رسمت الكلمات صورة حية لحضارة العراق وثقافته وتراثه المجيد منذ غابر الزمان.

quot;تراث العراق الديني: حضارة عبر العصورquot; هو عنوان الفعالية التي نظمتها مؤسسة آل البيت في مركز بلازا تشرتش التابع للأمم المتحدة في نيويورك بدعوة من رئيس بعثة العراق لدى المنظمة الدولية السفير حامد البياتي. وحضر حفل الافتتاح جمع من السفراء وممثلي المنظمات غير الحكومية وعالم الأعمال والخبراء المختصين بقضايا الشرق الأوسط بينهم الدكتور عبد الحي، بصفته سفيرا للسلام العالمي، ومجموعة العمل المشتركة بين الأمم المتحدة واتحاد السلام العالمي. والقى كلمة الافتتاح الدكتور اريك ديفيز استاذ العلوم السياسية لدراسات الشرق الأوسط في جامعة رتغرز، الذي قدم عرضا شيقا لتاريخ العراق مع التركيز على طريق عودة العراق الى سابق عهده.

اكد الدكتور ديفيز بكل وضوح ان الولايات المتحدة ما كان ينبغي قط ان تغزو العراق وان الغزو كان خطأ فادحا. وبعد ارتكاب الخطأ نُفذت عملية اعادة الاعمار بطريقة لا يُعتد بها. وبرأيه فان جميع فرقاء الحرب كان ينبغي ان يحشدوا جهودهم للمساعدة في اعادة بناء البلد. وإذ حُكم على شرائح من المواطنين العراقيين بالبطالة، بمن فيهم منتسبو مؤسسات مثل الشرطة والجيش، دُفع هؤلاء الى اتخاذ موقف معاد. وكان على الولايات المتحدة ان تفهم نسيج العراق الداخلي، بما في ذلك أجهزة الأمن والجيش والجهاز الاداري وجماعات قوية داخلية أخرى. واضاف انه كمراقب يعتقد ان الولايات المتحدة لو اتبعت النهج نفسه الذي اعتمدته بعد محاربة المانيا وهزمها في الحرب العالمية الثانية لكان العراق أفضل حالا منه اليوم.

وفي حين ان كلمة الدكتور يدفيز كانت قوية ومثيرة للجدل فان قسما كبيرا من مداخلته كان تنويريا. وكرس الشطر الأكبر من مستهل محاضرته لتسليط الضوء على تراث العراق الثقافي العريق وتاريخه الحافل. واظهر بكل وضوح في لقطات الفيديو التي عرضها عن ماضي العراق، ان الحضارة السومرية اقدم الحضارات في التاريخ بعمر يمتد خمسة آلاف سنة. وكانت الحضارة البابلية صاحبة اول دستور في التاريخ كتبه قائدها قبل نحو اربعة آلاف سنة. ويمكن الاطلاع على نسخة من هذا الدستور في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك. وتمكن عيسى اليسوع من هداية بعض العراقيين الى الديانة المسيحية فأوجد اكبر طائفة مسيحية في العراق. وصنعت الحضارة الكلدانية جنائن بابل المعلقة الشهيرة.

ولاحظ ديفيز الآثار السلبية للغاية الناجمة عن الغزو الاميركي على المتاحف والمكتبات. فقد تضررت مواقع أثرية مهمة في سائر انحاء العراق. وقال quot;ان العديد من المواقع الأثرية تعرضت الى التدمير والنهب بعد غزو 2003، بما في ذلك المتاحف. وسرقت خمسة آلاف من الرقم الطينية من المتحف العراقي في بغداد وحده. وإزاء هذه المأساة فان من الضروري التنويه بأن العالم العربي ساعد العراق على صيانة الكثير من تراثهquot;. واشار البروفيسور ديفيز الى ان الدول العربية الحريصة على مصلحة العراق أسهمت بقسط كبير في المساعدة على استعادة العديد من هذه القطع الأثرية التي لا تُقدر بثمن. ومما له مغزاه ان العراق استعاد حتى الآن 17 ألف قطعة اثرية مسروقة. فان الاردن اعاد 2500 قطعة اثرية بينها مصنوعات ذهبية وحلي ومخطوطات قديمة. وسوريا اعادت اكثر من 750 قطعة اثرية. وساعدت في ذلك العربية السعودية والامارات العربية ايضا.

العراق ايضا أسهم في توفير الأمن والحماية بتشكيل شرطة متخصصة بحماية الآثار في بغداد تتولى الآن حراسة المتاحف والمواقع الأثرية المعروفة، بما فيها من كنوز. وقدمت الأمم المتحدة مساهمتها حيث قامت منظمة quot;اليونسكوquot; على الأخص بدور كبيرة في العمل على حماية المواقع الأثرية وآثار العراق وحراستها. وباختصار ان العراق بعد اهوال الحرب ونكبة العراقيين بالكثير من احبائهم واصدقائهم وآثارهم لاقى تعاطفا من جيرانه المسلمين والعالم أجمع. وهذه علائم تنبئ بمستقبل أفضل للعراق.

لاحظ الدكتور عبد الحي الذي كان من ابرز الحاضرين ان اصحاب الكلمات شخصيات معروفة وذات باع طويل في مجال اختصاصها وانها رسمت صورة حية لحضارة العراق وثقافته وتراثه المجيد منذ غابر الزمان. واعاد سفير العراق لدى الأمم المتحدة حامد البياتي في كلمته الصريحة وبحس لا يخلو من الطرافة، التذكير بأن العراق في احدى مبارياته للتأهل الى نهائيات كأس العالم، فاز بثلاثة اهداف على الفريق الخصم سجلها ثلاثة لاعبين ينتمون الى ثلاثة مكونات، لاعب شيعي ولاعب سني والآخر كردي. وشدد على ضرورة تمسك العراقيين بهذه الوحدة في التنوع التي يتفرد بها لأنها مفتاح السلام الدائم في وطنهم العراق. وتناول البروفيسور ديفيز دور الدين في عراق ما بعد 2003 بدعوته الى الوحدة والتسامح والنهوض بالبلد. واتفق المتحدثان على ان الولايات المتحدة والعراق توصلا الآن الى اتفاق يقوم على اساس الشراكة.

كما لاحظ الدكتور عبد الحي انه في عالم تمزقه الصراعات والنزاعات والفوضى والقلاقل تتبدى الحاجة الى حوار الأديان على اساس منتظم يجمع علماء الدين الى جانب القادة السياسيين والخبراء على ارضية مشتركة بما يخدم بناء الثقة وطرد شياطين عدم الثقة وسوء الفهم. فنحن كلنا ابناء ابراهيم والى جذوره نعود ـ المسيحية واليهودية والاسلام. وعلى هذا الأساس ينبغي ألا تكون هناك عقبة كبيرة تعترض طريق التعايش السلمي.

وقال الدكتور عبد الحي ان من المناسب التنويه هنا بحملة صاحب الجلالة ملك العربية السعودية عبد الله بن عبد العزيز من اجل بناء مثل هذه الجسور بين الديانات.

وكما قال الدكتور ديفيز ببلاغة فان الفاعلين الثلاثة الأساسيين الذين يستطيعون ان يساعدوا العراق في توظيف الدور الايجابي للدين هم العلماء والتربيون وقادة المنظمات غير الحكومية.

سادت الفعالية مظاهر الضيافة العربية المعروفة بالكرم وحرارة الاستقبال.