حميد مشهداني من برشلونة: هذا الفيلم يعتبر واحدا من جواهر شركة rdquo;وارنرrdquo; للانتاج السينمائي، وتحفة لمحبي المسرح ولمحبي الافلام المقتبسة من نصوص مسرحية، وهنا نحن أمام عمل فريد في هذا المجال رغم العديد من السوابق، مثل ldquo;عربة اسمها الرغبةrdquo; وldquo;قطة على سطح الصفيح الساخنrdquo; ثم ldquo;فجأة في الصيف الماضيrdquo; واعمال أحرى لا تحضرني الان، كلها جميلة، اخذت طريقها الى الخلود بسبب صناعة السينما .
هذا الفيلم كان الاول للمخرج المسرحي ldquo;مايك نيكولسrdquo; 1931 الذي اخرج فيما بعد افلام مهمة، ولكن باعتفادي هذا كان من افضل ما قام به اذا اخذنا بنظر الاعتبار تجربته الاولى في الاخراج السينمائي، ومع المنتج وكاتب السيناريو ldquo;أيرنيست ليهامrdquo; 1915- 2005 تمكنا من صناعة فيلما صار علامة مهمة في تأريخ السينما لاسباب سأعود اليها لاحقا .
المحير، هو عنوان الفيلم حيث لا علاقة له مع الكاتبة البريطانية الشهيرة ldquo;فيرجينيا وولفrdquo; 1882-1941 اذا استثينا اختيارها الشخصي في التدمير الذاتي في اواخر حياتها، وهذا يبدو في الفيلم حيث البطلان يعاودان غناء اللحن ldquo;من يخاف فيرجينيا وولف؟rdquo; وهذا مستوحى من قصة الاطفال المعروفة التي خلدها ldquo;والت ديزنيrdquo; في فيلمه الكارتونيrdquo;الخنازير الثلاثة والذئب ldquo; حيث الاغنية وبنفس اللحن تقول ldquo;من يخاف الذئب الكبير والشرير؟ من يخافه...rdquo; وهذا يحدث كلما وصل الحوار الى طريق مسدود او إلى طرش.
تبدأ القصة بعودة الزوجين دارهما بعد حفلة يوم سبت عادية في منزل عميد الجامعة، أب الزوجة ldquo;ليز تايلورrdquo; 1932-20011 حيث تقوم بدور ldquo;مارثاrdquo; وهي زوجة ldquo;جورجrdquo; الذي يؤدي دوره الممثل العظيم ldquo;ريتشارد بورتنrdquo;1925 -1984، وهما شبه سكارى يبدأ حوار التدمير الذاتي، و يبدأ النقاش الاصم بينهما، ولانسمع غير شتم وسب، و الفاظ بذيئة لتعلن الزوجة زيارة استاذ ldquo;البايولجيrdquo; الشاب مع زوجته الشابة ايضا، لتزيد طينهما بلة، فهؤلاء يصبحون ركيزة الحوار المدمر، والقاسي تحت تأثير الكحول، الذي كان يشرب بسرعة مذهلة، والاربعة خلال الشرب المستمر لكل أنواع الكحول يتحررون من شروط الضيافة، والاحترام، وترفع الكلفة الى أسوأ درجاتها ليتوحد الحادث، أقصد الحادث الزوجي، والاجتماعي، فنحن الان أمام نخبة من المجتمع الاميركي الذي عاد معقدا بعد استراحة ورفاه ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأيضا أمام ldquo;أساتذةrdquo; المجتمع المتغير بسرعة، وهنا يضع مؤلف المسرحية ldquo;ادوارد البيrdquo; 1928 أصبعه على الجرح المفتوح في ذالك المجتمع .
ربما هذا واحد من الافلام القليلة التي تدور احداثه وقصته خلال اقل من 3 ساعات، فالقصة تبدأ الساعة الثانية بعد منتصف الليل، و تنتهي عند فجر تلك الليلة، في تسلسل كثيف من الحوار والاحداث، والتصوير. فالمسرحية التي تحمل نفس العنوان، والمكونة من ثلاثة فصول تشمل نفس هذا التكثيف الحواري، المعقد، والغامض في الكثير من الاحيان أثناء تبنيه سينمائيا، ففي هذا الفيلم تفتح ldquo;هوليوودrdquo; مسارا جديدا تجاه الرقابة الادارية التي فرضت عليها من قبل الحكومة الاميركية التي سمت أحد كبار موضفيها ldquo;رقيباrdquo; مقيما في مدينة صناعة السينما منذ الاربعينات، بالاضافة الى تعهد شركات السينما الكبرى بنوع من الرقابة الذاتية، خصوصا فيما يتعلق بالمشاهد الخليعة، والجمل البذيئة التي تمس التقاليد الاميركية المحافظة، والدين، ربما أحدهم لا يصدق ان هناك كانت رقابة، نعم كانت الرقابة موجودة وحتى صارمة في الكثير من الاحيان، وكان مقص الرقيب يشتغل باستمرار منذ أفلام ldquo;طرزانrdquo; القديمة جدا، والى افلام ldquo;اورسون ويلزrdquo; الى ldquo;ستانلي كوبريكrdquo; وحتى افلام ldquo;بيلي وايلدرrdquo; المرح الطيب كانت عرضة لهذه الرقابة. فأنا الان ارى أفلاما كنت قد شاهدتها قبل سنوات عديدة، والان، وشكرا للتقنيات الحديثة والمتطورة أرى المشاهد التي حذفتها الرقابة ذالك الحين، ولكن هذا ايضا مشكلة للمشاهد الاسباني ففي هذا البلد تسعين في المئة من الافلام هي مدبلجة، و معظم المدبلجين المتخصصين في بعض الممثلين ماتوا، وهذا يلاحظ في الصوت حين اضافة المشاهد الاصلية، لهذا حديث أخر.
أعود الان الى الفيلم الذي كسر هذه الحواجز الرقابية rdquo;التابوrdquo; الذي هو في الواقع ليس بقصة، وإنما ldquo;حدثrdquo; يدور خلال بضعة ساعات في ليلة سكر، ومجن، وعري روحي صعب الاستياغ، فالشريط يصير كما حبل غسيل حيث تنشر الملابس الوسخة، لعلاقة زوجية محددة ليضعنا امام ldquo;دراماتيةrdquo; قاسية، وعارية بقبحها، وتسقط على روؤسنا كحجر ثقيل، فالصراع الداخلي المتواصل، والحوار الغامض، المباشر وغير المباشر لا يمنح فرصة للمشاهد في هضمه اثناء الحدث السريع، لذالك أنصح مشاهدته أكثر من مرة، لان فيه الكثير من التشابك، والخلط في صعود وهبوط، بجانب عنفه الكلامي الذي لا يخلو من القسوة، كذالك رقة الحب والعواطف تدع المشاهد وكانه في متاهة في بعض الاحيان، وهنا تكمن قدرة المخرج الكبيرة في اللعب على انفعالات المشاهد عبر تقديم شكلي جميل، ولقطات رائعة، و ايماء الى عنف جسدي لا نراه، ولكننا نحسه ونلمسه في تواز غريب، ويطفح الخلط النفسي وغليانه في قلوب ابطال الفيلم، فهما في صراعهما المدمر يجران الزوجين الشابين الى حلبتهما ليصيرا طرفا في هذا النزاع اللامعقول، الذي في كل الاحوال كانوا في غنى عنه، و لكنهما وبدون وعي يكتشفا انهما طرفا في هذا الخصام ليصبحوا في بعض الاحيان مركزا للصراع بين الزوجين، فالانفعال، والتعاطف من جانب، والقسوة، واللاحب من جانب أخر، هو في تغير مستمر، وفي لحظة سريعة تتغير الامزجة من الكره الى الحب، ومن التعاطف والشفقة الى الجفاء.
ولكن الفيلم، هو أكثر من سيناريو حول البؤس والالتباس النفسي، فمن قيمه كونه شريطا ناضجا بدون نقاش، ولايرحم المشاهد بحواره القاسي، والثرثاري اللامع، ودونية المفردات والكلمات السوقية والرديئة التي تفيض في افواه ldquo;الاستاذين؟rdquo; ونسائهما، ثم المباشرة المرة في الاعتداء الشفهي القاسي والجارح، بين زوجين محترمين، في مجتمع برجوازي محترم، فبين اداء ldquo;ليزrdquo; وبرتنrdquo; الرائع نرى التمثيل الكامل تقريبا ل ldquo;rdquo;ساندي دينيسrdquo; 1937-1992 التي حصلت الاوسكار على دورها الثانوي هذا كزوجة ldquo;جورج سيغالrdquo; 1934، نحن امام اربعة ممثلين، في أداء يقارب الكمال كما ذكرت، في محاولة عكس واقعية ومرارة العمل المسرحي بجانب سحر العمل

مشاحنة كلامية من أجل حرب شاملة

السينمائي، اما التصوير واختياره المتعمد بالاسود والابيض الذي قام به ldquo;هاسكيل ويركيرrdquo; 1922 يزيد من سوداوية الحدث و شؤمه.
الممثلون الاربعة يجتهدون بامتياز لعكس مزيج من الانفعالات المتناقضة، والتي لم نعتد على رؤيتها الا في عدد قليل من الافلام حتى ذالك الحين، ويرسمون بدقة كبيرة مشاعر الحنق والحزن، والالم، والمرارة والكره والاحباط، سواءا كان ذالك في الحوار او في الصمت، فهو كتلة من كل هذه الانفعالات يشك اكثر من مشاهد في احتمالها، لانه يجد نفسه متورطا في الحدث اللامعقول حينما يفكر قليلا، فنحن جزء من كل هذه المشاعر الانسانية، المليئة بالوهم والخلط، فالابن المفترض الذي يتحدثون عنه طوال الفيلم يموت افتراضيا بعد استلام برقية وهمية، فتتفكك عقدهم المتراكمة عبر حياة زوجية طويلة، وهنا يكتشف الزوجان الشابان ان وضعهما لا يحسد عليه برداءته، ومن خلال تسلسل التداعيات يكتشفا ان زواجهما ليس أكثر من خطة شريرة نفذها والد الزوجة ldquo;هونيrdquo; رجل الدين المحتال، وسارق أموال الكنيسة، وفي نفس الوقت، يفككون شخصية والد ldquo;مارثاrdquo; عميد الجامعة ليكتشفا انتهازيته الاجتماعية، كل هذا يصوغه المؤلف المسرحي ldquo;أدوارد البيrdquo; الذي كان متأثرا جدا بالمسرح الاوربي، من ldquo;جان جينيهrdquo; الى مسرح ldquo;اللامعقولrdquo; لـldquo;بيكيتrdquo;، ومعروف عنه ادخاله هذا الاسلوب المسرحي في اميركا، ولكن المشاهد يجرب ارتياحا غريب في نهاية الفيلم، رغم الحيرة في تفسير نهايته، حيث يعود الزوجان ليقترب واحدهما من الآخر، مع اقتراب الفجر، ورحيل الزوجين الشابين في اقتراب حميمي ايضا.
في هذا الشريط الذي صنع في 1966 من قبل كادر محدود، ومختصر في الزمان والمكان، كان الحوار المسرحي أساسه الرئيسي، يبدعه بعبقرية فائقة، وتبن رائع كاتب السيناريو ldquo;أرنيست ليهامrdquo; ولاننسى الموسيقى التصويرية التي كتبها ايضا باختصار ldquo;اليكس نورثrdquo; 1910- 1991 في تأليف أصيل معتمدا وتات ldquo;الكيتار بلمسات غاية في الرومانتيكية استحق عليها ترشيح جائزة الاوسكار، وهذا كان من موسيقيي هوليوود المرموقين، و كان قد ساهم في تأليف موسيقى العديد من الافلام المهمة، خصوصا مشاركاته مع ldquo;ايليا كازانrdquo; في أفلام مثل ldquo;عربة أسمها الرغبةrdquo; وldquo;يحيا زاباتاrdquo;، أما التصوير الذي قام بهrdquo;هاسكيلrdquo; كان مثيرا في لقطات ليلية حادة التضاد في الضوء، ومتحيزة الى النص ليزيد من ldquo;دراماتيةrdquo; الفيلم فبين البريق اللامع، والمشاهد القاتمة يرافق المخرج في تحليل، و أستياغ كل تلك الجمل والحوارات في استخدام ذكي للكاميرة المحمولة، ثم التعبيرية في تصوير دقائق الانفعالات الانسانية على الوجوه، حتى في بعض اللقطات نلاحظ قبح ldquo;ليز تايلورrdquo; الجميلة و كأنها الشر في ابعاده الثلاثة.
أخيرا وصلنا الفيلم هكذا، قاسيا، ومحبطا في تحليل انحطاط عائلة محترمة، وغازل الرقابة، ولكنه لم ينج من مقصها الاخلاقي، فيقال ان مشاهد عديدة من الشريط قصت واتلفت بسبب جرأتها، وحذفت حوارات مليئة بالكلمات السوقية البذيئة، وكذالك العديد اللقطات التي سماها الرقيب ldquo;جروحاrdquo; اجتماعية مفتوحة، وربما ستثير عند المشاهد الرغبة في نثر الملح عليها وكان الفيلم قد رشح لكل جوائز الاوسكار لعام 1966 حصد منها 5 جوائز لأحسن ممثلة ldquo;ليز تايلورrdquo; واحسن ممثلة ثانوية ldquo;ساندي دينيسrdquo; وللمصور ldquo;هاسكيل ويركيرrdquo; ثم الاوسكار على الازياء ldquo;ايرين شرفrdquo; ثم rdquo;جائزة الاخراج الفنيrdquo; لـldquo;ريشارد سيلبرتrdquo; وldquo;جورج هوبكنزrdquo;. أخيرا اوصي بضرورة مشاهدته مرتين على الاقل.