عبد الجبار العتابي من بغداد: بعد غياب لاكثر من سبع سنوات، عاد المسرح التجاري الى الواجهة، وتحول الى ظاهرة ضربت قلب اهم مسرح في العراق وهو المسرح الوطني الذي يعد رمزا للمسرح الجاد والملتزم والهادف، فضلا عن مسرح اخر في شارع الرشيد، اصبح المسرح الوطني ساحة فسيحة تقام على اطرافها قيامات الصخب، وعلى صدرها يتعالى دخان الاسفاف عبر الكلمات والسلوكيات التي لا تفعل سوى محاولات لصنع ضحكات على شفاه المشاهدين، ولكنها صناعة لا تحمل معها سوى (شر البلية ما يضحك)، فكل المحاولات لاختراع الضحك تتحول الى ضحكات على من يقف على الخشبة، او مثلما قال احد الفنانين (مجرد قرقوزات)، كما اشار اخرون الى ان المسرح تحول الى عالم من تهريج حين يقوم باستضافة بعض المغنين من اجل جذب اكبر عدد من الجمهور، واستغرب فنانون ان يتم نشر صورة كبيرة الحجم جدا على بناية المسرح الوطني لمغنين واعدين فيما لم يتم ذلك لخيرة الفنانين العراقيين من مختلف الاجيال، ولا حديث هذه الايام للفنانين غير عودة المسرح التجاري وما يحمله من اسفاف وصفه احد الفنانين بالاشرس!!، فيما وصفه اخر بـ (الملهى) وهو الوصف الذي نقلته الى فنانة تعمل في المسرح التجاري فقالت ببهجة وثقة (اهلا بالملهى)!!.
حاولت اولا الحصول على رأي الفنانة فاطمة الربيعي، واذا بها حين سمعت سؤالي الا ان تقف صامتة، ظلت لمدة دقيقتين في ذات الوقفة والسكون، فيما وجهها ينثر الوانا مختلفة وعيونها تخفي بريقا، لكنها لم تنطق الا بكلمة واحدة فقط رفضت ان تقول غيرها وهي (كرموا)،في اشارة الى ان جماعة المسرح التجاري الذين كرمتهم الحكومة.
الفنان عبد الستار البصري قال: على الرغم من انني بعيد عن هذا النهج، الا انني من خلال مشاهدتي للاعلانات الاحظ ان المسرح التجاري عاد، والعود اشرس، وليس احمد!!هؤلاء الذين ادخلوا السفاهة في الفكاهة ليس الذنب ذنبهم اطلاقا، بل ذنب المعنيين والمسؤولين وذنب الجمهور الذي يذهب اليهم، فهم يعملون تحت شعار اذا لم تستح فافعل ما شئت، هم يعملون بلا رقيب، ثم هنالك بيت شعر جميل يقول (اذا كان رب البيت بالدف ناقرا / فشيمة اهل البيت كلهمو الرقص)، ومع شديد الاسف ان المسرح الوطني، هذا المسرح العظيم باسمه (المسرح الوطني) فمثل هكذا مسرح في اي دول من دول العالم يحلم اي شخص ان يدخل ويشاهده وليس موظفا فيه، هؤلاء سفوا الساحة، سفوا الثقافة، سفوا الفن، سفوا التمثيل، سفوا كل شيء، مع شديد الاسف واقول هذا بألم.
واضاف: نحن عملنا في المسرح الجماهيري والحمد لله وعرضنا على خشبة المسرح الوطني، وليس ادل على ذلك انه في عام 1987 حصلت مسرحية (حال الدنيا) من تأليف واخراج طيب الذكر مقداد مسلم على حضور جماهيري كبير، وحصلت انا على جائزة افضل ممثل فيها عن دور كوميدي ولكن اي كوميديا، انها الكوميديا النظيفة الهادفة التي فيها معنى وليست الكوميديا الان التي وصل الاسفاف فيها الى حد مؤلم لكل فنان ملتزم.
واضاف: المطلوب الان ثورة اخلاقية، ثورة ثقافية، من كل الفنانين الشرفاء، اطالبهم بالخروج في تظاهرات، ان يتكلموا في وسائل الاعلام كافة بصوت عال وان يصرخوا بوجه هذا النهج المنحط وعلى المسؤولين على هذا النهج المنحط، وعلى القائمين عليهم والذين يروجون له والذين يدعمونه ماديا.
اما الفنان محسن العزاوي، ممثل ومخرج، فقال: هذه المنهجية بالعمل المسرحي عندما تنساق الى طبيعة المجتمع او طبيعة المشاهد، والمشاهد لا يمتلك القدرة العالية لفرز بين ما هو ثقافي ومؤثر ويرفع بالذوق العام وبين ما يجرى بطريق التسلية، التسلية واردة في المسرح ولكن الاثارة جزء من هذه التسلية وهي تحتاج الى ذكاء مفرط في كيفية توصيلها، اما المتعة فتكمن لا بالتسلية بل تكمن في طبيعة المنهجية الصحيحة للمسرح، هناك مسرحيات تترك في ذاكرة المشاهد امورا كثيرة منها المفارقة والحوار الجيد والسلوك العام على خسبة المسرح منها الديكور ومكملات العمل الفني، هذه يسمونها متعة، والفرق بين التسلية والمتعة كبير، التسلية تقال وتنسى، ولذلك عندما يخترق الممثل هذه المتعة يدخل الى باب التسلية، والتسلية هي النكتة واحيانا عدم الاسفادة من طبيعة الحوار او طبيعة الجملة، فينزلق الى عدة متاهات لا يستطيع لملمتها بالاخير فيضطر الى ان ينهي المسرحية بالاخير بقضية جديدة مفتعلة.
واضاف: الموجود في الوقت الحاضر هو تسلية وليس متعة، وانا حينما اسمع عن وجود مسرح اكون ضده لاسيما اذا ما كان خروجا عن السلوك العام، خروجا عن المنطق الادبي، خروجا عن العرف الاجتماعي.
وتابع: قيل الكثير.. الكثير عن الاغنية، ويبدو ان هذا السياق في الاغنية وفي المسرح وفي امور كثيرة ربما قد عجل بطرحها هو الوضع الاجتماعي العام، المجتمع الان لا يبحث عن الطراز الجيد من الدراما او المونودراما او التراجيديا بالقدر الذي يطمح فيه الى ان ينسى همومه اليومية، لذلك هو يلجأ الى هذا المرفق والى ذاك والى الاغنية السهلة والى الطقطوقة، وهذا قد يكون مؤقتا بتقديري الى حين ان تضع الدولة اعينها او مؤشراتها الحقيقية للفنانين، والفنانون سوف يعون ان هذه التجربة غلط في غلط،ربما سيعدلون سلوكهم العام مستقبلا في التأليف والاخراج وفي اختيار الاغاني وكل نشاط فني هو خاضع للنشاط الاجتماعي اليومي، ولذلك حينما يكون النشاط الاجتماعي بهذه الدائرة الضيقة تصبح الفنون في دائرة ضيقة اكثر.
وقال الفنان طه المشهداني، ممثل ومخرج مسرحي: انا اريد ان اجيبك بتساؤل: من المسؤول عن عودة المسرح الهابط وتقديمه لعروض على المسرح الوطني هذه الارض المقدسة؟، اذا كانت دائرة السينما والمسرح فأنا اول شخص يخرج بتظاهرات ضدها، هناك اناس يقولون: (نحن لن نذهب الى مسرح بل الى ملهى)، وصلت المرحلة الى اناس من داخل السينما والمسرح ومن فنانين كبار يحكون مثل هذا الكلام، فكيف بالذي يأتون من الشارع، يأتون سكارى، لهذا اذا ما كانت الفكرة مثل هذا فيا حبذا لو الغت دائرة السينما والمسرح هذا المسرح التجاري، تلغيه تماما، نعم هناك مسرح جماهيري محترم له اصوله واسلوبه وتاريخه العريق مثلما كان مسرح بغداد يقدم اعمالا رائعة، الان اين المسرح الجماهيري ؟ هل اصبح هو المسرح التجاري؟ هذا الكلام البذيء والاسفاف وغير ذلك من تفاصيل، لماذا نهتم اهتماما كبيرا ونعمل دعايات كبيرة بمسرحية تجارية هابطة وعندما اجيء من القاهرة فائزا لا يوجد حتى كتاب شكر وانا فنان وامثل البلد، هل هذه المسرحية التجارية الهابطة تمثل المسرح العراقي كله، انا بريء من هذا المسرح كل البراءة.
واضاف: انا قد لايهمني ما يعرض في مسارح اخرى وان كنت اعتب على الفنانين الذين يقبلون المشاركة في حفلات الاسفاف، ولكن ما يهمني هو المسرح الوطني الذي نقدس خشبته،اذن.. اين قوانين دائرة السينما والمسرح والنظام الداخلي للفرقة القومية للتمثيل، ما الاجراء الذي تتخذه الدائرة او الفرقة ضد الفنان الذي يسيء على ارض المسرح الوطني المقدسة ؟ للاسف اقول لك ان الفرقة القومية للتمثيل اصبحت عبارة عن مجموعة دول، كل قسم هو قيادة لها حزب وانظمة خاصة بها ولا يستطيع احد اختراقها، طيب اين الفن العراقي وما انجازنا نحن كفنانين عراقيين خلال اكثر من سنتين، هل هو هذه المسرحية التجارية الهابطة، انا أوجه الاسئلة ليس لدائرة السينما والمسرح ولا للفنانين فقط بل للشارع العراقي واقول: يا ناس تعالوا شاهدوا المسرح، هل هذا هو المسرح العراقي الحقيقي، نحن اصبحنا (قرقوزات) على المسرح حتى يضحك الجمهور علينا، ان كانت كما يقولون هذه المسرحية هي عودة المسرح الجماهيري العراقي فأنا لايشرفني ان اكون ضمن المسرح العراقي.
اما الفنانة الفنانة انعام الربيعي، وهي بطلة في مسرحية تجارية ما زالت تعرض على مسرح النجاح: (هله بيه)، اهلا به، مسرح الخير، الخير لنا، للفنانين، وعودة للجمهور الذي يحب المسرح ويحب مثل هكذا مسارح، وبهذه الظروف الصعبة رجعوا الناس الذين يرتادون المسرح ويحسون بالامان والراحة والاطمئنان والحمد لله والشكر، وهناك وجهات النظر حول هذا المسرح اما في نظري ان هذه الاعمال ليس فيها اي اسفاف،اما المطربون الذين يحضرون في المسرح فهم ضيوف،لان العوائل لا تستطيع الذهاب للنوادي ولا الى الملاهي ولا الى المطاعم.
وحين قلت لها ان هناك من الفنانين من يصف المسرح الذي تشارك فيه بالملهى، قالت: اهلا بالملهى، اذا يقدرون هؤلاء لاشتغلوا، لو جاءهم دور لاشتغلوا، وكل من قال لك هكذا وجاءه دور في هذه المسارح سيشتغل.
وقبل ان انتهي من الحديث معها قالت وقد طلبت مني ان اسجل قولها: سجل عني.. تقول انعام الربيعي (اللي ما يلوح العنب يقول حامض) وضحكت ساخرة، ثم قالت (اكتب هذه اللـ ههههههههه)!!.
اما المحطة الاخيرة فكانت عند صباح المندلاوي نقيب الفنانين الذي قال: كفنانين ملتزمين وكنقابة وكنقيب بصفة شخصية.. بصراحة نطمح فعلا الى ان يكرس المسرح الوطني ويخصص لكل الاعمال المسرحية الهادفة البناءة المهمة المعبرة والمرتبطة اوثق الارتباط بهموم ومعاناة وعذابات واوجاع الناس، وايضا بأساليب فنية جميلة لا تخلو من السحر والدهشة ومن الجماليات المتنوعة، هذا ما يهمنا، ولكن على ما يبدو ان هناك بحكم مؤسسات تمويل ذاتي هناك من يبرر (نحن من اين نأتي بالفلوس اذا ما نؤجر قاعة المسرح الوطني)، واننا نرفض يكون بهذا القدر من الاسفاف وبهذا الابتذال، نحن نتمنى ان يرتقي مسرحنا بالذائقة العراقية، ان يكون مسرحا ابداعيا، مسرحا اصيلا.
واضاف: نقابة الفنانين ترفض الاسفاف والبذاءة، وتصريحاتنا في كل وقت تؤكد وجهة نظرنا الرافضة لمثل هذا المسرح،ولسنا نمتلك صلاحية منع احد ولكن تبقى لكل فنان الفكرة التي في ذهنه وحسب سلوكه،نحن نوضح ونلمح وننبه الى الغلط، ومن غير الممكن ان يكون جميع الفنانين نسخة واحدة،ونحن كفنانين ملتزمين ومبدعين نتمنى ان نشاهد اعمالا تبهر المشاهد وتعكس مستوى فنيا متقدما، وفي الوقت نفسه لها علاقة بهموم الناس واوجاعهم، هذا الذي نطمح اليه، اما حين يكون المسرح اسفافا وارتجالا وبذاءة وركة فنحن اول الرافضين له.
التعليقات