❊الآلف هو في عالم الحروف خليفه كالانسان في العالم❊ ابن عربي

سامي الجيزاني: الحرف العربي ركيزه اساسيه ومعقده من ركائز الثقافه العربيه وتعقيد مفهوم الحرف العربي في الثقافه العربيه الاسلاميه آت من جهه ان الحروف العربيه هي وسيله اتصال حياتيه طبيعيه يوميه بين الافراد ومن جهه اخرى هي جزء من المقدس اي ان الحروف العربيه حامله للنص القرآني المقدس. ولهذا اتعددت مفاهيم ودلائل الحروف حتى يصبح لكل حرف مفهوم متعدد الدلائل. ويذهب المتصوفه الى ان الحروف هي هندسه الروح وهي جزء من الطريق الموصل الى الاتحاد بالمطلق، بمعنى اخر الاتصال بالحرف هو بحث داخلي نتيجته توق الى الاتحاد بالكون الذي هو يمثل الله.

جماليه الحرف العربي ومطب استخدامه كمفرده في بناء العمل الفني اخذت تتسع بشكل كبير بحيث تحول استخدام الحرف الى مايشبه بظاهره ذات طابع متلكئ ومتعثر في الفتره الاخيره تحديدا في العشرين سنه الاخيره. فقد استخدم الحرف في اغلب الاحيان بشكل اقرب الى مفرده لدعم تسويق العمل اكثر منه الى استخدام واعي يدرك ابعاد وقيمه وجماليه الشكل والمحتوى للحرف وكيفيه استخدامه. هنا لااعني الفنان الخطاط الكلاسيكي الذي بشكل عام يشتغل على اسس وقواعد في معظم الاحيان ثابته ، هذا الفنان الخطاط الذي يعمل على بناء الحرف، الكلمه والجمله وقياسهما بالنقطه، نصف النقطه وربع النقطه كالخطاط عباس بغدادي والفنان المرحوم محمد هاشم البغدادي.

(الحليه) من اعمال محمد هاشم البغدادي

دراسه لخط النسخ للخطاط عباس بغدادي

ممكن حصر ظاهره هذا الاستخدام المتعثر للحرف في العمل الفني العراقي في ثلاث اتجاهات، الاتجاه الاول قائم على محاوله العمل على شكل الحرف كقيمه جماليه دون ان يكون للمعنى دور مهم والاتجاه الثاني مبني على مضمون الحرف اي معنى الكلمه او الجمله وهذا هو الاساس في بناء العمل والمنحى المتعثر الاخير يحاول ان يجمع الاثنين اي اهميه شكل الحرف زائدا دور المعنى للحرف وللجمله بشكل عام.

هذا الاستخدام في الاغلب مفتقر الى درايه وعمق في استخدام الحرف، لااريد هنا ان افرض طريقه معينه لاستخدام الحرف في العمل الفني وآضع قواعد لذلك، لكن الواقع يدل بشكل كبير على صطحيه الرؤيه الجماليه لاستخدام الحرف العربي.

هناك عوامل عديده ساعدت على هذا الاستسهال في استخدام الحرف بهذه الطريقه واللجوء له، من هذه العوامل للحصر فقط، اولا - حاجه الفنان الماديه التي دفعته الى محاكات الوسط البسيط من المتلقين الذي في اغلب الاحيان يكون اقتنائهم للعمل بواعز ديني اكثر منه جمالي (للبركه). ثانيا قوانين السوق الفنيه المحدوده جدا في العالم العربي ، ففرض السوق الفنيه على الفنان طريقه بناء العمل والتدخل في مكونات العمل وبالذات السوق الخليجيه، ايضا لاسباب دينيه كالحرام والحلال ، لائق اجتماعيا اوغير لائق للمجتمع العربي الاسلامي. العامل الثالث - هو ضيق ومحدوديه حركه الفنان العربي بشكل عام وتفاعل الفنان تفاعل فعلي مع العالم المحيط، هذا الانغلاق قد تكون اسبابه سياسه ،اقتصاديه وثقافيه الخ.

هذه العوامل وهذا العوز وقله الفرص دفعت الفنان في احيان كثيره الى التعامل مع الفن كمهنه للارتزاق ونتيجه هذا التحول الدراماتيكي الخطير هو اعمال فنيه اغلبها هابطه المستوى وبالنتيجه العامه ان هذا الوضع القائم اثر سلبا على الحركه الفنيه العراقيه والعربيه. فاصبح الحرف العربي والالوان ذات الطابع الاسلامي المتعارف عليه هو جزء من الارتداد الى الجذور وخلق من هذه الجذور هويه للفنان وللمتلقي العربي المسلم مقابله للآخر اي صاحب الهويه غير المسلمه. هذا يعني ان الفنان تحول من دوره الكبير والخطير كمتابع لحركه المجتمع، ناقدا له ، مفكر ،باحث ، مشاكس و ينتقد العادات والتقاليد والسياسه الى مهني وجزء عادي من كل ثابت وغير متحرك. اي تدجين الفنان وتحويله الى جزء من المد العام وسلبه الحريه المطلقه والتي هي اساس مهم في في عمليه الخلق الفني. والدليل على تهافت استخدام الحرف في اللوحه التشكيليه، الفخار/السيراميك، النحت، وحتى في الفن المفاهيمي وفي الاعمال المركبه ان هذا الاستخدام لم ينتج اسلوب او مدرسه حروفيه او اتجاه مهم ممكن الاشاره اليه ،قد نجد جهود فنان واحد او اثنين لكن هؤلاء لايمثلون الكم الهائل للنتاج الفني العام في الفتره التي نتحدث عنها. اذا التجربه الفنيه الجماليه لم تنبثق منها تجربه معرفيه فهي تجربه فقيره واحصائيه لااكثر.

شكل رقم ٨ حسن شاكر ال سعيد

رافع الناصري


بالمقابل كان تعامل الجيل السابق مع الحرف العربي تعامل سيميائي مدروس ومهم على الرغم من انهم كانوا افرادا مثلا التعامل الفلسفي ،الحسي الصوفي والبسيط والعميق في ان واحد لشاكر حسن ال سعيد مع الحرف وتعامل رافع الناصري فنان عراقي اخر مع سحر الحرف العربي بحساسيه مدروسه ومحكمه كشكل وكدلاله تاريخيه وصوريه. ليس موضوع المقال هو دراسه وتحليل ونقد النتاج الفني للناصري او لال سعيد لكن تعاملهم مع الحرف هو المهم في هذه العجاله. يجب التآكيد على عدم القول بان كل ماهو ينتمي الى الجيل السابق بالضروره افضل ،هولاء ينتمون لجيلين مختلفين ولكل جيل له ظروف تاريخيه خاصه به ودور هذه الظروف على نتاجهم الفني مهم. اريد فقط ان اسلط الضوء على مستوى الوعي الفني بالتعامل مع الحرف العربي لطريقتين مختلفتين.

اضافه الى ذلك لااريد ان اقول بقدسيه الحرف العربي او ان هناك طريق واحد للتعامل معه كمفرده او مجموعه مفردات او كموضوعه للعمل الفني ككل، لكن ملاحظاتي هذه هي جماليه قائمه على المشاهده الخارجيه كمتلقي و ايضا من تجربتي كمنتج للعمل الفني الذي قد يكون للحرف احيانا دور في العمل.

فنان عراقي مقيم في الدنمارك

[email protected]