أقبل السيّاح من مختلف البلدان، إلى مدينة دوز بوابة الصحراء التونسية لحضور الدورة الرابعة والأربعين من المهرجان الدولي للصحراء التي تخللتها عروض فنية من غناء وشعر وأدب، إلى جانب الماراتون الدولي لسباق المهاري بمواكبة الإتحادات العربية، وعروض أخرى.


محمد بن رجب من تونس: على مدى ستة أيام كانت مدينة دوز، بوابة الصحراء التونسية، قبلة السياح من الداخل والخارج، يقبلون على الصحراء للتمتع بجمالها وسكونها وبهاء الطبيعة فيها ويعيشون صباحات معطرة بعطر الياسمين وليالي مشرقة بالحب والأمل والفن. مدينة دوز في الجنوب التونسي بما يطبع أجواءها من هدوء وسكينة، ومناخها من اعتدال بين واحات النخيل التي جعلت من المدينة جزيرة خضراء.

دوز، عروس الصحراء، عاشت في الدورة الرابعة والأربعين لمهرجانها الدولي للصحراء فقرات عديدة ومختلفة جمعت بين الأدب والشعر والفن والتراث والاقتصاد.

عروض رائعة


عروض باهرة من الإرث الذي توارثه أبناء الجنوب ليصبح بفضله اليوم المهرجان قبلة الآلاف من السياح الذين يتوافدون إليه ويشدون الرحال. ويظلّ المهرجان وفيّا لفقراته المتنوعة، مثل العروض اليومية لساحة حنيش التي تقدم أوجه الحياة اليومية للبدو الرحل، وهي سر إشعاع المهرجان في العالم أجمع حيث يتابعها ما لا يقل عن 100 ألف متفرج كل يوم.

قدم الفنان رضا عبد اللطيف ومجموعته عرضاً بعنوان quot;ذكريات الخيامquot; في ساحة حنيش، وهو عرض في ساحة ممتدة ومفتوحة على الصحراء الشاسعة، ترافق من خلاله البدوي في رحلته السنوية من الحاضرة إلى ربوع الصحراء الشاسعة.

في هذا العرض، تبدأ الحكاية من حين خروج القبيلة ورحلتها وتعايشها في شتى ظروف حياتها ومشاغلها، وتبرز من خلال هذا العرض المكون من لوحات مترابطة ومتسلسلة ضمن نص محكم يتخللها الشعر الشعبي، والأغاني البدوية، وعزف القصباية الصحراوية تبرز حياة البدوي في حلّه وترحاله، في يسره وعسره، في أمنه وحربه وأفراحه في اعتماد إلى جانب الصورة المجسّدة على الساحة وعلى المؤثرات الصوتية المصاحبة.

بعيدا عن الرتابة المعهودة في تقديم اللوحات على ساحة المهرجان إلى جانب الماراتون الدولي لسباق المهاري بمشاركة فرنسا وسويسرا والجزائر وبمواكبة الإتحادات العربية لسباق الهجن وعروض للصيد بكلب السلوقي وعراك الفحول وسباق الخيول وكرة المعقاف ومشاهد أخرى من عادات وتقاليد أهل الصحراء.

خيانة النظرية أو صدمة المثقف


تنوعت العروض الموسيقية وتعددت، فقد أدت مجموعة من فناني الراب التونسي (الجنرال، ماسكوت..) جملة من الأغاني الجديدة والجميلة، التي لقيت نجاحاً كبيراً من الجمهور الغفير، والمفاجأة جاءت من المغرب بمشاركة لفرقة جيل جيلالة وعودة إلى الفن الهادف والأغاني البديلة، التي لقيت الرواج الكبير في سبعينات القرن الماضي، وأدّت أغاني اهتزّ لسماعها الحاضرون ومنها quot;الشمعةquot; و quot;السفينةquot; وquot;الكلام المرصعquot;، التي يحفظها جيل السبعينات quot; الكلام المرصّع فقد المذاق و الحرف البرّاق ضيّع الحدّة ياك الذلّ محاك يا سيدي عفاك وكلمة عفاك ما تحيّد شدّةquot;.

الشعر هو الآخر كان له حضور لافت في برنامج المهرجان حيث كان الإنطلاق مع quot;يوم الشعر الفصيحquot; وبمشاركة د. عز الدين المناصرة من فلسطين والشاعر جريس السماوي من الأردن، وعدد من الشعراء التونسيين أبرزهم جمال الصليعي ومحمد الخامس بن لطيف ثم كان quot;يوم الشعر الملحونquot; إلى جانب شعراء برنامج quot;شعراء المليونquot;، في إطار quot;تحية لثورة تونسquot;، وهل يمكن أن يغيب الأدب عن مثل هذه المهرجانات الثقافية، فقد كان الموعد مع الندوة الفكرية بعنوان quot;من أجل تعميق فهم الثورات صدمة المثقف أو خيانة النظريةquot;.

ومن خلال الورقة العلمية للندوة التي شارك فيها الأساتذة خالد الوغلاني، ومحمد ضيف الله، ونور الدين العلوي، والشيباني بلغيث، وسامي الشايب، وعميرة علية الصغير، والصادق بالطيب، والنوري بريك، والذهبي المسعودي، ومن مصر صفوت حاتم quot;تحتشد في الذاكرة صور لا تنسى عن هبّات الجماهير العربية في ربيعها المشهود. من لم يحمله الحماس ولم تعله النخوة أمام الصوت الواحد والحركة الواحدة للآلاف أمام وزارات القمع والإرهاب؟ ومن لم يقف إكباراً وإجلالاً لدماء الشهداء الزكية وهي تروي شوارع البلاد شمالا وجنوبا؟ ومن لم تخنقه العبرات وهو يسمع كلمات أم تودع ابنا وتستعد بكل ثبات للتضحية بالباقين؟
هي مشاهدة خالدة وهي بطولة أسطورية أمام أجهزة الاستبداد ومن ورائها. وفي الحديث عن الثورة وتعميق فهمها وصور ذلك، حان وقت تجاذبات وتحالفات وحسابات وأحزاب وانتخابات. سألوه لماذا تعلن النتائج نفسها في كل ساحة؟ هل نحن أمام شريط للمنتج والمخرج أنفسهما؟. سأل بعض المارين: من صنع أزهار الربيع؟ ومن دفع أجرة العازفين؟ علق خارجون عن السرب: خدعوك فقالوا ربيع عربي و ثورة نموذج؟ ألحّ غيرهم على سؤال سافر: هل هي ثورات أم تغيير وكالات؟ وهل قدرنا ألاّ نختار إلا بين استبداد واستعمار. نحن نعرف أن لا حرية إلا ضدهما.

فلماذا لا تكون حرية عربية إلا بينهما أو عبر واحد منهما؟ سخر قبيل ثالث من المثقفين لا يعجبهم العجب.احتجوا: أين كنتم يا أهل الثقافة والتحاليل أيام الدماء؟ ولماذا لا تستقيلون من مهام الركوب على الثوراتquot;؟ وتبقى الأسئلة المطروحة: هل تغير مفهوم المثقف في ظل التحولات الجوهرية التي يشهدها العالم؟ هل بقي للثقافة دور في ظل تعدد الوسائط؟ هل تصنع الدوائر المهيمنة على العالم الثقافة والمثقف أم أن البيئة الاجتماعية والمعرفية هي الصانعة؟ وأين يقف المثقف من قدرة الإعلام على تشكيل الرأي العام و توجيهه؟ وما مدى تأثيره في الرأي العام في ظل سطوة الاعلام؟ هل يمكن اعادة الاعتبار للمثقف؟ وكيف؟quot; أسئلة حاول الأساتذة المفكرون الإجابة عليها من خلال عدد من المداخلات التي شفعت بنقاش مستفيض.