عبد الجبار العتابي من بغداد: تحت شعار (التراث الشعبي مصدر إنساني اصيل لثقافة الاطفال في العالم) افتتح صباح يوم الثلاثاء في مقر دار ثقافة الاطفال مؤتمر ثقافة الاطفال الدولي الاول الذي تنظمه دار ثقافة الاطفال ويستمر لثلاثة ايام بمشاركة عدد كبير من الباحثين والمهتمين بمجال الطفل عراقيين وعرب واجانب، بعد ان تعذر حضور بعض الباحثين لظروف شخصية وسواها، وتضمن حفل الافتتاح النشيد الوطني عزفته الفرقة السمفونية الخاصة بمؤسسة كريم وصفي للابداع والفنون والتي تتألف من الاطفال، بالاضافة الى مقطوعات موسيقية قدمتها الفرقة ذاتها، ثم عزف منفرد على العود للعازف الواعد يوسف عباس، وانتهى الحفل بعرض باليه قدمه طلاب وطالبات مدرسة الموسيقى والباليه التابعة لدائرة الفنون الموسيقية، وقد نالت تلك الفعاليات اعجاب الحضور لاسيما المهارة والابداع والاتقان الذي كانت عليه، وتزامن مع الاستراحة اقامة ورشة رسم للوفد السويدي شارك فيها الاطفال الذين تناغموا مع الالوان برسم ما شاؤوا، وألقيت في الافتتاح كلمات ترحيبية بالضيوف والمشاركين والمدعوين من المثقفين والاعلاميين والفنانين الذين اكتظت بهم القاعة الصغيرة للدار، وهو الامر الذي دعانا الى طرح تساؤل: لماذا لم تختر الدار مكانا أوسع من هذا؟ فجاءت الاجابة من المدير العام للدار: هذه هي القاعة المثلى والافضل، نحن نحتفل في بيتنا وليس في بيت الجيران، هذا بيت ثقافة الطفل، ان كان فيه نقص فنحن نشاهد ونحسس المسؤولين ان هذا المكان يحتاج الى اكثر، وان الطفل مهم، وهذه قاعتنا وهذا بيتنا الذي يكفينا ونحن مستمتعون بها، رممناها وسنرممها فيما بعد ايضا.

وتحدث لنا حبيب ظاهر العباس المدير العام لدار ثقافة الاطفال، رئيس المؤتمر قائلا: يعد التراث الشعبي مجموعة ما أبدعه الشعب في حضاراته المتعاقبة خلال أطواره التاريخية في ميدان الثقافة والفن والحرف والصناعات اليدوية والعادات والتقاليد ولعب واغاني الاطفال الشعبية، وللفيلسوف الفرنسي الشهير جاك بيرك مقولة في التراث الشعبي يلخص وظيفته بأنه (هو الماضي يحاور الحاضر عن المستقبل)، من هنا قطعت الدول المتقدمة اشواطا كبيرة في هذا الميدان لاكتشاف مجاهل هذا العالم المليح وأصبح اتجاها عالميا مميزا منذ منتصف القرن التاسع عشر بعد ان تعددت وظائفه وتنوعت مجالاته وانتشرت منابره عربيا وعالميا من خلال اقامة المؤتمرات.

واضاف: وتناغما مع الركب الحضاري وجدت دار ثقافة الاطفال لزوما عليها وهي تسعى من خلال تحقيق أهدافها الى طرح معادلة ثقافية بين قطبين مهمين هما: التراث الشعبي وثقافة الاطفال ان تتخذ منهما منبرا ثقافيا تنسج من خلاله محاور مؤتمرها الثقافي منطلقين من حقيقة ان التلاقح بين هذين العنصرين يؤلفان ابرز المقومات الاساسية لتربية الاطفال لكونهما عنصرين فاعلين في تنمية الذكاء وتوسيع ملكة الخيال والابتكار لدى الاطفال، فضلا على انهما يؤديان دورا فاعلا في تكوين شخصية الطفل وتقويم لغته وتعزيز انتمائه الوطني.

وتابع مجيبا عن اسئلتنا: هناك عدة اهداف من وراء هذا المؤتمر وليس هدفا واحدا، الطفولة الان صحراء قاحلة لاشيء فيها، لا منجز فيها ولا ثقافة ولا اهتمام ولا اي رعاية من الدولة، وفي الحقيقة نحن نحتاج الى مؤتمرات عدة، نحتاج الى لقاءات، نحتاج الى اكثر من خطاب واكثر من حضور واكثر من تواجد، الهدف من هذا المؤتمر هو رسالة حب من اطفال العراق للعالم وهي رسالة ايضا للمسؤولين عن ثقافة الاطفال بزيادة الاهتمام بهذه الشريحة المهمة التي تشكل اكثر من نصف المجتمع، هذا المؤتمر يحمل صفة الريادة في ميدان ثقافة الاطفال منذ تأسيس دار ثقافة الاطفال عام 1969، هذا المؤتمر دعونا اليه صفوة من الباحثين والدارسين وجاؤوا ببحوثهم ودراساتهم من كافة ارجاء العالم، وهذه البحوث تمحورت باتجاه شعار المؤتمر الذي ينص على ان (التراث الشعبي مصدر انساني أصيل لثقافة الاطفال في العالم)، وربما تسألني لماذا التراث الشعبي فأقول لك انه علم مشترك بين كافة شعوب العالم وتنهل منه كل الدول لثقافاتها وللاطفال وتجاه الاغاني والمسرحيات وكل صنوف الثقافة، ولدينا الان 16 بحثا وكنا بحاجة الى 12 بحثا، البحوث مزدحمة لان الوقت قليل فهو ثلاثة ايام فقط والبحوث كثيرة من دول عربية واجنبية ومن عراقيين، والان نحن في زحمة وفي حيرة لانتقاء البحوث التي سنقدمها ونحن مضغوطون بالوقت، اما التوصيات فسبق وان قدمنا في المؤتمر السابق ورفعت الى مجلس الوزراء والان تناقش، ونحن الان ننتظر بعد ان تتم الجلسات ان نوصي ونرفع التوصيات ونتابعها وهذا هو الهدف نهاية المطاف، هدفنا هو تنفيذ التوصيات.

اما الفنان عبد الرحيم ياسر نائب المدير العام فقال: الهدف من المهرجان هو ان تأتي مجموعة من الباحثين والدارسين ليتحاوروا في شأن مهم من شؤون الاطفال، ليكون فاتحة خير وبداية لمهرجانات تعنى بشؤون الطفل، نعتقد ان الطفل هو البنية التحتية للمجتمع، الطفل في العراق يحتاج منا الى الكثير في التربية والتعليم ووسائل اللهو والرياضة والمعرفة، مجموعة من الخبراء ومن المتخصصين يلتقون ليتكلموا ويبحثوا في شؤون وثقافة الاطفال، هذا رافد مهم من روافد مجتمع متحضر، الان جاءت مجموعة من العراق ومن خارجه، ولم تستطع مجموعة اخرى ان تحضر، وبالنتيجة هناك خبراء عرب واجانب وعراقيون، معلوم مدى اهمية التراث الشعبي في حياة الطفل، هذا المكان تحاور لما يجب ان يعمل عليه الخبراء من اجل طفولة العراق، واهمية المؤتمر ايضا للتعريف بواقع الطفل العراقي وبما يمكن ان يفعل مستقبلا.

وقال الشاعر المغترب منعم الصغير: كنا نأمل بمشاركات اوسع ولكن الظروف حالت دون حضور بعض الضيوف، ونأمل من البحوث ان تضع بعض الحلول للكثير من المشاكل التي يعاني منها الطفل والطفولة عموما وخاصة في التوصل الى قانون او ميثاق اخلاقي لحماية الطفولة وتجنيب الاطفال أي مسؤولية عن الصراعات والتنافس بين الكبار، ومن جهة ثانية في المؤتمر تنوع ومشاركات موسيقية واعمال اخرى مستلهمة من الطفولة، ولكن ما ينقصنا هو الجمهور اذ ان جمهور الاطفال ليس معنا، كنا نتمنى ان يكون الاطفال معنا في هذا الجو الجميل وان يستمتعوا بالفعاليات التي قدمت، واعتقد اننا اذا ما وصلنا اليهم بفننا فسوف يساعدهم ذلك كثيرا على ان يتعلموا او تكون لديهم رغبة افضل في التعلم.

واضاف: الابحاث المقدمة تحتاج الى ابحاث اخرى، للاسف لم تتوافر وهي ابحاث في ما يتعلق بالجانب النفسي للطفولة والجانب التربوي، المهرجان بحاجة الى اختصاصيين اكثر في مجال الطفولة.

وقالت المخرجة المسرحية المتخصصة بالطفل الدكتورة فاتن الجراح: المؤتمر بادرة خير، وهو ضرورة ليس للفت انتباه المسؤولين العراقيين فقط وانما حتى العالم بأهمية ان تكون للطفل العراقي في ان ينال حقه في الثقافة، ودراسة هذه الموضوعة دون غيرها، ونحن نعلم ان الكبار كانوا صغارا وتعلموا الثقافة من حكايات الجدات، فإذا تعلموا الموروث الشعبي اولا وحاكوا ما هو متوفر لديه، الان الحضارة والتطور العلمي والتكنولوجي والعولمة تجدها تنتشر بسرعة ولا تحارب التراث ولكنها تجعله في زاوية ما، ولكن الموروث الشعبي وهو الذاكرة الجمعية للمجتمع هو هوية المجتمع، فهل لنا ان نبقى بلا هوية، اذن علينا ان نبحث في وسائل افضل لايصال الموروث الشعبي.

اما الباحث عبد العزيز العاني فقال: هذه خطوة جيدة لان التراث الشعبي مهم جدا للاطفال لانه يمثل كل الواقع الاجتماعي والحضاري والثقافي والبيئة التي نعيش بها، وقدمت بحثا عن دور التراث في حياة الاطفال، اخذت فيه كل الجوانب التي تهم الطفل من حكايات شعبية الى اغانٍ والعاب وممارسات يومية وعلاقات اجتماعية، ومن التوصيات التي طلبتها ان يكون هناك مرتكزا للفنون الشعبية في كل المحافظات تهتم بتراث المحافظة كاملا وتكون فرق شعبية تحفظ الاغاني والموسيقى وكل ما يتعلق بتراث الطفل وتقدم مهرجانات وهذه تقع على عاتق وزارة الثقافة، وطلبت ان يقام في كل محافظة متحف للفنون الشعبية على غرار المتحف البغدادي، وطلبت ان يقام في دار ثقافة الاطفال متحف صغير خاص بتراث الطفل، يضم كل شيء يتعلق بحياة الطفل، فإن لم نجعل الطفل يفهم في التراث الشعبي فإنه سينسلخ عن المجتمع، ولا يفهم ما هو المجتمع، اللهجة التي يتكلم بها اهله والحياة التي يعيشها.
واضاف: اهمية المؤتمر انه يحض كل المؤسسات العراقية على الاهتمام بالتراث، لان كل دول العالم ما عدا العراق تعطي للتراث الشعبي اهتماما كبيرا من خلال المطبوعات والمسرحيات والافلام والحكايات، واذا ما تم نسيان هذا التراث فهناك الكثير من الاشياء سوف لا يفهمها وما معناها، فالذين يعيشون في بغداد اسألهم عن ابسط الاشياء الموجودة في المحافظات الاخرى، فإنه لا يعرفها بينما الذي يعيش في الريف يعرفها كلها.


وعقدت بعد الظهر الجلسة الاولى التي تضمنت قراءة خمسة بحوث كما يأتي: احراز الطفل وتعاويذه في ميثولوجيا العتاقة للباحث ياسين النصير، والتراث الشعبي في ثقافة الاطفال، الماضي والواقع والطموح، للباحث كاظم سعد الدين، ودراسة التراث الشعبي ودور الباحثين العرب فيه، للدكتور طارق حسون فريد، و الموقف الانتقائي واهميته في توظيف التراث للطفل، للدكتورة طاهرة خليل، واخيرا قدمت الباحثة السويدية هيلينا رام بحثها الموسوم بـ (الاحساس بالسعادة.. برنامج تعليمي موجه للاطفال الذين عانوا من الحروب).

وحققت الدار لضيفوفها وللباحثين المشاركين مساء امس جولة ترفيهية جميلة في شارع ابو نواس انتهت بتناول السمك المسكوف.