وُلِدت بعد عامين من وفاة والدها الشاعر
منيب مخول وميثال وجميلة.. حكاية فلسطينية مختلفة

ايناس مريح من البقيعة: هنا، في هذه القرية من الجليل، شمال فلسطين، جرت حكاية فلسطينية مختلفة، أبطالها هم الشاعر الراحل منيب مَخْول، وزوجته ميثال، وابنتهما جميلة. اين وجه الغرابة؟ انه في الطفلة جميلة، التي ولدت بعد عامين من وفاة والدها، باستخدام نطفة منه جرى تجميدها، لتحمل منها ميثال في الوقت الذي تقرره.
فخْرُ الرِّجالِ سلاسلٌ وَقيُودُ..
وكذا النساءُ بخانقٌ وعقودُ..
بهذه المقولة يرحب الشاعر مخول، بزائري بيته، حيث جثمانه مدفون في باحة البيت نفسه. في الداخل لوحة لعنترة وعبلة. كل ركن في البيت يروي حكاية عشق الشاعر الراحل منيب مخول، وميثال أبو عقل، التي تعمل الآن مُدَّرِسة لغة عربية.انتظرت ميثال أعواما عدة حتى توافق عائلتها على زواجها من منيب مخول. العائلة مسيحية أرثوذكسية من كفر ياسيف شمال فلسطين. ميثال هي الأصغر بين اشقائها السبعة، وكانت في الواحدة والعشرين حين خفق قلبها له، وكان يكبرها بسبعة وثلاثين عاما. أحبته بصمت، فرفضت كل عروض الزواج. هو لم يكن يعرف، بل لم يكن تعرف إليها. نادرا ما كانت ميثال ترى منيب، فقط عندما كان يقله والدها، الذي عمل سائق تاكسي. أثار منيب، بشخصيته وشعره، فضول ميثال، فأحبته وأحبت قصائده، تقول: quot;كأنه بأشعاره يقول تماما ما أشعر بهquot;. وعن بداية علاقتهما: quot;طُلبت مني كلمة لحفل تخرجي من الجامعة، سنة 1992، فاخترت قصيدة لمنيبquot;. بعد التخرج، تبادلا الحديث هاتفيا. يقرأ لها جديد قصائده، ويستمع منها إلى بعض الملاحظات. تناقشا حول أمور الحياة ايضا. اتفقا على الاحترام المتبادل بينهما، نادرا ما تحدثا عن الزواج، وقليلا جدا ما التقيا وجها لوجه. تقول ميثال: quot;كانت علاقاتنا مثيرةquot;، وتضيف: quot;كان لدينا الكثير مما نتحدث عنه، فبعد التقاعد من تدريس اللغة العربية، صار منيب يعمل قليلا في الأرض، وفي بعض الأحيان يسافر للأردن، كان كل شيء، شاعرا، معلما، فلاحا، ومناضلا كافح لأجل الحق، انه شخص رائع، بعد ذلك أصبحالزوج الرائع، لقد وجدت الرجل الذي جعل من باقي الرجال ظلا في حياتي، لا أتوق لسماع كلمة غزل من أحد غيره، وحتى الآن أسمع صوته، إنه الرجل الذي يفهمني، نحن النساء لا نعشق عبثا، الأذن تعشق ما تسمع، وأنا عشقت ما سمعت ومن أسمعنيquot;.
رغم ان منيب مخول كان موضع محبة عائلة ميثال، إلا أن العائلة لم تكن متحمسة لزواج ميثال من منيب، وكانوا يتساءلون: ماذا لو حصل له أمر؟ وكانت ميثال تجيب: quot;لا يوجد كبير أو صغير عند الموت، هو فقط يختارquot;. نجحت ميثال في اقناع اسرتها، فتزوجا في اول ديسمبر 2001 في الناصرة.
بعد عشرة أشهر، تحدثا خلالها عدة مرات عن رغبة منيب، الذي لم يتزوج من قبل، في انجاب طفل، فوجئ الزوجان العاشقان باصابة الشاعر الراحل بمرض في الرئتين ألزمه البقاء في المستشفى. وفوجئت ميثال بالطبيب الخاص يخبرها أنه لم يبق لزوجها وقت طويل. فجأةً تغير كل شيء حولها. سألها منيب: quot;هذه هي النهايةquot;؟، لم تنكر، بل استمدت القوة من إيمانها بالله، وتذكر انها سألته: هل تريد طفلا مني؟ أجاب: ربما تريدين أن تكوني غير مقيدة بالأطفال. لكنها كررتالسؤال مرة أخرى: منيب، هل تريد طفلا مني؟ فأجاب هذه المرة بالإيجاب. ركضت ميثال نحو الطبيب، فطلب منها إحضار محام في أسرع وقت كي يحصل على توقيع زوجها. اتصلت بمحام صديق لزوجها من أم الفحم. وصل المحامي ابو حسين للمستشفى بأسرع وقت، وتحدث مع صديقه منيب على انفراد كي يتأكد أنه اتخذ قراره من دون أي ضغوطات، فتم أخذ نطفة منه وتجميدها.بعد عام على الوفاة، توجهت ميثال للمستشفى لتقوم بعملية الإخصاب. كانت ميثال درست الأمر بصورة جيدة، ورافقها والدها وعائلة زوجها في عملية الإخصاب ومرحلة الحمل. حرصت في الأشهر الأولى أن تبقى طوال الوقت في البيت، ومنعت دخول الرجال بيتها، حتى لو كانوا من المقربين لزوجها وعائلتها. بعد ستة أشهر على حملها، بدأ الخبر يتسرب، فقد أبلغ مدير المدرسة، حيث تعمل ميثال، زملاءها بالحمل. بين أهالي القرية من تقبل الفكرة ومنهم من رفضها. ثم وُلِدت جميلة، وهو اسم والدة منيب. اليوم، تردد جميلة منيب مخول، أشعار والدها، رغم أنها لم تتعلم القراءة والكتابة بعد، وهي تعشق قصيدة جذوري لوالدها فترددها دوما. أما ميثال، فتنتابها الحيرة عندما أسألها: ماذا تقول عن منيب مخول؟ تسمعني قصيدة للشاعر الكبير، ثم تقول إنها تشعر بالتقصير نحوه، فهي تريد أن تمنحه بقدر حبها، وتضيف: مهما منحوه من تقدير، مهما كتب الشعراء والنقاد، لن ينجح أحد بإيفاء منيب مخول حقه. هو ما يزال يسكن قلبها، وما يزال رفيق دربها، وهي دائمة الصلاة والدعاء له.
مراسلة إيلاف مع زوجة الشاعر والطفلة جميلة