عبدالجبار العتابي من بغداد:اختتمت الفرقة القومية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح موسمها المسرحي بعرض مسرحية (حلم مسعود) تواصل على مدى يومي الثلاثاء والاربعاء، وهي من إعداد وإخراج الفنانة الدكتورة عواطف نعيم عن مسرحية (كلب الجنرال) للكاتب الروسي تشيخوف، حيث اشارت المخرجة في بوستر العرض انها (قراءة مشاكسة لقصة كلب الجنرال لتشيحوف بتصرف)، وأدى شخوصها الفنانون: عزيز خيون، سمر محمد، عدنان شلاش، فائزة جاسم، ماجد فريد، بتول كاظم، عبدالأمير الصغير وصلاح منسي، كما اشارت الى ان الأغاني التي استعارها الممثلون كانت للمنلوجست الراحل عزيز علي، موضحة (عزيز علي.. وقد طواك الغياب اسمح لنا ان نشكرك لانك منحتنا قدرة للبوح في زمن الخراب كي ننبعث ثانية رغم عمق الجراح وانا لقادرون بمشيئة الله)، وقد استطاع الممثلون في رسم الشخصيات بايقاع ناجح حيث تميزوا في تكوين ملامح خاصة ومختلفة، وملء الفراغات على الخشبة، فكانت اجادتهم واضحة، فيما كانت الكوميديا تنتشر وسط التراجيديا الراسخة في العمل فكان تعاطف الجمهور الحاضر واضحا الضحكات او التأوهات التي اطلقوها.

بدأت المسرحية بكامات انشادية من مونولوج لعزيز علي بصوته (كلها منه.. كلها منه، مصايبنه وطلايبنه كلها منه) ويتكرر المقطع اكثر من مرة، قبل ان يرتسم خط ضوء احمر في وسط الخشبة ومن ثم يعلو نباح كلب قوي ودخول شاب (صلاح منسي) يركض يتلفت خلفه ويبحث عن شيء في الارض، ثم يخلع حذاءه لطرد الكلب، كما يبدو، لكنه سرعان ما يتلوى من الالم وهو يمسك مؤخرته، دلالة على انه تعرض للعض، يختفي صوت الكلب ويسقط الشاب ارضا ويقول بصوت عال: (آه.. آآآآآآآآه، يا معودين الحكوا لي، يا اهل المروة) ويهرع اليه ثلاثة اشخاص (حلاق (عدنان شلاش) ومطرب (ماجد فريد) و قصاب (عبد الامير الصغير)، ويتساءلون عن الشخص المطروح على الارض وما اصابه، ومن ثم يحاولون مساعدته، ويتألمون لألمه عبر حوارات ظريفة في مجملها حتى اعلنوا ظنهم من الكلب ربما يكون مريضا وهذا يعني ان الشاب سيصاب بداء الكلب (بس لا هذا الجلب مجلوب؟) فيرد الشاب نائحا: (وآني انجلب من وراه / تعاي يا يمه وكابليني/ دكي على صدرج حيل جنج فقدتيني)!!، ومن ثم يواصل عتبه على نفسه حيث انه جاء المدينة (الولاية) من اجل العمل ولكنه لم يحصل على غير العض، وبين المقترحات التي يقدمها الاشخاص الثلاثة، تتناهى من بعيد ضحكات نسائية، فتظهر على الخشبة ثلاث نساء (سمر محمد وفائزة جاسم وبتول كاظم) الخارجات توا من الحمام للذهاب الى حفلة يقيمها شخصية كبيرة، فتحثهن سمر الى الاسرع (يللا عيني راح يروح علينا الوقت)، لكنهم يفاجأن بالاشخاص الثلاثة يقتربون منهن، وبعد تساؤلات منهن حول تجمعن يعرفن الموضوع، وبعد مشاهد حوارية كوميدية بين الجميع، ومقترحات لمعالجته، ينكفيء الشاب على وجهه كأنه مات، فيحدث لغط وكلمات الرثاء له، ويبدأن النسوة بالنواح عليه (دكن على الماأكل مثرودة / ولا ذاق الكباب ولا دهن عوده)!!،، ثم تندلع موسيقى صاخبة ويتجمد الممثلون يظهر من آخر المسرح شرطي (عزيز خيون)، وحين يصل الى وسط الساحة يرتفع صوت (آلة الطبلة) بدقات سريعة فيتراقص على ايقاعها الجميع بشكل دائري حول الشاب، وحين يتوقف يسأل الشرطي (شنو.. منو.. شكو) ويتساءل عن تواجد هؤلاء، ومن ثم الشاب الذي قيل له انه مات، فيتساءل عن سبب موته (مسموم، سكران، مدعوم)، ثم يعلق (شنو القضية، كل شوية واحد ميت على غفلة، شجاها الوادم ملت من دنياها وعجلت لآخرتها؟)، وبعد سجالات ينتهي الامر الى ينتبه الشاب، ثم يطلب منه الشرطي تحديد اوصاف الكلب الذي عضه، فيما الشرطي يهدد ويتوعد بالقصاص من الكلب وصاحبه ويتحسر انه لا يملك بندقية (كسرية) والا لفعل كذا وكذا، ومع جمع اوصاف الكلب (كبير، في رقبته قلادة حديد، اسود كالليل ومبقع ببقع كالحليب وآذانه طويلة)، لكن الشرطي حين يسمع هذه المواصفات يرتبك ولا يتكلم، فيما الاخرون يقولون انه عرف الكلب، فيعتذر الشرطي لمغادرة المكان (اخوان وداعتكم عندي واجب كبير في مكان كلش مهم) ويطلب منهم غض النظر عن القضية ويتهم الشاب انه الملام (الكلب واقف وانت اعتديت عليه، شافك غريب ودافع عن نفسه) وان الكلب (متربي ومتهذب ومحترم) وبعد حوار غير قصير يعلن ان يعود الى السفير البريطاني (كلوب بيك)، ويحدث صمت تام، وتمضي الاحداث الى ان يتفرق الجمع لكن احدى النسوة (فائزة) تأتي لتعلن وجعها وغضبها ومن ثم تمد يديها للشاب كي ينهض فيتكأ عليها فيقول (انا كأني اعرفك) وهي تبادله نفس الحديث، فينزلان من سلم صغير الى قاعة المسرح، فيما الشرطي يهدد بقتل الكلب لكنه حين يذهب يعود صارخا من انه تعرض للعض من ذات الكلب.
وتختتم المسرحية بتكاتف جميع الاشخاص بشكل عرضي واتجاههم نحو وسط المسرح فيما كانت الشاشة التي امامهم تظهر لقطات من الناس من جمهور المسرح، فيعود صوت المونولوجست عزيز علي مرددا كلمته (جماعة والنبي من حقوق الانسان بالعرف والاديان يعيش حر الفكر حر الراي حر اللسان / يعيش آمن مطمئن البال كائن من كان) ومن ثم اغنية عراقية حديثة (يا عراق شد حيلك كوووم).

وبعد نهاية العرض استطلعنا بعض الاراء عن العمل:

قال الناقد والفنان سعد عزيز: المسرح الاسقاطي يعود الى المشهد العراقي في زمن خارج الاشكال التشفيرية والترميزية في زمن الخطاب الواضح وضوح الوقائع الاجتماعية والسياسية، لم اكن من المضامين انما كنت مع الشكل وأداء الممثلين البارع والمؤثر في شخوص الممثلين عزيز خيون وسمر محمد وفائزة جاسم وماجد فريد وبتول كاظم وعبدالأمير الصغير وصلاح منسي والرائد عدنان شلاش، بقي ان اقول ان الممثلين كانوا على وعي تام بأدوارهم وما يقولونه ولكن الرؤية الاخراجية كانت خارج مستوى الوقائع على الارض.

اما الشاعر ابراهيم الخياط فقال: الجميل في هذا العرض هو ترسيخه للاماسي وقتا للعرض دون الاصبوحات، وقد وفرت الجدوى والمتعة في آن، بما يحسب للدكتورة عواطف نعيم على جهدها الفكري تعريقا واخراجا، واضاف: لقطتان سلبيتان اثرتا جما على العرض، اولاهما عدم تأهل الممثلة سمر محمد جسديا للتمثيل المسرحي، والاخرى اقحام اغنية وطنية بما يجعل العرض وكأنه من اعمال التوجيه السياسي السابق.

فيما قالت الفنانة آلاء نجم: انه عرض مشاكس لواقع مفروض على المجتمع العراقي، هو طرح وتجسيد لحالات عديدة تم تشخيصها من خلال الفكرة اولا ومن ثم الموقف بدون احتيال مسرحي، وما يفرحنا انه اضحك وأبكى المتلقي ومن ثم جعل المتلقي شريكا في العرض المسرحي، اذ كان الاتصال واضحا بين المتلقي وجميع عناصر العرض المسرحي، وهذا ما كان واضحا من خلال رد فعل الجمهور، واضافت: لقد كان تجسيد الشخصيات يحمل اداء راقيا لانه ابتعد عن الاسفاف والرطانة، فقد خرجنا من صالة العرض ونحن متمتعين حسيا وبصريا، وهذا هو الانجاز الحق، اذ ان طموح كل عرض مسرحي هو ايقاظ متع المتلقي وجعله منتجا وليس متفرجا فقط.

اما الكاتب الاعلامي سعدون شفيق فقال: للمرة الثانية في حياتي يجبرني عمل مسرحي على البكاء وانهمار دموعي رغما عني، الاول عند الخمسينيات في عرض (اللص والشرطي) حينما قام القره غولي الكبير المسرحي باطلاق الطير من قفصه تعبيرا عن الحرية التي كانت معدومة في العهد الملكي والتي كان المناضلون نزلاء في السجون حينما يتفوهون بكلمة عن الحرية والسلام، واليوم ابكاني عزيز خيون الكبير حينما تعاطف مع الانسان في محنته والذي بات وحيدا، حقا كان العمل رائعا في الخمسينيات والذي اعاد روعته خيون بعد ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، قبلاتي للجمع المحتشد الذي قاده عزيز خيون والمبدعة الدكتورة عواطف نعيم.

وفي الختام.. اعرب الفنان عزيز خيون عن تمنياته ان يكون العرض قدم صورة واضحة وممتعة للمتلقي وقال: الأفكار ملك الانسان أينما كان، وان المفارقة تتجسد في ان ماقاله تشيخوف قبل كذا سنة كان صالحا في ان تحاوره الفنانة عواطف نعيم في العام 2009، من خلال ضفر نص عراقي ينتمي لهمومه ومشكلاته واحلامه من خلال ملفوظ ولغة مسرحية،أردنا ان نهمس في اذن المواطن ببعض الحقائق التي تصرخ في داخل وجدانه، وأن نحاوره أملا في أن يتخذ موقفا واضحا مما يحصل له الآن، بعيدا عن الهتافات والخطابات التي دمرت سمعنا وعواطفنا انما عن طريق حكاية ولغة واضحتين، وكان رهاننا على الجمال في رسم المشهدية والشخصية وتتابع الحكاية ومحاولة خلط الماضي بالحاضر عبر (عزيز علي) ومنلوجه بالضد من اغتيال عقل العراقي وموقفه، كما لنؤكد على المسرحية الشعبية برؤاها الجمالية.