أثار فضولي خبر أدبي جاء ضمن أخبار مجلة (إيلاف) الالكترونية ليس في زاوية الأدب والفن كما هو معتاد في المجلة، بل على الواجهة الرئيسية المحجوزة في العادة لصور السياسيين والاقتصاديين الفطاحل منهم والكتاكيت.. الخبر عن روائي أمريكي كتب رواية عن الرئيس (أوباما) بعنوان (O.. رواية رئاسية) وجعل اسمه (المؤلف) مجهولاً. بالطبع الحرف (O) هو الحرف الأول من (أوباما).. يُضاف إليه تأكيد الناشر؛ أن المقصود بالرواية هو (أوباما) دون غيره. لم تعنني الآن تفاصيل الرواية غير المنشورة بعد والتي يجري الترويج لها في أمريكا، بقدر ما أثارتني الطريقة المبتكرة في الترويج للكتب في أمريكا.. إذ عمدت دار النشر (سايمون آند شوستر) إلى إرسال رسائل الكترونية إلى عدد كبير من الكتاب والروائيين والصحافيين والمستشارين والسياسيين ومنظمي الحملات الانتخابية.. راجية وطالبة من الجميع عدم التعليق على أي سؤال يوجه لهم بخصوص (هل أنت كاتب الرواية ايها السيد أو السيدة..؟) والهدف كما هو واضح بقصد إثارة الفضول وبالتالي جعلها (الرواية) تدخل في كل بيت وصالون ومكتب وتتحول إلى الأكثر مبيعاً والأكثر ترجمة بين الكتب.. أتوقع أن تتُرجم للعربية. وربما المشروع اللاحق لهذه الدار أو للمؤلف المتفق مع الدار هو رواية أخرى (يفصح) بها المؤلف عن أاسمه والتفاصيل التي دفعته إلى إخفاء أسمه في الأولى.
إلى هنا والتقنية تخص أمريكا. رغم أن قصب السبق في هذه التقنية ليس أمريكياً بحتاً.. إذ سبق لصاحبنا المرحوم (صدام حسين) أيام كان يملك الجمل بما حمل أن يتدخل في كل شيء بما فيه الأدب، أنه كتب روايات عدة دمغها بـ(رواية لكاتبها...) كانت توزع مع الحصة التموينية، حولتها لاحقاً الأقلام الكوبونية (كوبونات النفط مقابل الغذاء) في العراق والأردن إلى مسرحيات وبلاوي كثيرة. ليس الجديد التقنية كما قلت.. الجديد أن تحدث في أمريكا. لماذا؟
لأن على حد علمي أن في أمريكا نسبة القراء إلى مجموع الشعب هي من الأعلى بين البلدان وقراءاتهم متنوعة لا تقتصر على نوع محدد.. لذلك لا تقل الطبعة الأولى لأي كتاب يُصدر هناك عن 100 ألف نسخة، تأخذ بالتصاعد حسب نجاح الخطة الترويجية المعدة من قبل دار النشر. والذي ينشر ثلاث كتب من المؤلفين يستطيع قضاء بقية حياته هانئاً مسترخياً بمستوى معاشي متوسط إن لم أقل عالياً، من التحويلات التي تستمر في الهطول على رقم حسابه من كل حدب وصوب من الطبعات الجديدة ومن الترجمات ومن حقوق التأليف وغيرها.. أما في بلادنا الناطقة باللغة العربية فأمرنا ما زال أمراً.. وعدم ذكر نسبة القراء عندنا يكون أحسن، مثلما يكون أحسن أن لا يعرف القراء أن الكاتب الفلاني الذي أدهشتهم وأمتعتهم رواياته وكتبه ما هو إلا إنسان حاله أفقر من حالهم بكثير و(مخلّصها بالدفعات.. وياها.. وياها).. ومعظم الكتاب عندنا لا يأكلوا ويشربوا من عائد كتبهم، إذ لا عائد بانتظارهم أصلاً، ناهيك عن آلام المغص وأوجاع الرأس التي تداهم المؤلف ما أن ينتهي من كتابه ويبحلق في واقع أمة (أقرأ)، حيث الأمية ضاربة أطنابها في كل الجهات والنسبة القليلة من القراء تحاصصتهم ثلاث بلاوي؛ الدين بأفلام الرعب التي يبثها في نفوس المؤمنين عن عذاب القبر وما بعد القبر وكأن المؤمن (يا سبحان الله) هو مجرم حتى يثبت براءته على يد أحد وكلاء الله... والطبخ بفنونه وشجونه التي حولت أجساد المتخمين من قبائل البترودولار إلى براميل معبئة بالغاز القطري.. وثالث الأثافي وأخطرها هي كتب الجن وما أدراك ما الجن منهم الأصفر والأحمر والأزرق ولكل لون اختصاصه التخريبي لنفوس المؤمنين.. أما عالم المجلات فهذا عالم قائم بذاته على كل ما من شأنه جعل المرأة مخلوقاُ لا يصلح إلا للمطبخ وصرعات المودة والتسوق على أن تكون محجبة وبصحبة محرم..!!
لكن رغم هذا اليأس المطبق (والحق يقال) ما زال هناك من يكتب ولسان حاله يردد (بالطبع لإقناع نفسه) أن ما أكتبه هو للمستقبل.. سيأتي اليوم الذي سيخرج به أحفاد وربما أحفاد أحفاد هؤلاء الطبخيين الدينيين الجنيين ويقرأون كتبي..!!
ولإبراز محنة هؤلاء المغردين خارج السرب الحالمين بمستقبل مجهول.. أطرح على الجميع رسالة وصلتني من إحدى دور النشر (المحترمة) وهي ترد على اقتراحي بطبع روايتي الجديدة وهي الثالثة لي (أنفال العنكبوت) عبر مؤسستهم.. وأطلب من الجميع مسامحتي فيما لو وجدوني أتدخل بين الفينة والأخرى في الرسالة، من باب مجبر أخاك لا بطلاً.. كذلك سأحذف اسم الدار واسم صاحبة الرسالة، والسبب أن الدور عندنا تتشابه لا فرق بين دار وأخرى. على كل سأضع تدخلاتي بين قويسات لتمييزها عن متن الرسالة. لكني أقسم أن الرسالة بلا أي تحريف أو تشويه هي كما وصلتني (أورجينيل) خالص وهي عندي بالحفظ والصون:
الاستاذ (فلان الفلاني) المحترم،
تحية طيبة وبعد
إننا إذ نعتذر منكم عن تأخرنا بالرد عليكم بخصوص نشر روايتكم quot;أنفال العنكبوتquot; (وهذا يُحسب للدار أنها ردت على كاتب بعد أسبوع من إرسال مخطوطته)، فإن ذلك عائد لحجم المخطوطات التي تقوم اللجنة بالاطلاع عليها، ونحن إذ نشكركم على اختياركم دار (....) لنشر عملكم، فإننا نفيدكم بأن اللجنة المناط بها الاطلاع على جميع المخطوطات قد وافقت على نشرها (وهذه لعمري أسرع لجنة في قراءة النصوص والرد عليها.. لأنهم قرأوا مخطوطة من 28 ملزمة قياس 15/23 واتخذوا القرار بخصوصها خلال بضعة أيام)... لكن... وآه من هذه الــــ(لـكن) الرهيبة... لو بس يشيلوها من اللغة العربية... ولكن ضمن الشروط التالية:
1 ـ نظراً للظروف التي يمر بها سوق الكتاب (وهذا حقيقي)، ولأن ميزانية الدار لا تتحمل طباعة الكتاب على نفقتها الخاصة (كذلك هم محقون)، على المؤلف أن يساهم بشراء 300 نسخة من الكتاب (يعني سيتحول المؤلف إلى منتج ومستهلك لبضاعته).
2ـ توقيع عقد بين الطرفين لتنظيم العلاقات فيما بيننا. وأما البنود الرئيسية لهذا العقد فإننا نوجزها بما يلي:
أ ـ طباعة 1000 نسخة من الكتاب.. (وهذا باعتقاد الدار يكفي لأمة لا تقرأ)
ب ـ يقوم المؤلف بشراء 300 نسخة وذلك من الطبعة الاولى فقط.. (لكن الجن الأصفر وحده يعرف عدد الطبعات التي ستطبع لاحقاً دون علم المؤلف).
ج ـ يتنازل المؤلف عن الكتاب لمدة خمس سنوات (التنازل هنا كامل عن المنقول وغير المنقول من حقوقه وإذا فكر عزرائيل بأخذه إلى جواره خلال هذه الخمس سنوات سيكون التنازل (شلع) إلى الأبد إلى الأبد يا...) ومقابل ذلك فإنه يحصل على نسبة 10% على الكمية الباقية (يا حرام..!!!)، وان عملية المحاسبة بين الفريقين تتم دائماً في نهاية شهر حزيران ونهاية كانون الأول من كل سنة (يعني على الإجازات السنوية.. أكيد حاسبين حساب أن المؤلف يحتاج أن يأخذ له صفنة في إحدى المنتجعات وهذه تحتاج مصاريف بالتأكيد).. حيث يتم تحويل قيمتها الى حساب المؤلف الذي يزودنا به.
د ـ يدفع المؤلف 500 دولار عند توقيعه العقد وذلك كدفعة أولى (يعني من باب الاحتياط الأكثر وجوباً).
ز ـ يسدد المؤلف المبلغ المتبقي من ثمن الـ 300 نسخة بعد اطلاعه على البروفة النهائية الكترونياً بصيغة PDF وقبل ارسال الكتاب الى المطبعة.
هـ ـ يصدر الكتاب بعد ستة أشهر من توقيع العقد (يعني موت يا حمار.. لأن العقد متعلق بالتسديد.. والتسديد متوقف على الفلوس.. والفلوس بجيب العروس.. والعروس خطفت بليلة عرسها).
3ـ يتحمل المؤلف كافة تكاليف الشحن والتخليص للكمية التي يشتريها (يعني هي بقت على هاي..؟)
هذه أهم البنود التي يحتويها العقد، (إلى الآن مبلوعة رغم آلام البلع وتوابعه من مغص جيبي ومعوي.. ويا ريت لو كانت هذه العبارة هي خاتمة الأحزان.. لكن المشكلة الآتي أعظم.. الآتي سيأتي في الملاحظة الختامية والتي تبدو وكأنها هامشية) ففي حال موافقتكم على عرضنا نباشر بتحضير الكتاب للطباعة ومن ثم نرسل لكم العقد بصيغة الكترونية للاطلاع عليه ونتابع الاجراءات اللازمة لاصدار الكتاب.
ملاحظة (وهنا تكمن العبرات): إن ثمن الـ 300 نسخة يبلغ حوالى 4800 دولار..!!! (على المؤلف أن يدفع فوق.... quot;استغفر الله كلمة غير مؤدبةquot; 4800 دولار كاش من لحم كتفه هذا إذا كان باقي عنده لحم، زائداً تكاليف البريد والتي لا تقل عن مائتي دولار في أحسن البرائد.. اعذروني من هذه اللخبطة أردتها جمع بريد وهذا ما ينجمع لو اجتمعت الأنس والجن..)
وفي الختام..
نحن بانتظار ردكم.. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
فلانة الفلانية
قسم النشر
يعني فوق كل هذا هم ينتظرون ردي.. وبصراحة وجدته أمراً جللاً أدخلني في الصفنة رغماً عني.. وفي صفنتي الطويلة.. تداولتني خيارات ومخارج ومزالق كان على رأسها أن أرمي مخطوطتتي في أقرب قمامة وأكسر كمبيوتري وألعن اليوم الأسود الذي تورطت به بالكتابة.. ثم مررت بخيار البحث عن مشروع حياتي جديد ولا أدري لماذا أول مشروع خطر ببالي هو أن اشتغل مقاولاً لدى حكومة الطوائف البغدادية، ربما بسبب المظاهرات الأخيرة وحيرة الحكومة التي كانت بإجازة امتدت ثمان سنين، وها هم مطالبون الآن بإعادة بناء البلد خلال مئة يوم، عليه سيكونوا على عجلة من أمرهم لا تسمح لهم بالبحث عن أصل وفصل وميول المقاول الجديد.. خصوصاً وأن شروط المتقدم للمقاولة يسيرة لا تتعدى سبحة مية وواحد ومحبس أو محبسين وفق إحدى الروايات ويفضَّل أن يكون جبينه معلَّم بزبيبة من أثر السجود وهذه كلها شروط ممكنة التحقيق..