مروة كريدية من دبي: يرى الكاتب سالم حميد ان ضعف الخطاب الثقافي في الامارات يعود الى تقصير المثقفين والكتاب بالتواصل مع المثقفين الأجانب، وان هناك فجوة وصورة نمطية مطبوعة في ذهنية دول الغرب والشرق حول طبيعة شعوب المنطقة داعيا المؤسسات الثقافية الاماراتية الى إعادة النظر في طرق تطوير الثقافة المحلية لتحقيق نتيجة أفضل مطالبًا المؤسسات الوطنية بدعم الكتّاب الاماراتيين لطرح كتب باللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات. وفي كتابه الصادر حديثًا الذي جاء بعنوان laquo;ردم هوة صناعة الثقافة في الإماراتraquo; يسرد التطور الثقافي في الإمارات منذ العصر الحجري وحتى العصر الحديث، وكيف اثر التداخل الاجتماعي والثقافي في توليد ثقافة متميزة في الدولة.
وصفت الخطاب الثقافي الإماراتي في ما يتعلق بالتوجه إلى دول الغرب بأنه quot;ضعيف quot; أين يكمن هذا الضعف وعلى عاتق من تقع هذه المسؤولية؟
الخطاب الثقافي الإماراتي والخطاب الثقافي العربي عموما ضعيف جدا فيما يتعلق بالتواصل مع الغرب، حيث أننا قلما نجد كتب أو دراسات تهدف إلى التواصل وشرح وجهة نظرنا تجاه قضايا ثقافية متنوعة، وأيضا تنقل للغرب جزء من ثقافتنا وتراثنا وتكسر الصور النمطية لدى شعوب العالم ومثقفيها حول الثقافة الإماراتية والتراث الإماراتي وآلية التطور، والغريب بالأمر أننا وعلى الرغم من كوننا بلد يضم جنسيات متعددة وأكاد أقول أن الإمارات يقطنها مواطنين من جميع بلدان العالم، ورغم ذلك نجد فجوة كبيرة في فهم الثقافة الإماراتية واستمرار الصورة النمطية المطبوعة في ذهنية دول الغرب والشرق حول طبيعة وتاريخ وحضارة شعب الأمارات، برأيي يكمن الضعف بالخطاب الثقافي في تقصير المثقفين والكتاب على التواصل مع المثقفين الأجانب، وأيضا مواطني تلك الدول التي لا تفهم طبيعة وثقافة بلدنا، فمعظم الكتب التي تتناول التطور الثقافي الإماراتي هي بالعربية أما الكتب الموجهة للقارئ الأجنبي بالإنكليزية على سبيل المثال فهي قليلة جدا، طبعا هذا التقصير لا يقع على عاتق المثقفين فقط بل أيضا على عاتق المؤسسات الثقافية الإماراتية التي ركزت على جوانب وأغفلت أخرى، فتعزيز إصدار دراسات وكتب باللغة الإنكليزية تتناول الثقافة في الإمارات بتمايزها وتطورها وتفردها، وأيضا تعزيز الحوار بين مثقفينا ومثقفي دول الغرب والشرق كل هذا يسهم في تقارب الحضارات وردم الفجوة بين ثقافتنا وثقافة دول العالم.
bull;ميزانيات المؤسسات الثقافية في الإمارات الخاصة منها والعامة كبيرة وضخمة فلماذا لا يكون هناك استراتيجية لتوحيد الجهود فيما يتعلق بترجمة التراث ونقله إلى اللغات الأخرى ؟ في وقت تتبنى فيه هذه المؤسسات ترجمة الإصدارات العالمية إلى العربية؟
حقيقة لا يمكن أن نغفل دور الترجمة في تطور الثقافة المحلية في الإمارات وغيرها من دول الخليج والدول العربية، فالاهتمام بتعريف الجيل الجديد في دولنا بالثقافات العالمية الغنية والتي طورت الحضارة البشرية أمر مهم جدا، ونقل أمهات الكتب الثقافية وترجمتها كما نقل أخر الإصدارات الثقافية إلى اللغة العربية و إثراء مكتبتنا بهذه الكتب ضروري وامرلا يستهان به
لكن هنا لي مأخذ على طريقة اختيار الكتب المراد ترجمتها فهذا الاختيار لا يجب أن يكون عشوائي وقائم على أهواء بعض الأشخاص، إنما يجب أن يكون ضمن استراتيجية ودراسة وافية في هذا الشأن، فمؤسساتنا الوطنية يجب أن تعيد النظر في طرق تطوير الثقافة المحلية لتحقيق نتيجة أفضل، أما بالنسبة إلى الترجمة العكسية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى وخاصة بالنسبة للكتب التي تعنى بالثقافة والتراث في الإمارات، وأيضا دعم الكتاب لطرح كتب باللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات، هو أمر ينطوي على قصور في فهم دور التواصل الثقافي في التقارب بين البشر، وأيضا التعريف بنا كمثقفين وكتاب إماراتيين، وردم فجوة كبيرة بيننا وبين الغرب وهنا وجدت أن اعمل بشكل منفرد على هذا الجانب، لذلك قمت بإصدار دراسة تعد الأولى من نوعها التي تتحدث عن الثقافة في الإمارات باللغة الإنكليزية، لأني لاحظت انه لم تصدر أي مطبوعات تعرف بالقيم الاجتماعية للثقافة الإماراتية المحلية، وجميع الفصول تطرح مواضيع تهم المواطن والمقيم على حد سواء وطرحت الدراسة بأسلوب بسيط ومختصر حيث إن الدراسة الأصلية اكبر بكثير لكنني لخصتها لتقدم الخلاصة إلى القارئ.
bull;تُعدّ من المدافعين عن quot;الثقافة الإماراتية quot;. وعلى الرغم من خصوصيتها التي نحترمها إلا أن كثيرًا من النقاد يرون أن الكلام عن quot;ثقافة اماراتية quot; بحتة غير ممكن كونها جزء من الثقافة الخليجية العامة التي تشترك بها كل دول الخليج - فما هي الخصوصية الثقافية التي نجدها في quot;الإماراتquot; دون دول الجوار الأخرى؟
لكل دولة أو حتى تجمع بشري كبير أو صغير ثقافته الخاصة، حتى أننا نجد أن هناك فارق في التراث والثقافة بين منطقة وأخرى في أي دولة، أما الكلام عن ثقافة خليجية موحدة وعدم وجود ثقافة إماراتية فهو أمر في لغط، نعم نحن في دول الخليج نتفق في كثير من الملامح الثقافية التي تجمعنا كأبناء منطقة واحدة وهي شبه الجزيرة العربية، لكن لكل بلد هناك صبغة ثقافية تميزه عن البلد المجاور، فعلى سبيل المثال الموسيقى الإماراتية لها طابع خاص يميزها عن غيرها، كما أن الرقصات الشعبية في الإمارات لها طابعها الخاص، وأيضا الشعر الإماراتي يختلف عن الشعر في مناطق أخرى، ربما في نظرة سطحية للأمور نجد تشابه لكن هناك تمايز كبير في مناحي ثقافية متعددة، وأيضا إذا تكلمنا عن التطور الثقافي في دولة الإمارات فهي تجربة متفردة في المنطقة ولا نستطيع أن نتجاهل هذا وهي تختلف عن تجارب ثقافية في دول خليجية أخرى، وهنا يبرز دور المثقف في طرح دراسات تشرح هذا التمايز الثقافي بين دول الخليج التي هي في النهاية تغني المتوج الثقافي في منطقتنا ككل.
bull;بالعودة إلى كتابك الاخير نجد انك دمجت العناصر التاريخية بالسياسة والجغرافيا والديمغرافيا لبلورة أثرها في المجتمع والحركة الثقافية. كيف انعكس ذلك تحديدا على البعد quot; الشعريquot; من وجهة نظرك ؟
في كتابي الذي صدر مؤخرا سردت التطور الثقافي في الإمارات منذ العصر الحجري حتى العصر الحديث، وكيف اثر التداخل الاجتماعي والثقافي في توليد ثقافة متميزة في دولة الإمارات، فالتراث الإماراتي جزء لا ينفصل من تكوين الشخصية الثقافية في دولة الإمارات ككل، ولكي نتعرف بالثقافة الإماراتية وتميزها يجب أن نفصل تطور البيئات في الإمارات، وآثرها في الفرد الإماراتي وانعكاسها من خلال السمات الثقافية التي تطبع الإنسان في الإمارات، فالأغاني والشعر والرقصات المتنوعة تعكس بوضوح طبيعة حياة الإماراتي وتطلعاته وتطور شخصيته عبر التاريخ، وانعكاس كل ذلك على البعد الشعري هو أمر جلي، فالشعر هو منتج ثقافي مميز في بيئتنا الخليجية وهو مرتبط بشكل كبير بشخصيتنا، فنظم الشعر وإلقاءه موهبة نتوارثها ونفتخر بها، والشعر هو طريقة لنعبر من خلالها عن أنفسنا وعن مجتمعنا، والتطور والحداثة التي شهدناها تنعكس جليا في مفرداتنا الشعرية وأيضا في المضمون الشعري، وعلى سبيل المثال أصبحنا نجد شعراء يتناولون الحداثة وإثرها على المجتمع في شعرهم، فالشعر مرآه تعكس واقعنا المجتمعي وتنقل تاريخنا وتطلعاتنا، وهو أي الشعر يحمل في طياته أرشيف مهم للتطور الثقافي منذ مئات السنين، ولا يمكن الحديث عن تطور ثقافي دون الحديث عن انعكاس ذلك في البعد الشعري.
bull;تناولت الحديث عن الصناعة السينمائية في الإمارات. الا تعتقد ان الحديث عن سينما quot;اماراتيةquot; لا زال مبكرا مقارنة بحجم quot; التراث الشفويquot; وquot; الشعر النبطي quot; الغزير في الامارات ؟ أليس الكلام عن الصناعة السينمائية مبالغ فيه ؟
السينما في الامارات مثل أي منتج ثقافي أخر سواء متجذر في التراث الإماراتي أو حديث نسبيا، الكل يخضع للتطور، وهذا التطور سينتج حتما ثقافة جديدة تندمج مع غيرها من الثقافات، والسينما بشكل عام هي نوع ثقافي حديث نسبيا ليس في الامارات لا بل في العالم أيضا، فلا يمكن مقارنة عمر السينما بعمر المسرح، وقد خضعت السينما لتطور كبير وتحولت إلى صناعة ضخمة، بالنسبة إلى الامارات فنحن ندرك إننا في عصر تحظى فيه الصورة بأهمية كبيرة، quot;يقال ان الصورة بألف كلمةquot; ونحن كمثقفين ندرك ذلك وندرك دور الصورة في نقل الثقافة، لا بل هي بحد ذاتها منتج ثقافي وافي، السينما فن يحظى بتقدير عالمي ونحن في الامارات نواكب ذلك قدر المستطاع، لذلك نعمل سواء على مستوى فردي أو مستوى مؤسسات في إثراء العمل السينمائي في الامارات، ربما لا نزال في البدايات لكن ذلك قدر كل عمل وفي كل مشروع هناك بداية وهناك أفق رحب ومجال مفتوح، الشباب السينمائيون يعملون ويقدمون تجارب بعضها ارتقى إلى أعمال سينمائية احترافي، طبعا صناعة السينما تحتاج إلى شروط والى دعم كبير وهي صناعة متكاملة، ولا اظن ان أي دولة خليجية لديها صناعة سينمائية بمعنى الكلمة، هي تجارب متنوعة تسعى إلى الارتقاء بفن السينما الذي اقلع بخطى واثقة في الامارات، بالتأكيد نحتاج إلى دعم مؤسساتي لهؤلاء الشباب، وهنا لي مأخذ على المهرجانات السينمائية التي أصبحت مجرد مظاهر بهرجة مكلفة لا تقدم الكثير، وربما لو وضعنا الامكانات المادية المستنزفة في بعض المهرجانات على إنتاج أفلام سينمائية لاستطعنا الحديث عن صناعة سينمائية حقيقية.
*****
http://marwakreidieh.unblog.fr/
التعليقات