تؤكد هناء حجار رسامة الكاريكاتير السعودية الأولى في حديث صريح مع إيلاف أنها لا ترسم إلا جزءًا مما يحيط بها وهي هنا تبحث عن فك القيود التي تخنقها ونخنق غيرها من النساء السعوديات. اما سلاحها في ذلك فهواللوحة... اللوحة فقط طالما تعجر عن الإنشاء كما تصرح دومًا.
من جدة: تترجم معاناتها بسخرية مرة، سخرية تراها الباب الواسع لتعبر عن تمردها الذي تعترف به، وتراه جزءًا من دورها ودور الفن الذي تسلحت به كي تنحاز لرؤيتها لمجتمعها الذي تحتل فيه المرأة انحيازًا وحيزًا كبيرين، إنه فن الكاريكاتير الذي تحول من خلال لوحاتها إلى لعبة كر وفر في نقد المجتمع ومحاولة تغييره للأفضل، وهو ما دفع إلى تلقيبها بـquot;رسامة الكاريكاتير السعودية الأولىquot; وهو لقب ملته وأصبحت تتشاءم منه.
متناقضة هي في أحيان، وجارحة في أحيان أخرى إنها رسامة الكاريكاتير السعودية هناء حجار، نجول معها في هذا الحوار الذي تؤكد خلاله أنها لا ترسم إلا جزءًا مما يحيط بها وهي هنا تبحث عن فك القيود التي تخنقها وغيرها من النساء السعوديات وسلاحها في ذلك اللوحة، واللوحة فقط طالما تعجر عن الإنشاء كما تصرح دومًا.
في ما يلي نص الحوار:
فك القيود
- ماذا تريد هناء حجار بعد أن حصلت على لقب quot;رسامة الكاريكاتير الأولىquot; في المملكة؟
بصراحة، لقد كرهت هذا اللقب الذي لازمني لدرجة أني بت أتشائم منه، الآن أريد أن أثبت حضور المرأة السعودية في الوقت الذي نرى فيه صوتها مغيب إلى حد كبير، أريد أن أسخر من واقعها الذي تعيشه رغمًا عنها حتى يتقبلها الطرف الآخر. صحيح أن هناك جوانب في حياة بعض النساء أفضل من غيرهن لكن الأغلبية ما زالت أصواتهن مغيبة، فالمرأة السعودية بصدق بحاجة لأن تحصل على حقوقها وأقلها قيادة السيارة، يأتي ذلك في وقت لم تحرك فيه حادثة تحرش السائق الأربعيني الوافد بمائتين قاصر وامرأة.!! فلو كان لدينا الحق في توصيل أبنائنا لمدارسهم لما حصلت حوادث من هذا النوع.
- الحرية حاضرة بقوة في رسوماتك الكاريكاتيرية، فيما يبدو أنك تحاولين أن تشعرينا بأن المرأة هي الكائن الوحيد المتحرر ظاهرياً فيما هي المقيد داخليًا؛ هل المرأة كتلة من التناقضات برأيك؟
قد يكون ذلك، لكن على الأغلب ما يرسم ما هو إلا جزء من محيطي الذي أعيش فيه، بالتالي من الطبيعي كوني امرأة أن أبحث عن فك القيود التي تخنقني وتخنق غيري داخليًا، أنا دائمًا ما أشعر بأن المرأة السعودية متحررة ظاهريًا ومسجونة من خلال نفسها وبداخل ذاتها.
الصحف تريد توظيفي
- صرحت في كثير من الصحف أن quot;مجلة عرب نيوزquot; الأسبوعية أعطتك مساحة كبيرة من الحرية التي تفتقدينها في الصحف المحلية الناطقة باللغة العربية، فيما لا تنشرين بالصحف اليومية، لماذا لا تنشرين بالصحف اليومية مثلا وهي التي تعتبر منبرًا يوميًا تطلين من خلاله على جمهورك أم أنها لا تعني لك شيئًا؟
ليس كذلك أبدًا، السبب وراء عزوفي عن النشر في الصحف السعودية هو أن أغلبها توظفني لترجمة أفكارها، للأسف، هي تجبرني على إتباع خط واحد يمثلها ولا يمثلني، وهذا ما أرفضه، شخصيا لا أقبل أن أمثل وجهة نظر غيري من خلال رسم يخصني في مضمونه، ولا صحة لما نشر على لساني بأن quot;عرب نيوزquot; أعطتني مساحة من الحرية بل فقط احترمت رسالتي بشكل عام في الوقت الذي لم تحترم رسالتي وفكري من الصحافة السعودية، وهذا لا يعني أن جميع ما أقدم يقبل من المجلة لكنهم لا يملون علي شروطهم.
-لديك شخصية مسجلة دوليًا باسمك تطرحين من خلالها مبادئ وأركان الإسلام للأطفال، فهل ترين الكاريكاتير في الوقت الراهن قادرًا على دعم الهوية الإسلامية لدى الغرب قبل العرب في الوقت الذي تطالبين فيها بتحرر المرأة سعوديًا؟ لماذا هذه القفزات الكبيرة؟
هذه مفارقات بها نوع من إرضاء غروري كمرأة، حيث أشعر بأني المتحدثة الرسمية عنها بريشتي، لا تناقض في ذلك إذا فهمنا الأمر بشكل أكثر شمولية. أما عن الشخصية الإسلامية فقد قوبلت بأصداء أكبر مما توقعت، حظيت بمتابعة رائعة من قبل الأطفال ولله الحمد.
من وحي الصدمة
- تناولت قضية كارثة جدة بشكل مؤلم في إحدى لوحاتك وهو ما أغضب الكثيرين، خاصة وأن الكثيرين فسروا الرجل المسؤول الذي ظهر بلوحاتك كان يرتدي quot;بشتquot; (الزي الرسمي) أنه آمين أمانة جدة quot;المهندس عادل فقيهquot; مما سبب لك مشاكل، حدثينا عن تبعات هذا الكاريكاتير؟ ولماذا استخدمت علامة الدولار عوضًا عن الريال؟!
(تضحك).. الشخصية أتت من وحي الصدمة، ولم أقصد شخص بعينه، مهما وصلت جراءتي وزاد تمردي إلا أن غرضي من تجسيد هذا الألم كان يتمثل في اصلاح الاعوجاج في المجتمع الذي أعيش فيه، كنت أريد أن أحكي ألم مدينة جميلة وجذابة من الخارج لكنها مدمرة من الداخل، فمن المستحيل أن أجرح أي شخص، لكن الحقيقة أن هناك مسؤولين خانوا الأمانة، ويتدارون بالزي الرسمي للسعودية، وتسببوا في تدمير مدينة جدة، فغضبي هو من دفعني أن أخرج ما بداخلي الذي كان يشبه البركان.
هنا أسجل أنني لا أريد أن أدخل في مهاترات مع أحد، كوني لا أحب ذلك، أما عن الدولار فهي دلالة على ضخامة المبالغ المسروقة من جدة.
-كان لك وقفة من مسألة البطالة النسائية في المجتمع السعودي وأوضحت أن المرأة الجميلة هي من ستوظف حتى وإن كانت لا تمتلك خبرات على عكس المرأة قليلة الحظ من ناحية الجمال مع أنها صاحبة الخبرات العالية، لهذه الدرجة المجتمع السعودي بنظرك هو سطحي حتى تجسديه بهذا الشكل؟
للأسف.. هناك بعض الشركات التي رفضت صاحبة الخبرة وقبلت الجميلة، وهنا يتساءل بعضهم: لماذا لا تتقدم النساء؟ ما يحدث في مجتمعنا لا يمت للعدل بصلة، ولا بد من الالتفات لهذه النقطة المحورية. ربما يعتبرها البعض تصرفات فردية لكنها أثرت على نظرتي لمجتمعي، وعليهم معالجة ذلك.
النزول للشارع
- أيتها quot;النحلة المشاكسةquot; من أطلق عليك هذا اللقب وما قصته؟
هذا لقب أطلقه علي أستاذي رسام الكاريكاتير المصري سعيد الدين شحاتة الذي تدربت على يده قبل 5 سنوات تقريبا، لقد طبقت ما دربني عليه في جريدة الأهرام المصرية حيث كنت تحت إشرافه، أما إشادته لأدواتي الفنية فهو فخر لي، لقد علمتني هذه الإشادة أن أنزل الى الشارع وأنظر للمواقف والأحداث التي أراها وأجسدها من وجهة نظر هناء حجار.
-متناقضة أنت يا هناء كثيرًا، لم نعد نعرف هل أنت مع الرجل أم ضده، تمدحين غير السعودي وحين نتذكر جملة quot;يالبى قلبي من جويquot; (جملة يستخدمها أهل نجد للتعبير عن مدى حبهم لشخص ما) نتساءل هل الرجل السعودي يختلف عن الرجل المصري؟
(تضحك) كيف تربطين نقد بشكر وعرفان، الرجل هو أخي، أبي، زوجي، ابني ووالدي الذي كان سببًا لوجودي على هذه الأرض. لا أرى الرجل بجنسيته بقدر ما أراه بعطائه ودعمه.
أما عن جملة quot;يالبى قلبي من جويquot; سألوني كثيرًا عن معنى الجملة وهنا ضربت عصفورين بحجر توثيق اللهجة النجدية من جهة وأضحكت الكثير من النساء اللواتي يفكرن في وضع من يتعرض طريقهن في الخلاط الكهربائي حتى يتعظ.
متحيرة حياديًا
-هل الشاب السعودي فعلاً يجب أن تعاد تربيته، بنظرك، في الوقت الحالي؟
من المحتمل أن يكون الشاب السعودي مظلومًا في أحيان قليلة، لكنه يظلم نفسه أكثر باستغلال الفرص متى ما سنحت له، بمعنى هذا الشاب يطالب بحقه في دخول المراكز التجارية ويتذرع بأن الوقت الذي يسمح له بالدخول هو وقت دوامه الرسمي وبالتالي لا يستفيد من ذلك، لكن في الحقيقة فإن أغلب هؤلاء الشباب لا يبتغون الشراء، بل يريدون المعاكسة وتلبية رغباتهم ليس إلا، بالتالي هم يجعلون ذلك شماعة لتعليق الأعذار الشخصية، فحين أخرج للتصوير الفوتوغرافي ويروني امرأة تجدينهم يتجمهرون! نظرة الرجل الآن للمرأة نظرة وراءها هدف يكمن في داخل هذا الرجل.
- ألم أقل لك انك متناقضة ونفيت بشدة، صحيح أننا نراك مبدعة وحيادية في تبني قضايا المرأة السعودية وتحاولين أن تظهري في أوج تألقها لدى العالم الأخر إلا أننا نراك من جهة أخرى تظهرين المجتمع السعودي بصفته quot;مجتمعا سطحياquot;، وكون هذه نظرة مغلوطة جداً لماذا هذا التناقض وإشعارنا بأن المرأة مضطهدة في ظل وجود المرأة اللئيمة؟
تقصدين المفارقات التي تثير حفيظة بعضهم؟ والتي بالمناسبة تجذب أغلب الأشخاص، إن كان كذلك فهو صحيح!، انا متحيزة للمرأة لكن بشكل حيادي. تعالي لننظر لكاريكاتير الرجل الذي يوظف المرأة ساخرًا منها، هنا من الطبيعي أن أتبع طريقة المشاكسة الأنثوية وهي مشاكسة بلا أنياب شرسة كما الرجل، فلو نظرنا للواقع لوجدنا المرأة في مجتمعنا إلى حد كبير بحاجة إلى من ينتصر لها لتحصل على حقوق سلبت منها بفعل العادات والتقاليد الاجتماعية.
نعم.. متمردة
-الرجل السعودي quot;عنيد في اعتزازه بمبادأه لحد أللامعقولquot; وquot;متصلب في إثبات رجولته في حال كان صائم في شهر رمضانquot; هكذا جاء في لوحتك، كان الرجل على شكل قنبلة نووية قابلة للإنفجار في أي لحظة في ساعات شهر الصيام، ألهذه الدرجة يجب أن يُبتعد عنه؟ أم أنك تبالغين إلى حدٍ ما؟
الرجل السعودي يعتز بمبادئه ولا شك في ذلك، وهذه ميزة أكثر منها عيب، لكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب ضده. نعم يجب أن يبتعد عنه وعدم استفزازه أبدًا والإيمان فقط بأن المرأة أكثر تحملاً وصبراً من الرجل، فهي حتى أثناء الصيام فهي تغسل وتكوي وتنظف وتطبخ وتجهز المائدة قبل الإفطار بالإضافة أنها تذهب لدوامها الصباحي.
ومع ذلك المرأة السعودية، في الوقت الراهن، باتت متمردة وواعية لما يدور حولها أكثر من قبل.
- هل المرأة المتمردة تتجسد في شخصية هناء حجار؟
نعم متمردة في أحيان كثيرة على واقعي من خلال رسوماتي كوني أفتقر لكيفية التعبير الإنشائي ولا أفقه في كيفية تركيب الجمل، رسوماتي كفيلة بالحديث عني حتى وإن حللها بعضهم بشكل خاطئ لكن يكفيني أني متمردة بأنوثة مغايرة.
- تناولت القضية الفلسطينية لفترة طويلة من خلال رسوماتك لدرجة أن الكثيرين شككوا في أصلك السعودي، هل بات حب القدس مصدر شك من قبل بعضهم برأيك؟
مجموعة quot;هنا وطنيquot; مجموعة رسائل وجهتها للعالم أجمع بشكل راق بعيدًا عن الأكاذيب والمشاعر المنمقة.. ثم لا صحة لوجود جذور فلسطينية في أصلي ومن يفسر حبي لفلسطين بهكذا شكل هم أناس يعانون من أمراض نفسية ويحتاجون للعلاج، بداية يجب عليهم أن ينظروا إلى أنفسهم ويتساءلون ماذا قدموا للقدس؟ أنا قدمت وسأقدم ما أستطيع أن أعبر به عما أشعر به ببساطة وتلقائية.
التعليقات