عبدالله السمطي من الرياض: تركز الكاتبة السعودية نوف بنت محمد في مجموعتها القصصية الأولى: quot;لأنها أنثىquot; ( مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى 2010) على التأمل في الهاجس الجنسي، إنها تنظر إليه بوصفه إحدى المشكلات الاجتماعية الواقعية التي باتت تؤرق المجتمع في لحظته الراهنة.
فالعلاقات المريبة، بين الشخوص القصصية، وسرد الوقائع القصصية حقيقية أم متخيلة تشكل نوعا من نقد الجوانب السلبية في هذا الهاجس المقلق، حيث تضمن القاصة عددا من نصوصها القصصية انطباعات وأفكار تهدف في التحليل الأخير إلى التمسك بالقيم والتقاليد الاجتماعية والدينية، التي تؤطر للهاجس الجنسي في إطاره الطبيعي الذي يحترم الحقوق والقيم والواجبات.
ففي قصة: quot; العرف أولى بالاتباعquot; تنقل على لسان الرجل في القصة: quot; قال بصوت ذكوري خانق: على كل امرأة العمل على أن تكون الأخيرة في قلب الرجل، وعليه أن يكون الأول في قلبها، هذه هي شريعة الأنثى في بلادنا، ولن أكفر بها لأجلكquot;.
للرجل هنا أن ينتقل، في علاقاته النسوية، لكن على المرأة أن تكون الأخيرة في قلب الرجل، وأن يكون الأول في قلبها، وعلى الرغم من أن هذه قسمة ضيزى، إلا أن التوجه الاجتماعي العربي أو الشرقي ينشد ذلك، وهو ما توقن به الكاتبة في قصتها.
وفي قصة: ط اخوف من الخوفquot; تعبر الكاتبة عن ضحايا الحب المزيف من البنات، حيث تقع بطلة القصة فريسة التضحية ببكارتها مع حبيب مزيف، وهي تبحث عن خلوة للقاء حبيبها الذي يفض بكارتها ويتركها لأحزانها العميقة: quot; اقترب إليها أكثر، حتى فض بكارة العمر البريء، ليتوالى خفقان قلبها المتسارع ويمتزج مع أنين صوتها، فتجهش بالبكاء وهي تمضغ غيظها وأحلامها المؤودة، بصوت يقتله الذنب، أدركت أن شرفها كان قربان حبها الزائفquot;.
وفي قصص أخرى من المجموعة تعالج الكاتبة مثل هذه القضايا التي يشكل الجنس هاجسها الجوهري، مثل قصص: quot; مرآة قرويةquot; عن الحبيب المخادع الذي تورطت معه الحبيبة في علاقة غير مشروعة، وقصة: من شب على ذنب شاب عليه، حيث المسن الذي quot; يتقصى ظلال النساء، ويتوجس العطر في الريح القادمة من البعاءات العابرةquot; كذلك في قصة: quot; سكونquot; وقصة: quot; موت أبيضquot; التي تعبر بها عن حالة شذوذ طفلة في التاسعة من عمرها وموتها بعد إصابتها بمرض خبيث.
وتحمل قصة: quot; ذاكرة العارquot; صورة المتاجرين بالجنس، حيث بيت العائلة القابع في قلب حي شعبي قديم من العاصمة، حيث quot; رائحة الفجور تتسرب إلى الجيران لتمتد إلى جغرافيا المنطقة مضيفا لعائلتهم تاريخا قاتما من رماد تتقد فيه جذوة الفضيحة.. حيث والداها قد دأبا على إشعال شموع الذنب في لياليهما الحمراء على شرف طلاب الرذيلة والخضوع المشينquot; كما تنتقل القاصة في قصة: quot; غفلة عشاء quot; إلى تصوير بعض المشاهد الجنسية المثلية بين بطلتي القصة مها وإيمان، وهروب مها من مقابلة خصصتها إيمان لفعل مشين، فإيمان quot; تحدثها عن خشونة الرجال، ونعومة النساء، تطرح تلميحا على باب المحال لنعومة متكافئة، وجسد مماثل يغرق بالعطر ليكون أكثر سخونة، ثم تترك لنفسها طريق الرجوع بمحض الخيالquot;.
وعلى الرغم من تركيز القاصة نوف بنت محمد على هذا المجال الدلالي، إلا أن طريقة الأداء السردي لهذا النمط من القصص لا يأتي محملا بإشارات أو رموز تحوله من حدث واقعي إلى حدث فني، فأكثر البعرات مباشرة، تستند إلى العبارات الخبرية التقريرية الصحفية أحيانا، ولا تنهمك في تشكيل حالة سردية أو نسيج سردي متميز، او خاص بالكاتبة التي تقتحم المجال السردي للمرة الأولى بعد إصدارها لديوانين شعريين بالعامية هما: quot; ورق الفضاءquot; وquot; ظماquot;، كان على القاصة أن تستثمر كثافة الشعر في كتابة قصصها، خاصة وأن معظم قصص المجموعة من نوع القصص القصيرة جدا، بيد أن القاصة لم تفعل ذلك، وذهبت وراء غواية الحكي دون استثمار آليات السرد من كثافة ومفارقة وترميز، كما اعتمدت القاصة على لغة سردية بائدة قصصيا، لا تجديد فيها مثل قولها على سبيل المثال: quot; ليعانق أروقة الظلام الممتدة من عتمة المشاعر المقفرة والروائح الملوثة بشوائب النقمة والانتقامquot; ومثل هذا الأسلوب القصصي البائد كثير جدا في معظم قصص المجموعة.
ومن الملفت في هذه المجموعة أن القاصة تلتزم بالنهاية المنطقية التي تستند إلى التقاليد والأعراف، وإلى فكرة أن المخطىء ينال جزاءه، وأن من يفعل الخطيئة لا بد أن يلقى عقابه المناسب، وأن العلاقة بين الرجل والمرأة ما لم تتم بشكل ديني شرعي هي علاقة غير سوية، وأن الرجال والشباب دائما مذنبون، وأن اية علاقة حب غير شرعية تنتهي بحادثة شرف، وهذا أمر يتأتى من لدن القاصة بشكل مسبق كأنها تنقل للقارىء بشكل مباشر نهايات قصصها، ومصير ابطالها، وهذا أمر يحول القصص إلى قصص تعليمية وعظية، لا تفض بكارة السرد، ولا بكارة اللغة، وهذا اسلوب عفى عليه الزمن القصصي السعودي والعربي.
وتحفل المجموعة بعدد بين من الأخطاء اللغوية والأسلوبية، مثل: يداها ترتعش ( ترتعشان)، أصلعًا ( أصلع) أبنها (ابنها) فضاءها (فضاؤها) مضيفا تاريخ قاتم (تاريخا قاتما)...إلخ هذه الأخطاء التي تحتاج لتصويب ومراجعة.
إن أسلوب القصة القصيرة جدا من المفترض أن يكون أكثر مغامرة مع اللغة، وأكثر تجريبا، وأكثر حدة ومفارقة، حتى في القصص الطويلة نوعا ما في المجموعة، لابد من تكثيف، وترميز، وإحالة، ووضع القارىء في موقف القارىء اليقظ المتسائل الذي يمضي مع النص القصصي عند حدود التأويل ومطلقه الدلالي الفاتن.