عبدالجبار العتابي من بغداد: اصبح من اللافت للانتباه في المسرح العراقي خلال السنوات الاخيرة هو اشتغاله على النص المحلي بشكل اكبر بكثير من الاعتماد على النصوص العالمية التي كانت تهيمن على عروض المسرح وتجهد عقول مبدعيه، ولا يكاد يظهر نص عراقي الا وامتلك وضوحه التام وقراءاته التي حروفها تنبض بما يوحى من جهات عليا، وكل من تسأله في ذلك الوقت من المسرحيين كان يجد ان في النص العالمي مساحة تنجيه من التأويل والاستفهام وتدفعه بعيدا عن اعين الرقباء ابتداء من اللجان الرقابية التي تقرأ النصوص وانتهاء بالذين يجلسون في زوايا من قاعة العرض وينصتون الى التحولات في المفردات التي تنتقد وتعبر عن مكنوناتها واحاسيسها، فكانوا يحتالون بالترميز والتشفير والسخرية من انفسهم عبر السخرية المفترضة من الاخرين ومحاولات البحث عن ابداع لا تكون عواقبه سيئة، وهذا التحول نحو النص المحلي اصبح ظاهرة حقيقية تستحق الانتباه اليها والبحث في اسبابها،لاسيما ان هذه النصوص وجدت مساحات كبيرة من الحرية للتتحليق في فضاءاتها، كما انها قد احرزت انتصارات في المحافل الداخلية والخارجية التي عرضت فيها مشاهدها.

هذه الظاهرة تستحق التوقف عندها لاسيما انها تأتي بعد سنوات طويلة من الضياع والغياب، وقد نالت اهتماما من المعنيين بالمسرح العراقي وبدأت اشارات عديدة لتشجيعها، كما ظهر مؤلفون شباب جيدون نالت نصوصهم قدرا من الاعجاب، ومن اجل الالتفات الى هذه الظاهرة، توقفنا عند بعض اصحاب الشأن في المسرح العراقي.

يقول المخرج كاظم النصار: اعتقد اليوم ليس من الصحيح ان تذهب الى المؤلف العالمي، بلد مثل العراق يزخر بالكثير من المشكلات والنكبات والمواضيع الهامة والحساسة، منذ تأسيس الدولة حتى اليوم نشهد مفاهيم سياسية وظواهر سياسية، ليس لنا علاقة بالاشخاص ولكن هناك ظواهر سياسية لم تعالج كما اعتقد في المسرح العراقي مثل العنف والتناحر السياسي والمشكلات الاجتماعية التي قدمها الكثير من المفكرين، اليوم هناك صحوة كما اعتقد، صحوة في ان نذهب لنقدم رؤية لبلدنا، على الاقل تقدم مقطعا عرضيا لبلدك، وهذا توجه صحيح.

واضاف: في السابق كنا نذهب الى النص الاجنبي هربا من رعب الرقيب من انك تقول ان هذا يجري في المانيا والحقيقة انه يجري في العراق، اليوم هناك ورش للنص العراقي وهناك توجه بهذا الاتجاه، انا معه على شرط ان يعرف المثقف المسرحي ماذا يقدم وعلى ماذا يحتج، وعلى شرط ايضا ان يقدم رؤية غير منحازة لا ايديولوجيا ولا لها مداعبة مع الوضع الاخر، فهناك مخرجون في الخارج او الداخل يتناغمون مع الخطاب الاخر وليس مع الخطاب العراقي، انا اعتقد اليوم ان وظيفتهم ان يقدموا رؤية متوازنة لبلدهم ويؤشرون على المشاكل لا بوصفهم معارضين من اجل المعارضة وانما معارضة من اجل تصحيح المسارات الخاطئة في البلد.

فيما قال الكاتب فاروق محمد: انا اعتبرها انتباهة جيدة لاننا بقينا لفترة ننادي ان يكون المسرح عراقيا ليس فقط بشكله واخراجه ولكن يجب ان تكون المضامين عراقية، المضمون العراقي يعني الكاتب العراقي، النص العراقي، الكاتب العراقي يستطيع ان يعبر عن ذاتنا وافكارنا واحاسيسنا، وهذه ظاهرة جيدة جدا على الرغم من ام بعض النصوص والاعمال ليس بذاك المستوى المطلوب، ولكن نحن نشجعها ونتمنى ان تكون هناك كمية كبيرة من المسرحيات عراقية، لان الكم يفرز النوع.

واضاف: والظاهر نشأ جيل صار يعي المشكلة العراقية والحس العراقي افضل من قبل، وهناك من يريد ان يعبر عن همومه، والمسرح افضل منبر يمكن للشخص ان يلقي به خطابه بصورة غير مباشرة طبعا، وبالتأكيد عدم وجود رقابة لها اثر في هذا التوجه، فقد جاءت احيان الرقابة تنظر الىما يريده الحزب الواحد والفرد الواحد، فكان التوجه الاعلامي واضحا، ثم كان هناك سوء التفسير والتعليل، ودائما هناك خوف والكثير من الاعمال توقفت في تلك الفترة لان الرقيب مثلا اما حزبي او متملق او خائف من السلطة فكان لسلامة موقفه يمنع العمل العراقي، ولابد ان تكون هناك حرية فكرية، فالحرية الفكرية الارض الخصبة التي تنبت الاعمال الجيدة؟

اما الممثلة المسرحية بتول كاظم فقالت: لا ننسى ان في فترة الخمسينيات والستينيات كانوا يعملون مسرحيات من نصوص محلية، لكن في السنوات ما بعدها تم نسيان النصوص العراقية وتم الاعتماد بشكل كبير على النصوص العالمية لاعتبارات الرقابة وغير ذلك، والان تغير الحال وغاب الرقيب واصبح الفنان العراقي يتعامل مع النص المحلي الذي يتضمن الواقع العراقي وما يدور في المجتمع، وانا برأيي ان لا تأخذ من هذا كثيرا ولا من ذاك كثيرا، من الممكن ان تكون موازنة كي يمكن الاستفادة اكثر.

واضافت: اشتغالنا بالنص المحلي الان افضل، ذلك لان (الحسجة) العراقية تبقى مميزة وتصل الى القلب والدماغ بسرعة وليس مثلما تريد تحويرها بشكل اخر، وتفقد بعض حلاوته،انا مع النص المحلي الشعبي ايضا الذي له خصوصيته لدى المتلقي العراقي.

في حين قال المخرج عماد محمد: ظاهرة الاعتماد على النص المحلي ظاهرة صحية، لان من اشكاليات المسرح العراقي خلال عقود من الزمن هو اعتماده بالكامل على النص العالمي، وبالتالي يضطر المخرج او يضطر الممثل البحث عن اساليب لاتنتمي الى هويته المسرحية، النص المحلي يجعلك تبحث وتجتهد في كيفية ايصال اشيائك وثقافتك وموروثك وكل ما يتعلق بهويتك في داخل هذا العرض، لذا عندما شعر المسرحيون العراقيون ان هناك ضرورة كبيرة للنص المحلي في ضوء هذا الاجتهاد اشتغلوا عليه، وبالمناسبة قد يكون النص المحلي اصعب من النص العالمي اشتغالا، كون النص العالمي له مرجعيته وله خصوصيته ومعرف، وبالتالي يكون عكازة للمخرج وللعرض المسرحي بأن يقدم، بينما النص المحلي عليك ايصاله وهو نص غير معروف، وعليك ايصاله بكل عناصره وتفاصيله وبشكل ناجح.

واضاف: هناك اتجاهان، اتجاه استطاع ان يحول هذا النص المحلي ويعطيه هوية عالمية ولكن بخصوصية عراقية، وهناك الاتجاه الثاني الذي لم يستطع ان يخترق النص المحلي باتجاه العالمية، وهذه مشكلة كبيرة موجودة لدينا، وهي قائمة، ليس كل مخرج اشتغل نصا محليا استطاع ان ينجح عرضه، وليس كل مخرج استطاع بنفس الوقت ان يقدم النص المحلي وان يبتكر وان يجتهد.

وتابع: العالم الان يتجه الى هويته والى خصوصيته، عندما تقدم تجربتك الانسانية، والفن تجربة انسانية، عليك ان تقدم تجربتك الانسانية انت للاخر كيف يعرف ما هي مقومات هذه الهوية ومقومات ثقافتك وحضارتك وبالتالي اذا ما يكون النص محليا، لا يمكنك ان تقنع الاخر او تفتح حوارا معه وتعمل بمستوى من التحضر والتفاعل الانساني معه.

اما الممثل والناقد المسرحي سعد عزيز فقال: انها ظاهرة صحية تعتمد العودة الى المؤلف العراقي باتجاه ان هذا المؤلف اصبحت لديه قدرة كبيرة على تقصي الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كان يرمز ويشفر لها في العهد السابق بينما اصبحت الان تقدم بكامل طاقتها الفنية الفكرية والجمالية، هذا من جانب، ومن جانب اخر اصبح للمؤلف العراقي الحرية الكاملة في الكتابة عن المواضيع المسكوت عنها في الكتابة عن المواضيع التي تستدعي القضايا الداخلية للمجتمع العراقي مما جعله في كثير من الاحيان مباشرا في تقديمه للثيم الدرامية والمواضيع الدرامية واصبح هناك سبر للطبقات السفلى، من عمال وشغيلة ومهجرين والطبقات السفلى للمجتمع التي كان مسكوت عنها في العهد السابق، اصبح هنالك مثلا اعادة انتاج لشخصية الام في الشكل الجديد للنص العراقي بحيث اصبحت الام تمثل الوطن والظاهرة الاجتماعية وكل امهات العراقيين الذين استلبوا، واللواتي استلبن طوال مدة الاحتلال الامريكي.