قراءة عبدالله السمطي: تتألقُ اللوحة التشكيلية لدى الفنانة حنان باحمدان من خلال التوهج اللوني الشاحب - إذا صح التعبير- الذي لا يكتنز دلالاته اللونية ورمزيتها، قدر ما يكتنز حالة الزمن بأبعاده الثلاثية. فالزمن في لوحة حنان با حمدان يضرب في أعماق اللوحة، في خطوطها، وتعاريجها، وانسياباتها. الزمن فعل جوهري في لوحتها، وهذا الفعل يتحرك ليحتضن أطرافه الثلاثية: الماضي، والحاضر والمستقبل. الزمن هنا لا يعبر عن الماضي فحسب، على الرغم مما تشي به الوجوه الواردة باللوحات. فهذه الوجوه الماضوية المنسية التي جرى بها الزمن، كان لها حاضرها الذي تعايشه، وكان لها مستقبلها الذي تستشرفه.. وإذا كان الزمن قد عاد للوراء، فإن حنان با حمدان تعيد استشرافه، وهذا الاستشراف يسري عبر المخيلة الطليقة، وفعل التخييل في الفن التشكيلي - وفي الفن بعامة - هو فعل مستقبلي .
لقد اصطفت حنان باحمدان الوجوه، وقدمت بورتريهات متنوعة لهذه الوجوه، والوجه هو عنوان الإنسان وميسمه، وحين يقدم في لوحة تشكيلية فإنه يقدم بأشكال وطرق متعددة ، هذه الطرق تحمل دلالات الانطواء والعزلة، وقد تحمل دلالات الفرح بالحياة في لحظتها الماضية. إنها وجوه منسية عابرة نراها في الشوارع في الطرقات في المقاهي في الحياة العامة في العمل، في الحقل، على بوابات المدارس أو المصانع ، وجوه عابرة منسية، تستعيدها الفنانة هنا لترسخ وجودها فنيا، لتقتطف منها هذه اللحظات الجميلة أو غير الجميلة، فمن المهم أن تبقى دلالاتها .

تتجه حنان باحمدان في تشكيلها للوجوه إلى وجوه البسطاء لاكتشاف وسبر إنسانيتها، وفي وجوه البسطاء تتجلى الدراما بأفدح تفاصيلها، فالضجكة ليست هي الضحكة التامة، إنها ضحكة ساخرة من الناس والوجود ، والحزن حزن مخفي يتوارى وراء تقاطيع الوجه، ولا يبوح بتفاصيله في التقاطيع التي يناط بها الزمن، الحزن هنا شفيف لا حزن قهري بالضرورة أو قسري، الحزن لا يمتلك اللحظة وإن كان يغلفها ويحيق بها.
وتتجلى وجوه الفنانة هنا في شكل مستطيل على الأغلب، في وجوه تقشفت وتجعدت وشفت بفعل الزمن، وتركز الفنانة على إبراز تفاصيل الوجنتين البارزتين، والتجاعيد، في تجانس لوني تلعب فيه الخطوط الصغيرة المكتنزة دورها في إبراز معالم الوجه وتقاطيعه، كما تركز على شكل نظرات العينين المليئة بالدلالات بما تنطوي عليه من عمق زمني، ومن ثراء في التمعن في الأشياء وكأنها تقدم لنا حكمة العينين في تلقي الواقع.
حنان با حمدان لا تتجه لتأطير الفرح أو الحزن إنها تتجه لحالة الوجه نفسه. إنها لا تسعى بريشتها خلف التفاصيل والمنمنمات التي تحيط بالوجه، دلاليا أو شكليا، فهي لا تهتم مثلا بإبراز ما تحويه الملابس أو الخلفيات التي تظلل الوجوه. ولا تسعى إلى إيضاح مجمل هذه الخلفيات أو التكوينات، إنها تستعيد الوجوه فقط في حالتها التي نمت في الذاكرة. نحن حين نستعيد مشهدا ما، لا نستعيد تفاصيله وجزئياته البسيطة في التو، إنما نستعيد الحالة المشهدية الكلية فحسب، ومن الجلي هنا أن ثمة توافقا بين الحالة الزمنية للوجوه الحافلة بالتجاعيد والشعر الأشيب، وبين حالة اللون الشاحب، المتروك على سجيته وتلقائيته ليعبر عن اللحظات الزمنية الهرمة.
وتستخدم الفنانة في لوحاتها عدة مكونات لونية فهي تشكل بالقلم الرصاص والفحم والباستيل والزيت، وهذا أفضى إلى وجود حساسية لونية لديها قوامها الدقة والتعبير بوضوح وشفافية عن مآل شخصياتها الدلالية التي تجري في الإطار الزمني الذي يتجلى في هذه الوجوه المنهكة الجليلة.
وقد لفتت أعمال حنان باحمدان انتباه الفنانين والنقاد والجمهور منذ معرضها الشخصي الأول الذي أقيم في مدينة الرياض عام 1992م وتوالت بعدها معارضها الشخصية ، حيث أقامت معرضها الشخصي الثاني في قاعة الشموع بالقاهرة عام 1996م والمعرض الشخصي الثالث في قاعة أتيليه جدة للفنون الجميلة عام 2001م ومعرضها الشخصي الرابع في قاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة والذي أقيم في الفترة من 21- 25 سبتمبر 2005م و معرضها الشخصي الخامس في صالة أتيلية جدة للفنون الجميلة بمدينة جدة في أبريل 2006م ، كما أن معرضها الشخصي السادس والذي أقيم في 24 مايو 2009م ، بعنوان (وجوه منسية) في صالة حوار بمدينة الرياض و حظي بإهتمام كبير ، هذا بالإضافة إلى مشاركتها في معارض جماعية داخل وخارج المملكة .
كما سجلت حنان باحمدان سبق الريادة كأول فنانة سعودية تعرض أعمالها في صالة سودبي للمزادات الفنية العالمية في لندن من خلال لوحتها الشهيرة (العم منسي) التي عرضت في إطار مزاد عالمي نظمته الصالة في 23 أكتوبر 2007م تحت مسمى (الفنون الحديثة والمعاصرة للفن العربي والإيراني) وشارك فيه 85 فناناً تشكيلياً من كبار الفنانين من اقطار عربية وإيران . كما سجلت حضوراً عالمياً آخر من خلال عرض إحدى لوحاتها في المزاد الدولي للفن المعاصر والذي أقيم في صالة سوذبي في شهر أبريل من هذا العام 2010م وبيعت اللوحة بعد المزايدة بمبلغ 43250 ألف جنيه أسترليني .
حنان با حمدان تمضي في تميزها التشكيلي بهذه الوجوه المنهكة التي تتوارى خلف الزمن، لا لتنسى تماما، ولكن لتبتدع لحظتها الإنسانية، وتجلى إشراقتها عبر اللوحة التي تقتنص اللحظة لتضيفها لتوقيت الروح ومواعيد الذاكرة المخايلة.