عبدالجبار العتابي من بغداد: في باكورة عروضها للموسم المسرحي الجديد، قدمت الفرقة القومية للتمثيل وبالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي مساء يومي الأربعاء والخميس وعلى قاعة المسرح الوطني ببغداد، مسرحية (جنون الحمائم)، اخراج الفنانة الدكتورة عواطف نعيم واعدادها عن مسرحية (سوء تفاهم) للكاتب الفرنسي المعروف البير كامو، كما شاركت عواطف في التمثيل الى جانب فاطمة الربيعي وعزيز خيون وكاظم القريشي في اول اعتلاء له لخشبة المسرح الوطني، اما التصميم السينوغرافي فكان الفنان علي السوداني والازياء والمكياج لعماد غفوري والادارة المسرحية لنهلة داخل، بحضور جمهور كبير، وشهد العرض في نهايته تكريم الفنانة الكبيرة فاطمة الربيعي لمسيرتها الفنية الحافلة، كرمت من قبل الفرقة ومن قبل نقابة الفنانين العراقيين، وقالت فاطمة عن هذا التكريم: انا سعيدة جدا ان اكون في افتتاح موسم الفرقة القومية للتمثيل لعام 2011 وسعيدة بهذا العمل وبالمجموعة وسعييدة ان اكون على خشبة المسرح الذي احبه وكل طموحي ان اقدم شخصية عن المرأة العراقية المجاهدة والصابرة والوفية والمتفردة في عطائها، انا اقول انني كفاطمة الربيعي ما انصفت المرأة العراقية على الرغم من كل الذي قدمته ولم اعط الشيء الذي يليق بها، وان شاء الله يمد الله في عمري وان اقدم بما يليق بصبر المرأة العراقية وتفردها وعطائها وجراحها.
وقدم الفنان عزيز خيون لحظات التكريم للفنانة بالقول: السنوات التي امضتها الفنانة في الفن ازهرت قداحا وفلا، كل قطرة عرق من جبين فاطمة الربيعي اشارة لعلو الجبين، امرأة عملت في كل الظروف،اشتغلت جاهدت وناضلت، من خلالها نكرم المرأة العراقية الشجاعة في هذا الزمن، نكرم فنانة الشعب فاطمة الربيعي، هذه الزهور لحركتها المثمرة لسنواتها المجاهدة لدأبها لاصرارها ولعنادها، تكريم فاطمة الربيعي تكريم للمرأة العراقية، التكريم ايضا من نقابة الفنانين.
المسرحية تتحدث عن عائلة عراقية تتألف من الام (فاطمة الربيعي) والاخ (عزيز خيون) والاخت (عواطف نعيم) التي تتعرض للاغتصاب وتعيش في حالة نفسية سيئة، هذه العائلة تسكن في مكان بمثابة (الخان او النزل) في مكان نائي وسط طريق يؤدي الى مدن اخرى، لذلك هذه العائلة تعيش على قتل الذين ينزلون عندهم بطريقة السم الذي يدسونه في الشاي، وهكذا الى ان يأتي شاب (كاظم القريشي) يحمل بيده آلة العود، يعلن انه تغرب عن اهله طوال 20 عاما وها هو عائد اليه دون ان يخبرهم انه قادم اليهم، تسأله البنت اذا ما كان يرغي في شرب الشاي فيوافق، ومع لحظات غياب البنت واخيها يتحدث مع الام التي تخبره انها فقدت عزيزا عليها فلم تعرف السعادة منذ يوم غيابه، واذ يحاول ان يغني لها.. تتي البنت وهي تحمل كأس الشاي،فيبدأ يرتشف الشاي فيما هو يتحدث عن الاغنية التي سيغنيها والتي هي اغنية امه التي كانت تهدهده بها لينام، وفيما كان يتلوى من وجع ظاهر كان يردد كلمات الاغنية التي سرعان ما ما تكملها الام فتعرف ان هذا الشاب هو ابنها المفقود، ولكنه يسقط ميتا، وهنا يجن جنونها وتلعن القلب الذي لم يعرف ابنها والعين والروح، وهذه هي ثيمة العمل الذي يشير الى ان الام لم تعرف ابنها باحساسها الطبيعي بل من خلال شيء مادي، في اشارة الى ان الحروب تحجر مشاعر الانسان وتجعله يفقد الاحساس بأقرب الناس اليه، ويمكن الاشارة الى ان العرض ترك وراءه تساؤلات عديدة عن الفكرة والمغزى.
المخرجة عواطف نعيم قالت عن العرض: على الرغم مما في المسرحية من جماليات وبوح وحزن وتراجيديا عميقة ونبيلة الا انها استطاعت كما اعتقد ان تمس جراح العراقيين وتوصل اليهم فكرة هي: احفظوا العراق واحفظوا بعضكم البعض واحبوا بعضكم لانكم ابناء حضارة وقادرون بالتأكيد على ان تصنعوا مصيركم الذي تشتهون وليس كما يشاء لكم الاخرون.
كما استطلعنا بعض الاراء في العمل:
فقال الفنان عدنان شلاش: كنا نأمل لهذا الموسم من خلال عرض مسرحية (جنون الحمائم) ان نفرح، ان نقدم مسرحا اصيلا بهذه القامات الرائعة وبهذا التواجد الجيد من الجمهور، بهذا العطاء وهذا الفكر النير، نأمل مسرحا عراقيا اصيلا ونتطلع الى موسم مسرحي حافل بالانجازات الكبيرة والجديدة والجميلة، هذا العمل يمثل المرحلة، يشير الى مهانة الانسان العراقي الاصيل الذي وقع بين فكي حروب كثيرة ونيران، العمل رسالة جميلة تعلن عن انسانية الانسان الحق، ويجب ان يكون العراقي في المقدمة.

اما المخرج طه المشهداني فقال: لماذا نولد ما دمنا سنموت ؟ لماذا الحياة بسيطة الى هذا الحد ؟ العمل اثار الكثير من التساؤلات، لماذا اقتلك وانت دمي، ولماذا اقتلك وانت لست من دمي، على الرغم من اننا نتنفس هواء واحدا ونعيش تحت خيمة رب واحد، ونعيش على ارض واحدة، لماذا ولماذا ولماذا.. هكذا اراد العرض المسرحي ان يكون في زمن معين، والسؤال لي ولكل الناس.
واضاف: مباركة جهودهم، الشخصيات كانت موفقة في ادائها ولكن لمسنا المدّ في اللهجة الدارجة، المد وتكرار الكلمة لم يصبا في صالح العرض، الكثير من المشاهدين انتقدوا هذا التكرار للكلمات مثل (أُم، ام، ام..) نحن نعرف ما هي الام، وغيرها من الكلمات على لسان الدكتورة عواطف، اما من وجهة نظري كعرض مسرحي، كتقنية مسرح اعتقد ان الجهود مباركة، وان الرؤية التي قدمتها الدكتورة عواطف مميزة، لاننا نعرف (البير كامو) ونعرف (سوء تفاهم) عنه، وكان فعلا هناك سوء تفاهم وعواطف نعيم كتبت سوء تفاهم من جديد على لسان بيركامو عراقي يعيش الواقع، الموت والحياة في الشارع العراقي، ولكنني اتوقف عند نقطة مهمة وهي: انا لا اعتقد وجود أم تقتل ابنها، او أم لا تعرف ابنها، هذا مستحيل، انا استبعد ذلك تماما وان تحصل، فلن تكون في الشرق الاوسط او عند العرب او في العراق نفسه، وبصراحة اعجبني شغل السينوغرافيا بشكل غير طبيعي، علي السوداني كان موفقا بالاضاءة بشكل رائع جملة وتفصيلا.
فيما قال المخرج عماد محمد: عمل عراقي تناول واقع العراق بشكل جميل وعالج النص العالمي، أي ان المخرجة عملت له اسقاطات، ولكن يبقى كل شخص وموقفه من المعالجة، من الفكرة ومن الذي حدث، المخرجة حاولت ان تؤسس لهذا النص من خلال المحلية العراقية وحقيقة نحن احسسناه نصا عراقيا، بدون نص البير كامو واحسسنا ان كل الاشياء التي جرت عراقية من الحوارات الى الفكرة، انا احسست ان العرض عراقي مئة بالمئة بعيدا عن النص الاصلي للبير كامو، والحسنة التي تحسب له انه طرح الواقع العراقي بجرأة واضحة جدا، حتى وان اختلف البعض مع الفكرة ولكن هذا هو الواقع العراقي ولا نستطيع ان نجامل او نغير الحقائق.
واضاف: كان اداء الممثلين جميلا، ولا اخفي اعجابي بأداء الاستاذ عزيز خيون الذي كان اداء متمكنا وجديدا تماما استطاع ان يتخلص من ادوات الممثل التقليدية وخاصة في الاداء الجسدي من حيث المرونة والتلوين الصوتي الذي كان لديه ممتازا، بالاضافة الى حضور اللافت الذي خلق جوا حقيقيا للعرض، كنت اتمنى.. لشخصية البنت ان تؤديها ممثلة اصغر عمرا من الدكتور عواطف، كون الشخصية مرسومة الى بنت صغيرة او شابة، اما الفنانة الكبيرة فاطمة الربيعي فكان اداؤها جميلا جدا، كانت مؤثرة واستطاعت ان توصل حالتين متناقضتين داخل الشخصية الواحدة بشكل صحيح تماما، شخصية الام الحقيقية والام المتحجرة بعد ان حولتها الحرب الى آلة من الات الحرب، فهذه التركيبة في الاداء التمثيلي صعبة عن الممثل، لكن السيدة فاطمة استطاعت ان تخرج من هذا، اما الفنان كاظم القريشي، فأنا لاول مرة اشاهده على المسرح على الرغم من المساحة الصغيرة المعطاة للشخصية لكنه كان ضمن المزاج العام للعرض ولم يكن هنالك أي نشاز في الاداء، وأود ان اشير الى ان السينوغرافيا فهناك اشتغالات للاضاءة وفيها لمسة جمالية وفكرية، وهو ما يجعلني اهنيء مصمم الاضاءة كونها علما مدروسا فنيا وجماليا.