عبد الجبار العتابي من بغداد: اكد الناقد الادبي المعروف ناظم السعود انه يشعر بالاحباط حين يجد النتاج الادبي العراقي يعتمد على الورق فيما العالم يعيش زمن الثقافة الرقمية حاليا، الثقافة اللا ورقية،مشيرا الى ان النقد الادبي العراقي اكثر من بائس لانه اصبح خادما لثقافات اخرى جغرافية بعيدة او قريبة موضحا ان هذا النقد لم يؤد واجبه الا في التعريف، ولم يخدم النصوص العراقية لانه لم يكشفها، موضحا ان النتاج العراقي الادبي خارج العراق افضل منه داخله لعدم وجود رقابة صارمة.

والسعود يعد من انشط النقاد الذين كانت لهم سجالات عديدة في الوسط الثقافي قبل ان يتعرض الى جلطتين،دماغية وقلبية، اواسط التسعينيات كاد ان يرحل عن الدنيا بسببهما لولا عناية الله، وهو ما جعل نشاطه يقل ويجعل (العكاز) رفيقه الدائم في حله وترحاله، لكنه عاود مرة اخرى وشغل الوسط بكتاباته اللاذعة.

* ما سر غياب مقالاتك النقدية المشاكسة التي كان لها حضور قوي في الوسط الثقافي؟
- الجغرافية في العراق تقتل التاريخ، الجغرافية في بلدنا تعني عدم الاستقرار وتعني غيابك عن الموضوع الاثير وتعني غياب العلاقات، فأنا انتقلت من مكان في بغداد بمنطقة الفضل الى مكان اخر بعيد جغرافيا تماما وهو قضاء طويريج في محافظة كربلاء، وهذا الانتقال سبب لي مشاكل نفسية كثيرة، فأنا جئت الى بغداد وعمري ثلاث سنوات وهجّرت منها عام 2006 وعمري نحو 52 سنة، بمعنى انني عشت في بغداد 50 عاما ولكن هذا لم يشفع لي ان اقيم اقامة دائمة لانني كنت سابقا اعد من المحافظات والذي يأتي من المحافظات الى بغداد يعد سبة لانه تجرأ ودخل العاصمة،كنت اقيم في بغداد وفي مركز الثقافة وكنت اقرأ واشاهد واتابع واشارك لذلك كنت اصطاد الاخطاء والسلبيات وما زلت كذلك ولكن بشكل (انترنتي) فقط، فأنا انتقلت من الفضاء الثقافي الى الفضاء الانترنت الذي اقرأ من خلاله واحاول ان اكتب مسايرا ومهاجما او رافضا، لديّ نشاط ولكنه نشاط محدود ليس كما كان نشاطي في بغداد.

* المكان البعيد الا يدفعك الى الابداع اكثر؟
- المكان قصي وريفي وانا كل صباح اخرج من البيت البسيط وأجد امامي مجموعة من الفلاحين يتنازعون على المياه وعلى السقي والزرع، فأسأل نفسي : ما الذي جاء بي الى هذا المكان؟، بعد 50 عاما مع الثقافة والصحافة، هم اناس طيبون نعم ولكنني لست منهم وليس هنالك خطاب بيني وبينهم، وهم اصلا لايعرفون ماذا اعمل، هذا المكان مثلما قال ذات مرة الشاعر عادل عبدالله انه يتمناه باعتباره باحثا وناقدا وشاعرا، فقلت له : نعم واتمنى ان يتم تبادل الامكنة بيننا، قال ان هذا المكان يحتاج الى ناقد الى مؤرخ الى كاتب ودارس، وانا اكتب نقدا للصحافة لذلك احتاج الى مواضيع صحفية لكي انقدها، احتاج الى حركة والى كتب واصدارات ومعارض ولكنني الان في مكان لايوفر لي ايا من هذه المفردات، فماذا اعمل سوى ان اعيد ما كتبته مع اضافات بسيطة في الاستهلال والعنوان، اذ ليس في المنطقة اي مناخ ثقافي، وهذا حد من نشاطي وجعلني اخباريا، وليس كما في مقالاتي السابقة المعروف بها.

* هل تتابع النتاج الثقافي العراقي بشكل مناسب؟
- نعم من خلال الانترنت، اتابع النتاج كون اغلبه يصدر من خارج العراق للاسف، وقد ظهرت دور نشر عربية بدأت تعتمد على كتابات العراقيين مثل دار ينابيع في سورية، وهناك الكثير من وكلائها في العراق فتطبع بأقل المبالغ،بمئتي دولار ونصف، واصبحنا نقرأ كتبنا وهي اتية من الخارج، اما كتابنا الحالية والتي هي في دار الشؤون الثقافية، فلا نعرف ظروف الدار التي لايمكنها ان تطبع ربع ما ينتجه الكتاب العراقيون، كما ان هذا المطبوع لا يصل الى المحافظات لعدم وجود دار توزيع، ولكنني اعيش على اصدقائي الكثيرين الذين يرسلون لي كتبهم سواء من داخل العراق او خارجه.

* كيف ترى مستوى هذا النتاج من خلال اطلاعك عليه؟
- نحن في ثورة رقمية، نحن نعيش الثقافة الرقمية حاليا، الثقافة اللا ورقية، لازال النتاج العراقي يعتمد على الورق وانا احبط لهذا، فالعالم وصل الى ان يشيد حكومات رقمية ومؤسسات رقمية ونحن نتمسك بثقافة ستزول حتما كما زالت اطوار الكتابة القديمة والحديثة ولكن المشكلة ان الكتابات الورقية العراقية تدور في فلك الذات، ليس هناك نقاش موضوعي وجريء وثوري للواقع العراقي، انا لا اجد أي جدل يخص المتغيرات والصدمات الكثيرة التي تعرض لها المجتمع العراقي بعد زلزال عام 2003، الكثير من الناس يعتبرون هذا الزلزال احتلالا وبعضهم يعتبرونه تحريرا ولكني اراه وجهين لخيبة واحدة للاسف الشديد، النتاج العراقي يحمل هموما ذاتية اكثر من الهموم المجتمعية، نعم.. هناك تنافذ كبير بين الذات وبين الطبيعة وبين المجتمع ولكنني لا اجد المباحث التي كنت آمل ان تفجر الواقع القديم وتأخذك كدراسة وبحث واستخلاصات لان الواقع الحديث لا يعطيك مجالا للجديد، ليس هنالك الا الخراب الكثير جدا في كل مفاصل الحياة، وهذه لا تشجع على الكتابة عنها، نحن الان امام ماض كئيب وحاضر اكثر كآبة لذلك تراجع الاديب الى ذاته يستقي منها موضوعاته وهذه لا تعطي فرصة لزمنية الكتابة او الخطاب، بمعنى ان الخطاب لابد ان يعكس العصر او الحال ولكن كتابتنا لا زمنية ولا يمكنك ان تأخذ منها تشابيه على ما كان موجودا في الواقع من ازمات وانقلابات، الكتابة الان ذاتية تفرض سطوتها على الكاتب العراقي بحكم الخيبة من ماض ومن حاضر.

* ما يتحمله الاديب من هذه المسؤولية برأيك؟
- انه ما عاد يخرج من ذاته للمصادمة، الاديب يجب ان يتصادم ويجب ان يقوم بالنفاذ الى جوهر الواقع والكتابة عنه بعيدا عن ما يطرحه من سلبيات، ولكن في الحقيقة لا نجد هذا لان الكاتب محصور، وهناك محاذير كتابية معروفة فيخشى من التأويل من قبل جهة كما كان الواقع ولكن من قبل جهات رقابية ودينية وسياسية، فالكاتب العراقي الذي في الخارج بدأ يكتب اكثر ممن في الداخل، وبالذات ما يأتينا منه عبر الانترنت، كتابة الانترنت اصبحت متاحة وبصراحة انها اكثر صدقا من كتابة الورق، اكثر وابعد غورا من الصحافة العراقية ومصداقية، والسر ان الكتابة هناك بلا رقابة، الكتابة في الانترنت عالم مفتوح ولذلك يستطيع الكاتب ان يعبر عما في داخله بشكل صحيح وصريح لان لا رقابة امامه لا في الحد المسموح به في الصحافة ولا في الخطاب ولا في الجرأة، الواقع الانترنتي اكثر واقعية من الواقع المعاش بصراحة، وانا من الكتاب في الانترنت وأجد نفسي الان فيه وأجد اصداء،لان الجريدة التي ربما يقرأها الف او الفان في الانترنت يقرأها الملايين.

* انت كناقد.. كيف تجد المستوى الفني لما يكتب الان في مجالات الادب كافة؟
- ان الكتابة الادبية والنقدية في السابق كانت اكثر صميمية من الان، لان الكاتب كان محاصرا تماما ولديه حرية محدودة فكان ينساب الى كتابته الذاتية ويعبر من خلالها الرموز والثيمات بشكل فني ابداعي، ولهذا تقرأ موفق محمد وطه حامد الشبيب والكثير من شعرائنا كانوا جريئين، الان انتفت الجرأة لان انفتاح الكتابة لكل من يريد ان يكتب، اصبحت الكتابة غير محدودة، ومتاحة للجميع، وتداخلت الخطابات والفرز معدوم،من يقوم بالفرز؟ الباحث اوالناقد..، ولكن الباحث والناقد في الاغلب خرجا خارج العراق واصبحا يكتبان في بلدان وفي ثقافات كثيرة واصبحنا هنا نشتكي من ندرة الباحثين والنقاد الذين يقومون بعملية الفرز التي توضح جودة الادب من عدمه، الكتب الان توضع على الرفوف لاتجد من يقرأها ويحتكم الى منطق نقدي وثقافي.

* كيف ترى واقع النقد الادبي في العراق الان؟
- اكثر من بائس لانه اصبح خادما لثقافات اخرى جغرافية بعيدة او قريبة، احد الادباء العراقيين في الخارج ذكر لي حادثة اليمة، يقول : اقيم في المغرب مهرجان للثقافة العربية للحديث عن ثقافات كل بلد، الامارات اخذت ثلاثة ادباء يتكلمون عن ثقافتها، هؤلاء الثلاثة هم عراقيون، أحدهم عن الشعر والاخر عن النقد والثالث عن الرواية، ثلاثتهم عراقيون لكنهم تخلوا عن ثقافتهم العراقية للتحدث عن الثقافة الاماراتية ومثلوا دولة تمثيلا رسميا، هذا الواقع يشير فعلا الى وجود هجرة للمثقفين والادباء المعروفين الى دول اخرى قريبة وبعيدة لخدمة ثقافات اخرى وبالتالي لا نجد الكتابة التي كنا نقرأها في السبعينيات او الثمانينيات، الكتابة العراقية الصميمية لادباء في الداخل، الان هذه الكتابة للادباء العراقيين في الخارج، انا اؤمن الان ان من حق ادباء الخارج ان يقيموا اتحاد خاصا بهم لانهم فعلا يشكلون ثقلا ادبيا خارج العراق، ومن الظلم ان نربطهم بأتحاد بسيط وكله سلبيات، وهو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، الكائن في ساحة الاندلس، انا اجد ان الكتابة العراقية ليست في الداخل، نعم هناك كتابات محترمة ولكنها لا تمثل تيارا، التيارات الان مقيمة خارج العراق من نقاد وباحثين وادباء نوعيين وهذا يعطينا مشكلا حقيقيا لتقييم هذه المرحلة، هل نحن امام ثقافة ادبية في الداخل ام انها ثقافة في الخارج.

* كيف ترى مناهج النقد الحالية المتبعة؟
- جاءت النقود الحديثة لكي تعطينا اشتغالا نقديا ما بعد الحداثة، والكثير من نقادنا الان يشتغلون بطريقة وكأنهم يكتبون بمناهج مستلفة، مأخوذة من الجهد النقدي خارج العراق، وهي مشكلة منذ القديم، كان النقاد العراقيون يستلفون المناهج النقدية الحديثة من الخارج، ترجمة او نقدا، ويطبقونها على نصوص عراقية وهذه مشكلة كبيرة نعاني منها، لان النقد العراقي لم يقم تيارا ولكن يجب ان نذكر حسين سرمك حسن وياسين النصير لهما مناهج نقدية محدودة وليست نظرية، النقد الحالي.. نقد مدرسي، نقد مستلف مأخوذ من مناهج غربية، واغلب النقد تنظيري وليس تطبيقيا حتى انه ما طبق على نصوص عراقية، انه أُخذ كنظريات، كمناهج نظرية فقط.

* هل ترى انه ادى واجبه؟
- أدى واجبه فقط في التعريف ولكن لم يخدم النصوص العراقية لانه لم يكشفها، فواجب النقود ان تكشف النصوص من الداخل، فليس لدينا مناهج نقدية تخدم الثقافة العراقية، فالمناهج وافدة وتقدم بأطار مدرسي تنظيري وهي في اغلب الاحيان درس جامعي ولا تطبق على النصوص، وهذه المشكلة موجودة منذ وقت طويل ولكن الان ظهرت حدتها، مثلا الناقد فاضل ثامر لايمكنه ان يكتب نقدا عراقيا، هو يكتب نقدا مستلفا وافدا وكذلك الامر بالنسبة للكثير من النقاد القائمين الان،اما انطباعي واما شكلي او ايدلوجي واما جمالي الذي هو ما بعد السيميائية، ولكن هناك نقاد عراقيون في الخارج مثل حاتم الصكر وصبري مسلم والدكتور علي يكتبون نقدا متحررا، ولكن قل لي : اية مجلة في العراق تستوعب النتاج النقدي والبحثي. الجواب : لا توجد، لا توجد غير مجلة الاقلام وهي مجلة فصلية ومحدودة المساحة وعليها اشكالات كثيرة من ناحية تمويلها وصدورها ولا تلم الا بأقل من 10 بالمئة من النتاج الادبي، وفي الصحف كثيرا ما تأتينا مقالات نضطر الى بترها او الاستغناء عنها او الاعتذار عن النشر لعدم وجود مساحة، فضلا عن عدم وجود مجلات خاصة بالنقد او في مجال الرأي كما هو الحال في سورية ولبنان ومصر، نحن نشكو من غياب فاضح للمجلات النقدية في العراق او لأقل للمطبوعات التي تستوعب النتاج النقدي، وهذه مشكلة من من مشاكل كثيرة تعانيها الثقافة العراقية،الضوء موجود ولكنه نقد قائم على جهود فردية، انا اثني على ادباء في الداخل بالذات على جهودهم الفردية.

*اية مشكللات اخرى تراها قائمة؟

- الهجرة قائمة ومستمرة الان، كما ان هناك امر اخر وهو ليست المشكلة في النشر بل في الوارد عن النشر، فما هي واردات النشر، فالكثير من الصحف لا تعطي للكاتب اية مكافأة عن المادة التي تنشر، لهذا يضطر الى الهجرة بنصوصه خارج العراق، ولكنني متفائل بالافراد، الثقافة العربية قامت على جهود فردية، احمد حسن الزيات اقام (الرسالة) سهيل ادريس اصدر (الاداب) وهكذا، هناك جهود فردية يجب ان تقوم لاحداث طفرة في الثقافة الورقية العراقية، انا آمل بالافراد اكثر من المؤسسات لانها مؤسسات ثقافية عاطلة كما قال لي خزعل الماجدي في حوار منشور.