفعة بالسواد، مغطاة الرأس، تسبح مسبحة طويلة سوداء ذات خيط أخضر، جالسة على سجادة في غرفة تعبدها، وأخيرا تكلمت كمن يحدث نفسه، وليس للآخرين، كانت ترى نفسها في الأسابيع الأخيرة، وقد صارت عجوزا، لا فائدة ترجى منها، وكأن وجودها ليس حقيقيا، فكانت تستنبط ما ينفع حفيدها من حكايات، وأساطير، من كل هذه الأشياء، تتخذ طريقة تحدد بها الأشياء، ذات الفائدة لحفيدها، وليسافر ذهنه عبرها إلى عوالم متعددة، يكتشف كم هو مرتبط بها، يتحسس منطقها عبر عتبة العبور إلى كون آخر، ليرتبط بحياة جديدة، قائمة، غير مرئية، ويشعر أن ذهنه، ينطلق نحو هذه الأشياء، يشعر حتى في الظلام بالارتعاش الخفي لعوالمه، التي يتحرك فيها خارج نفسه، محاولا تخيل نفسه كيف يجب عليه أن يمضي بطفولته، ويسقط في مواضع بلا زمان، حيث يعود إلى نفسه ممتنا، راغبا أن يسمع المزيد من صوت جدته المنساب ببطء، وهدوء. كلام مدهش، لا يكاد يصدق أنه يسمع هذه الأشياء، ويلامس معرفة أنها له، فالخيال يقدم إليه شيئا حقيقيا، بهذه الأعجوبة، هذا شئ ذو تفتح جديد يتناسب مع طفولته، في بعض الأحيان يشعر بالقلق عندما تغط جدته في نوم عميق، ويظل هو بعيدا عن دروسه التي بزغ بها العالم، بمشاعر طفل في غاية الرقة التي غمرته، وهو الآن يتذكر ما حكته جدته: كان يا ما كان في قديم الزمان hellip;دير لطيف، نزه عامرة، نواحيه متنزهات، بقاعه حسنة، طيبة، يقع على شاطئ بحر النجف ذات بساتين عجيبة وفواكه غريبة، تسهل العيش للرهبان، والراهبات، فيه نافورة ماء، وطيور جذابة، يستقبل المضطرين من الصيادين، وأهل الأسفار hellip; في ذات ليلة جاء سيل عظيم من البحر، مع عاصفة قوية، فطفح الطوفان، وأغرق الدير وأهله، ولما هدأ الطوفان لم يبق من الدير إلا أطلال hellip;
-جدتي هل نذهب لرؤيتهhellip;
- يا ولدي، البحر جف، والدير غطته الرمال، فليس هناك الآن سوى الصحراءhellip;
-جدتي هل نذهب لرؤيتهhellip;
- يا ولدي، البحر جف، والدير غطته الرمال، فليس هناك الآن سوى الصحراءhellip;
فهم ربما ndash; قليلا من الأسرار التي تتحدث عن الجن، والشياطين، والأرواح، والطقوس، والرموز الدنيوية، أن ذهنه في غاية البهجة، من أسرار دنيا أخرى، كم غريب أن يجد نفسه مع المراسم الخاصة بمدينته النجف، لحظات عجيبة، مدركا أن ذهنه يغامر خارجا من طفولته، يلمس القديم، ثم يمضي في الظلام، والمجهول، ودخول على الرؤيا، وهو يحاول أن يمسح بعضها من ذهنه، هكذا تحدث الأشياء عميقة، غزيرة عنده، يحاول أن لا يتحدث بها، بل يسخرها لنفسه، ويخفيها أحيانا عن نفسه، أنها لا تتركه، تزحف عليه عائدة، وقد يصرخ في منامه من شدة ما يؤمن به، يؤويه إلى أعماقه، ما علامة النجم، ما ضوء القمر، ما أشعة الشمس، ما السماوات السبعة، ما الدنيا والآخرة، كل هذه الأشياء كان يجهلها في تعويذة، وأرواح مقدسة، ليدرك قدره، في أحيان أخرى، وهو نائم، يطلق صرخة، منطلقة من أعماق حلمه، ليتابع صوت جدته الذي ينبعث ببساطة، وصفاء، وهو يتابع الحكاية عن حدود القمر، وهي تتمكن من تعليمه، بكلامها الذي له علاقة حميمة به، ينبغي أن يفهم كي يتواصل معها بانسياب تدريجي، بالرغم من الصعوبة البالغة التي يجدها في فهم الشياطين من أين جاءوا: أنهم كانوا ملائكة، وقد عصوا أمر الرب في السجود لآدم، محتجين أن آدم من تراب، وهم من نار، فاخرجهم الرب من الجنة، وجاءوا إلى الدنيا عاصيين أمر الرب، وساروا يتدخلون في شؤون البشر ليظلوهم عن الطريق المستقيم، وهو دين الله الحنيف، أنهم يتشكلون بأنواع مختلفة، ويحاولون زرع الحقد والكراهية بين المسلمين، فلذلك عندما يحس المسلم باقتراب الشيطان، فيبادر إلى القول: لعن الله الشيطان hellip;
الآن بدأ يفهم، ليس مقلدا، أو مستنسخا كلام جدته، أنه يتبرأ من الشيطان الرجيم، كان المدى يوصله إلى خياله، يترنم في داخل نفسه مرارا، وتكرارا، فقد استطاعت جدته أن توصل إلى خياله، تلك كانت إضاءة مباغتة في روحها، وهو صار يدرك أكثر وأكثر، أن هذا العالم هو المصير الحقيقي، والاختبار، قدره أن يمضي بوجوده كله في محاولة الإفلات من مغريات الدنيا، كان يتذكر جيدا، وبشكل صافي، ما قالته جدته عن الماضي القديم، فتراءت له الأحداث، والشخصيات التي تعلق بأبطالها، تؤدي به إلى حاضره، وتتكون عنده ذات جديدة، يطرد عنها فقط اللعب بطيش في الشوارع، أنه يدخل كونا آخر أو مهمة صعبة، وطويلة، أن ينشأ عليها كما تريد جدته، في لغة تقترب إلى الخيال، لغة يكتشف بها نفسه، وتكشف له أسرار الكون، وحدود عالمه، هيمنة رهيبة عليه، لكن يتمتم مع نفسه بالأرواح القديمة، ويرتعب منها أحيانا، عندما ينام، ويسقط عليه ضوء القمر متألق ليلة بعد ليلة في جو صاف، يمنحه أشياء مألوفة مع طلوعه، وتكونه بدرا، يستدير، فينبعث من حلمه، ويستيقظ، فيفرك عينيه الواسعتين السوداوين، وهما على حافتي الدموع، كأن الحكايات القديمة قد جاءت إليه، فيصدر صوتا خفيفا:
-أنا أحبك يا قمرhellip;
وهو ينهك نفسه كي يعرف كيف يتكون القمر بدرا من طوع إرادته، كان يملك إحساسا عميقا، وألما، بفقدانه في الليالي المظلمة، وهو إدراك بالفقدان والحرمان عند غيابه، أنه يرى نفسه في الحلم، يتصارع مع الشيطان، فيردد:
- ظلعن الله الشيطانhellip;
فيستريح بعد برهة قصيرة، يتنفس هادئا، وينام، يغمره الفرح لما حدث إليه، وهو يتكلم، ويكتشف الظلال، ويعي نفسه، أنه لعن الشيطان بكل كره، فقد تحولت عناية الجدة به إلى طقوس يحس بها، ويتنفسها، وفي بعض الأحيان يجلس في زاوية الغرفة، يفكر بأحلامه، بكل تلك الليالي حين تدور فيها الأساطير، واتخذ طريقه فيها، ينبش فيها، باحثا عن أقرب شئ إلى نفسه، فما تقصه عليه جدته تكون عنده إطلالة وحيدة بقيمتها، وصعودها في روحه، وأثرها الذي صار شيئا خاصا في رحلته التي تشير إلى انبعاث جلجلة في قلبه النقي، الصافي، أنه يستحق أن يسمع الكثير من الحكايات، والأساطير،ثم يخرج بها إلى الأطفال، وهو في ذروة فرحه، يخلص إليها، ويتعلق بها شفافا، تؤثر عليه، شفافا، فيحب الأرواح العظيمة، والملائكة الطيبة، ومأثرة الإمام الحسين، وشجاعة الإمام علي، وتتبين له الحكايات ما دامت جدته على قيد الحياة، ما دامت جدته تريد له الصعود عنيدا إلى معالمه، ويعترف بهدوء وإشفاق أن جدته معلمته في حاضره، يستمد منها كل ما هو جليل وغالي وينزلق إلى لحظات القوة العظيمة التي يمتاز بها الإمام علي، قوى قدسية، يرى وجهه متألقا ذا ومضة نورانية في حلمه، يمد له ذراعيه، ويتلمسه، عله يباركه في رحلاته فوق الطرق الشائكة، حياة الدنيا كفاح شاق عند الأقدمين، فليتابعه، فليكون صلبا، فلذلك اختاره معلم اللغة العربية خطيبا في المدرسة،وعليه أن يحفظ الخطاب النثري بجدية، ويلقيه في اصطفاف المدرسة في الصباح، وعندما أبلغ جدته بذلك، غمر وجهها الفرح النير، وهي تقول بانتعاش:
-فن الخطابة أصعب الفنون، عليك أن تتمرن، وتحرك ذراعيك، وتخاطب الطلاب hellip;
- أجل يا جدتي، سأفعل، وأنت ستساعديني، أليس كذلك hellip;
-أجلhellip;بكل تأكيدhellip;
هذا ما فعلها مباشرة، وجدته تصحح كلماته، وتدربه عل حركة ذراعيه، وتشجعه دون خوف أو تردد، فكانت لحظات صعبة، وقاسية بالنسبة له عندما قالت له بخفوت:
-الآن أكملت فن الخطابة hellip;
كان ينسلخ من كونه طالب عادي في المدرسة، كان يرى نفسه خطيبا، فألقى خطابه في يوم اصطفاف الطلاب في يوم الخميس، فكان ينعم بالهدوء، وتتملكه رغبة جامحة أن يرشح إلى مسابقة المحافظة، ليؤدي واجبه، كان قلبه ينعم، ويقاوم حكايات عن الجن الذي يرتاد البيوت الخربة، وسراديب السن، ويجاهد تعزية نفسه، أن لا يلتقي الجن أو الجنية، وأن لا ينزل لوحده إلى سرداب السن، وقلبه يخفق لما حدث لجيرانهم عندما أكل السمك، ونزل، ونام في سرداب السن، فأكلت الأفعى وجنته اليمنى، وشوهت وجهه، تعتقد جدته أن ذلك من فعل الجنية.
الآن بدأ يفهم، ليس مقلدا، أو مستنسخا كلام جدته، أنه يتبرأ من الشيطان الرجيم، كان المدى يوصله إلى خياله، يترنم في داخل نفسه مرارا، وتكرارا، فقد استطاعت جدته أن توصل إلى خياله، تلك كانت إضاءة مباغتة في روحها، وهو صار يدرك أكثر وأكثر، أن هذا العالم هو المصير الحقيقي، والاختبار، قدره أن يمضي بوجوده كله في محاولة الإفلات من مغريات الدنيا، كان يتذكر جيدا، وبشكل صافي، ما قالته جدته عن الماضي القديم، فتراءت له الأحداث، والشخصيات التي تعلق بأبطالها، تؤدي به إلى حاضره، وتتكون عنده ذات جديدة، يطرد عنها فقط اللعب بطيش في الشوارع، أنه يدخل كونا آخر أو مهمة صعبة، وطويلة، أن ينشأ عليها كما تريد جدته، في لغة تقترب إلى الخيال، لغة يكتشف بها نفسه، وتكشف له أسرار الكون، وحدود عالمه، هيمنة رهيبة عليه، لكن يتمتم مع نفسه بالأرواح القديمة، ويرتعب منها أحيانا، عندما ينام، ويسقط عليه ضوء القمر متألق ليلة بعد ليلة في جو صاف، يمنحه أشياء مألوفة مع طلوعه، وتكونه بدرا، يستدير، فينبعث من حلمه، ويستيقظ، فيفرك عينيه الواسعتين السوداوين، وهما على حافتي الدموع، كأن الحكايات القديمة قد جاءت إليه، فيصدر صوتا خفيفا:
-أنا أحبك يا قمرhellip;
وهو ينهك نفسه كي يعرف كيف يتكون القمر بدرا من طوع إرادته، كان يملك إحساسا عميقا، وألما، بفقدانه في الليالي المظلمة، وهو إدراك بالفقدان والحرمان عند غيابه، أنه يرى نفسه في الحلم، يتصارع مع الشيطان، فيردد:
- ظلعن الله الشيطانhellip;
فيستريح بعد برهة قصيرة، يتنفس هادئا، وينام، يغمره الفرح لما حدث إليه، وهو يتكلم، ويكتشف الظلال، ويعي نفسه، أنه لعن الشيطان بكل كره، فقد تحولت عناية الجدة به إلى طقوس يحس بها، ويتنفسها، وفي بعض الأحيان يجلس في زاوية الغرفة، يفكر بأحلامه، بكل تلك الليالي حين تدور فيها الأساطير، واتخذ طريقه فيها، ينبش فيها، باحثا عن أقرب شئ إلى نفسه، فما تقصه عليه جدته تكون عنده إطلالة وحيدة بقيمتها، وصعودها في روحه، وأثرها الذي صار شيئا خاصا في رحلته التي تشير إلى انبعاث جلجلة في قلبه النقي، الصافي، أنه يستحق أن يسمع الكثير من الحكايات، والأساطير،ثم يخرج بها إلى الأطفال، وهو في ذروة فرحه، يخلص إليها، ويتعلق بها شفافا، تؤثر عليه، شفافا، فيحب الأرواح العظيمة، والملائكة الطيبة، ومأثرة الإمام الحسين، وشجاعة الإمام علي، وتتبين له الحكايات ما دامت جدته على قيد الحياة، ما دامت جدته تريد له الصعود عنيدا إلى معالمه، ويعترف بهدوء وإشفاق أن جدته معلمته في حاضره، يستمد منها كل ما هو جليل وغالي وينزلق إلى لحظات القوة العظيمة التي يمتاز بها الإمام علي، قوى قدسية، يرى وجهه متألقا ذا ومضة نورانية في حلمه، يمد له ذراعيه، ويتلمسه، عله يباركه في رحلاته فوق الطرق الشائكة، حياة الدنيا كفاح شاق عند الأقدمين، فليتابعه، فليكون صلبا، فلذلك اختاره معلم اللغة العربية خطيبا في المدرسة،وعليه أن يحفظ الخطاب النثري بجدية، ويلقيه في اصطفاف المدرسة في الصباح، وعندما أبلغ جدته بذلك، غمر وجهها الفرح النير، وهي تقول بانتعاش:
-فن الخطابة أصعب الفنون، عليك أن تتمرن، وتحرك ذراعيك، وتخاطب الطلاب hellip;
- أجل يا جدتي، سأفعل، وأنت ستساعديني، أليس كذلك hellip;
-أجلhellip;بكل تأكيدhellip;
هذا ما فعلها مباشرة، وجدته تصحح كلماته، وتدربه عل حركة ذراعيه، وتشجعه دون خوف أو تردد، فكانت لحظات صعبة، وقاسية بالنسبة له عندما قالت له بخفوت:
-الآن أكملت فن الخطابة hellip;
كان ينسلخ من كونه طالب عادي في المدرسة، كان يرى نفسه خطيبا، فألقى خطابه في يوم اصطفاف الطلاب في يوم الخميس، فكان ينعم بالهدوء، وتتملكه رغبة جامحة أن يرشح إلى مسابقة المحافظة، ليؤدي واجبه، كان قلبه ينعم، ويقاوم حكايات عن الجن الذي يرتاد البيوت الخربة، وسراديب السن، ويجاهد تعزية نفسه، أن لا يلتقي الجن أو الجنية، وأن لا ينزل لوحده إلى سرداب السن، وقلبه يخفق لما حدث لجيرانهم عندما أكل السمك، ونزل، ونام في سرداب السن، فأكلت الأفعى وجنته اليمنى، وشوهت وجهه، تعتقد جدته أن ذلك من فعل الجنية.
جاهد أن يحفظ أن يحفظ خطابه عن ظهر قلب، وجعل إمكانيته تنسجم مع حركة ذراعيه، وقبضة يده، وقد أعلنت لاحقا إدارة المدرسة عن ترشيحه لمسابقة المحافظة، تملكه فرح شديد وهو في يوم ما غادر البيت إلى هناك، بعد أن مر تحت القرآن الذي أمسكته الجدة بيدها، وقرأت الدعاء، وقرأت سورا من القرآن الكريم، ونفخت في وجهه، ثم احتضنته وقبلته، وجاهد أن يلقي الخطاب عن ظهر قلب، كانت القاعة محتشدة بجمهور المعلمين، الذين صفقوا له كثيرا، بعد أن فاز بالمسابقة، ورشح إلى مسابقة المحافظات، وجد نفسه رائعا متلفعا بالقوة، وروحه الظمأى تتشرب بامتنان وسعادة إلى مسابقة المحافظات. ذهب إلى النوم، أغمض عينيه، ونام ممسكا نص الخطاب، وهو يحلم: كان قوم من المسلمين يحاولون أن يرفعوا صخرة ثابتة في الأرض، إنها ضخمة، وصامدة، عبثا حاولوا أ، يزحزحوها عن مكانها، فمر الإمام علي، ورآهم يلهثون من التعب، فقال أحدهم هذا ابن طالب، لنستعين به، تفرقوا ينظرون إليه كف، زحزح الصخرة، ورفعها من مكانها، فصاحوا: الله وأكبرhellip;نهض مضطرم الروح، وهو يردد: الله وأكبر hellip;ثم مشى، واضطجع بجانب جدته التي سألته:
-هل حلمت؟!
- أجل يا جدتي hellip;
- بماذا
- الله أكبرhellip;
أنه شئ غير عادي، إنها حالة متميزة، ناهلا من منابع قوة الإمام علي، وغناها، مستمعا بذهول إلى حكايات جدته عن قوة الإمام، المفعم قلبها بالأسى، لموته، وهي تروي إليه ما أصاب المسلمين من نكبات، وآثار مدمرة، والعذابات التي أنزلها البعض ضد البعض، كل هذا جرى بعد موت الإمام.
كان يحدوه هذا الحب المتألق لجدته، جعلته يندفع بالصراع الإنساني، ليس في إطار مكاني وزماني محدد، بل إيقاع يأسر القلب، ينهض الشخصيات من أعباء القرون، بائسة، صامتة، بالثبات، والصمود، والمثابرة، كما أرادته جدته أن يكون، دون أن يدير ظهره لأحداثها، وليظهر في مكانه، ليحيا حياة متصوفة، زاهدة، منبعها العبادة لله، والإخلاص، مثل أجداده الخالدين، لم ينثن عن عزمه، والتغلب على العقبات، متفتحا على حياته الجديدة بدمه، ودموعه إلا ذلك لم يدم طويلا، ففي صباح صاف، حيث يرتعش نجم الصباح فوق مدينته النجف، حاول أن يوقظ جدته، مد ذراعه، وهزها من كتفها: جدتيhellip;جدتيhellip;لكنها لم تستيقظ فران صمت في بادئ الأمر وتراجع للوراء، كانت المسبحة في كفها، وهو يبحث في عينيها المغمضتين، فأطلق صرخة من صميم قلبه، وأعماق روحه: جدتي ماتتhellip;ارتجف، وركض مرتعدا، وكان على وشك السقوط على عتبة البيت، بعد أن فتح الباب بسرعة، وجد نفسه في الشارع ملجوما بالرعب، يتملكه الخوف، يوثب من باب إلى باب، كان يدق أبواب الجيران معذبا، حزينا، وعلى وجهه حرقة، ووداع، ويصيح بأعلى صوته صيحة مترعة بالألم: جدتي ماتت hellip; كان الجيران يرخون رؤوسهم، وتعتصر قلوبهم، وفي عيونهم الدموع، وهم يسألون داخلهم: حب عارم ينتابه لجدته الحميمة hellip;
-هل حلمت؟!
- أجل يا جدتي hellip;
- بماذا
- الله أكبرhellip;
أنه شئ غير عادي، إنها حالة متميزة، ناهلا من منابع قوة الإمام علي، وغناها، مستمعا بذهول إلى حكايات جدته عن قوة الإمام، المفعم قلبها بالأسى، لموته، وهي تروي إليه ما أصاب المسلمين من نكبات، وآثار مدمرة، والعذابات التي أنزلها البعض ضد البعض، كل هذا جرى بعد موت الإمام.
كان يحدوه هذا الحب المتألق لجدته، جعلته يندفع بالصراع الإنساني، ليس في إطار مكاني وزماني محدد، بل إيقاع يأسر القلب، ينهض الشخصيات من أعباء القرون، بائسة، صامتة، بالثبات، والصمود، والمثابرة، كما أرادته جدته أن يكون، دون أن يدير ظهره لأحداثها، وليظهر في مكانه، ليحيا حياة متصوفة، زاهدة، منبعها العبادة لله، والإخلاص، مثل أجداده الخالدين، لم ينثن عن عزمه، والتغلب على العقبات، متفتحا على حياته الجديدة بدمه، ودموعه إلا ذلك لم يدم طويلا، ففي صباح صاف، حيث يرتعش نجم الصباح فوق مدينته النجف، حاول أن يوقظ جدته، مد ذراعه، وهزها من كتفها: جدتيhellip;جدتيhellip;لكنها لم تستيقظ فران صمت في بادئ الأمر وتراجع للوراء، كانت المسبحة في كفها، وهو يبحث في عينيها المغمضتين، فأطلق صرخة من صميم قلبه، وأعماق روحه: جدتي ماتتhellip;ارتجف، وركض مرتعدا، وكان على وشك السقوط على عتبة البيت، بعد أن فتح الباب بسرعة، وجد نفسه في الشارع ملجوما بالرعب، يتملكه الخوف، يوثب من باب إلى باب، كان يدق أبواب الجيران معذبا، حزينا، وعلى وجهه حرقة، ووداع، ويصيح بأعلى صوته صيحة مترعة بالألم: جدتي ماتت hellip; كان الجيران يرخون رؤوسهم، وتعتصر قلوبهم، وفي عيونهم الدموع، وهم يسألون داخلهم: حب عارم ينتابه لجدته الحميمة hellip;
التعليقات