كامل الشيرازي الجزائر: يذهب مسرحيون جزائريون تحدثوا لـquot;إيلافquot;، أنّ استمرار غياب سوق للعرض وتغييب الصوت النقدي، يسهمان بقسط كبير في كبح قاطرة الفن الرابع في الجزائر.
يقول الدراماتورج والمخرج المسرحي الجزائري quot;عمر فطموشquot;، أنّه لا يمكن الحديث عن ممارسة ركحية بالمعنى الحقيق في بلاده، في ظلّ عدم امتلاك الجزائر لسوق للعرض، وهو هاجس المسرحيين هناك، حيث لا تستفيد أعمال جيدة من فرص تسويقها بما فيها تلك التي ينتجها المسرح القومي والمسارح الجهوية، على نحو رهن كثير من المسرحيات وجعلها تختفي بعدما جرى عرضها على أصابع اليد الواحدة.
ويرفض فطموش الذي يدير مسرحا جهويا بمنطقة بجاية (260 كلم شرق العاصمة)، أن يعتبر هذا الواقع مقصورا على الجزائر فحسب، إذ يشير إلى أنّ فرنسا وانجلترا اللتين تعتبران دولتين ذات تقاليد مسرحية عريقة، استغرقتا أزيد من قرن ونصف لتحويل مسرحيهما إلى منظومتي عرض.
ويؤيد الممثلان والمخرجان المسرحيان quot;جمال قرميquot; وquot;محمد إسلام عباسquot; نظرة فطموش، حيث يسجلان أنّ العديد من المبدعين يعانون الأمرّين في سبيل عرض ما ينتجونه، ويستدلان بمسرحيتهما quot;نزهة مع الغضبquot; وquot;لو كنت فلسطينياquot; اللتين أحدثتا الكثير من الضجيج، لكنّ ذلك لم يشفع لهما على صعيد العروض.
هذا الوضع لا يخص مسرحية quot;نزهة مع الغضبquot; فحسب، بل طال مسرحية quot;التمرينquot; التي أنتجها المسرح القومي قبل سنوات، فضلا عن مسرحية quot;السفيرquot; التي أخرجها المسرحي البارز quot;عبد الغني شنتوفquot;، وهما عملان لم يُحظيا بالتسويق اللازم رغم فرادتهما ورواجهما الكبير في الداخل والخارج على حد سواء.
ويلاحظ الأستاذ قرمي أنّه بالمعيار العالمي، لا يمكن لأي مسرحية أن ترتسم وتنضج ملامحها بشكل تام إلاّ بعد عرضها الخمسين، معتبرا أنّه إذا ما جرى تطبيق هذا المعيار على المسرحيات الجزائرية، فلن تستجيب سوى القليل منها للمقياس المذكور، في صورة quot;خباط كراعوquot; وquot;جن وبلعطوهquot; للكوميدي البارز quot;حكيم دكارquot;، ومونودرام quot;الناعورةquot; للفنان المعروف quot;كمال بوعكازquot; وهي أعمال استفادت من أرقام عرض قياسية.
في سياق متصل، يتفق قرمي وفطموش وعباس أنّ الافتقار إلى فصيل من النقاد المسرحيين المحنّكين، فوّت فرصة ذهبية على تحقيق الركح المحلي للنقلة المأمولة والانتعاش المرجو.
ويرى الأستاذ عمر فطموش أنّ التأسيس لمسرح جزائري صميم، مرهون بوجود نقاد متمكنين، يحسنون تقييم العروض ويكونون بمثابة البوصلة التي تنير الطريق للجماهير، كما يلفت فطموش إلى أنّ رأي النقاد هو الذي يسمح للمسرح المعني بتحصيل أرباح أو الإفلاس.
ورغم قيام المعهد العالي للفنون المسرحية في الجزائر، بتخريج عشرات النقاد قبل سنوات، إلاّ أنّ الساحة المسرحية بقيت مبتورة من هؤلاء quot;الجرّاحينquot; الذين من شأنهم لعب أدوار مفصلية في تقييم ما تنتجه المسارح وتقويم وجهتها بشكل عام.
بدوره، يتصور الأستاذ جمال قرمي أنّ تعزيز التجارب المسرحية في الجزائر، مرتبط بشكل أساسي بترقية العملية النقدية، وهو ما يتطلب بروز نقاد مسرحيين غائبون على الساحة حاليا.
بدوره، يسجل الفنان محمد عباس إسلام أنّ مستقبل أي مسرح يقوم على الاستفادة من الأخطاء والعثرات، وهي مهمة لا يستطيع أي كان الوفاء بها، عدا النقاد الذين يُفترض أن لا يتوقف عملهم عند حدود تشريح المسرحيات فحسب، بل يتعدّاه إلى مستوى دراسي تحليلي توثيقي متخصص، فضلا عن ترقية الثقافة المسرحية في أوساط المتلقين.
ويتفق المسرحيون الثلاثة أنّ أهم المواصفات التي يجب أن تتوفر لدى النقاد الحقيقيين إلى جانب الشهادة العلمية الجامعية، تتركّز في الدراية بالممارسة المسرحية، وبكل ما يرافقها من إلمام ببنية النص المسرحي وأسرار الإخراج وتقنيات السينوغرافيا والأداء، وما يتصل بتفاصيل تصميم الأزياء وتقنيات الإضاءة والصوت، ما يجعل النقد المسرحي مهنة ذات قيمة وملاحظات المتمرسين بها محترمة وهامة للغاية.
كما يتقاطع فطموش وقرمي وعباس ويرى فطموش في كون حساسية ترشيد الممارسة المسرحية، ممكنة من خلال تفعيل نمط نقدي يقوم به جامعيون وأكاديميون متخصصون في الميدان، بالتزامن مع النهوض بفعل النقد المسرحي من خلال بعث أقسام وفروع جديدة في الجامعات والمعاهد يمكن لخريجيها من تقديم الإضافات للنهوض بتطبيقات أب الفنون في البلاد.