عبد الجبار العتابي من بغداد: اقامت نقابة الفنانين العراقيين، المركز العام، جلسة استذكارية للفنان الراحل الرائد عز الدين طابو لمناسبة الذكرى السنوية الاولى على رحيله الذي كان بعد ان داهمه المرض فجأة في السنة الخامسة والستين من عمره، بعد ان عاش السنة الاخيرة وحيدا في عزلته حيث احيل على التقاعد وانقطعت صلته بدائرته، السينما والمسرح، كانت الاحتفالية التي اقيمت في نادي النقابة وحضرته نخبة من محبيه وزملائه، لم يكن العدد كبيرا، وهو ما تأسف له الحضور، مشيرين الى ان الراحل كان صديقا للجميع، لذلك كان مشهد البكاء والدموع اكثر ما ميز الاحتفالية بل ان البعض لم يستطع ان يكمل حديثه، والاهم ان الجميع اعترفوا بالتقصير تجاهه، وهؤلاء هم احبته المقربون وليست المؤسسة التي انتمى اليها، شارك في هذه الجلسة التي ادارتها الفنانة الدكتورة عواطف نعيم، نقيب الفنانين العراقيين صباح المندلاوي، وعزيز خيون ونزار السامرائي ومناف طالب ومحمد هاشم وسعد عزيز وعلاوي حسين وعماد محمد والكاتب سمير النجم والمطرب قاسم اسماعيل، فيما لم يستطع اي فرد من عائله الفقيد ان يصعد المنصة لان الدموع كانت خير متحدث، وعلى الرغم من الحزن المخيم على اجواء الاحتفالية الا انها تخللتها ضحكات وابتسامات رطبت الاجواء عبر ذكريات استذكرها زملاؤه مفعمة بالظرافة التي كان يتمتع بها الراحل حيث كان بديهي النكتة، ومنها حكاية للفنان كنعان علي نقلها عنه الفنان نزار السامرائي اثناء تصوير مسلسل (المسافر) الذي قام ببطولته كاظم الساهر واسيا كمال وسهير اياد واخرجه فلاح زكي عام 1993.

وقالت الدكتور عواطف نعيم: نستذكر فنانا كبيرا كانت له اسهامات كبيرة في خارطة المشهد الفني العراقي ، وكانت له اسهاماته في خارطة المشهد الانساني، التقيت بعز الدين طابو في موقف لاينسى، كنت صغيرة مع اهلي ذاهبون نبارك لخالي البيت الجديد الذي افتتحه في (شارع فلسطين)، وعندما نقلتنا السيارة رأيت شابا وسيما، شعره مسرحا وطويلا ويضع يده في جيب بنطلونه، كان واقفا بطريقة جميلة تلفت النظر، وفعلا ذكرني بنجوم السينما الهوليودية، لكن الذي لفت نظري الى هذا الشاب انه كان قد فتح ازرار قميصه كلها تقريبا، والذي اثار استغرابي وابقاه في ذاكرتي ان الجو كان شتائيا مكفهرا وكنا نرنعش من البرودة، فمن اين استمد هذا الرجل حرارته، وعندما التقيته في الاذاعة والتلفزيون لاون مرة وقدمه لي الاستاذ عزيز خيون ليقوم ببطولة احد الاعمال الاذاعية، قال هذا عز الدين طابو!!، وبطريقته اللذيذة الجميلة ضحك وقال (عطووووفة)!!، احببت عز الدين طابو من تلك اللحظة وعملنا معا لمدة طويلة، والذي احفظه له انه لم يتلفظ يوما ولم اسمعه يتلفظ بكلمة خشنة او جارحة، كان انيق الروح، مهذب اللفظ، طفلا رغم الملامح التي تبدو شديدة وحادة على وجهه لكنه كان يحمل روح طفل جميل، رحم الله عز الدين طابو واسكنه فسيح جناته.

وتحدث نقيب الفنان العراقيين صباح المندلاوي قائلا: قبل 40 عاما او تزيد بقليل وتحديدا في عام 1968 وفي اروقة اكاديمية الفنون الجميلة ويوم كنا طلابا جئنا اليها من مدن وبيئات مختلفة لنمضي السنة الاولى في قسم الفنون المسرحية، نتعرف الى البعض، يلفت انتباهنا عز الدين طابو بصوته الاجش والجهوري وبحركاته التمثيلية المعبرة بملامحه الحادة والقاسية وبسحنته المتجهمة، وهذا ما يفتح الابواب على مصاريعها للاداء الشخصيات التاريخية في المسلسلات الاذاعية، وربما قبل هذا الوقت قد ولج الاذاعة وبرز ممثلا قديرا فيهاـ يلفت انتباه الاساتذة في الاكاديمية فتشهد له ادوار البطولة في اعمال تنتجها الاكاديمية ومنها (ريشارد الرابع) التي اخرجها الفنان اسعد الرزاق، امد الله في عمره، اذكر ذات يوم حين قدمت مسرحية (الحكماء الثلاثة) التي اخرجها الطالب المطبق فليح الصفار يوم كان في الصف المنتهي اول الثالث، والتي تقتصر على ثلاث شخصيات مهمة فقد اسند دور الجنرال الى عز الدين طابو وعندما اعتلى الخشبة نسي ان يحمل مسدسه معه، وكان عليه ان يبتلع اكثر من 20 صفحة فيها الحوار يرتبط بمسدسه وسلوكه وغطرسته وما عرف عن الجنرالات من عنجهية وهيمنة، ورغم الارتباك الحاصل استطاع ابو العز ان يتدارك الامر ويلهو في التمثيل كما لو ان الامر كان عفويا، وكان من بين الحضور من لم يكتشف اصلا مثل هذا المأزق الذي اقلق النخرج وكاد يلتهب غيضا وغضبا، لانه ربما لا ينال الدرجة التي يحلم بها في الاخراج.

واضاف: كانت لديه رغبة في العلاج خارج العراق والرغبة في تمديد بقائه في دائرة السينما والمسرح كموظف لمدةى عام اخر وقبل ان تتم احالته على التقاعد، في اخر مرة التقيته في مدخل المسرح الوطني بدا متبرما ومتذمرا ومستاء لان مسرحية من تأليفه قد سرقت منه، خففت من غليانه وطلبت منه ان لا يرهق اعصابه حرصا على صحته، تابعت الكثير من الحلقات التي نشرها في الصحف وبعنوان (لواعج فنان) مذكرات حررها له الكاتب والصحفي عبد الجبار العتابي مشكورا، كان يحلم ان يرى ما انجزه ودونه من ذكريات ومحطات في حياته مطبوعا في كتاب، وقد ابدى الفنان المبدع الراحل قاسم محمد استعداده لتحقيق ذلك ولكن رحيل الفنان قاسم حال دون ذلك، واليوم اذ تستعد وزارة الثقافة وبمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية لطبع الف كتاب وضمن مشروع ضخم للنهوض بحركة التأليف ندعو الوزارة لتبني طبع هذا الكتاب وطالبما يتناول تجربة فنان مبدع اقام في بغداد طويلا وشارك في مؤسساتها الفنية والثقافية، كما ادعو السينمائيين الشباب الى انتاج فيلم سينمائي يوثق حياته وابداعه وهو بعض الوفاء لهذا الفنان العصامي الذي بقي وفيا حتى ساعة رحيله الى المسرح الجاد المرتبط بهموم الناس.

الفنان نزار السامرائي: كان عز الدين طابو فنانا انسانا فعلا، كان عصاميا بكل تصرفاته، كان وفيا وصديقا لكل زملائه، كان مبدعا، لا استطيع التكلم، فماذا اتذكر عن هذا الرجل المبدع، الرجل الانسان خلال مسيرة 35 سنة، اذا اردت ان اتحدث عن عز الدين طابو فسوف نقلب هذا المكان الى ضحكات فعلا، لان الراحل كان صاحب نكتة وكل افعاله عفوية وبدون تكلف، احدنا يمزح مع الثاني بطيبة وشتى الوسائل، اذكر واحدة من الاف الذكريات عندما كان طالبا في كلية الفنون الجميلة، كان مسؤول الكافتريا اسمه خوشابا، كان اربع سنوات وكلما يدخل ابو العز الى الكافتريا كان يصيح (توشيباااااااااااا)، حتى اراد خوشابا ان ينتحر بسبب ابو العز، عز الدين طابو فعلا هو (فيلم) لو كان المرحوم عبد الجبار كاظم حيا لتكلم عنه لمدة سنتين متتالية.
واضاف: عز الدين طابو.. قتلته دائرة السينما والمسرح وقتلته الاذاعة والتلفزيون فعلا، انهما ساهما في وفاته لان الفنان مهما كان هو كالسمكة عندما يخرج من الماء يموت، كان المرحوم سمكة ابعد عن السينما والمسرح وابعد عن الاذاعة والتلفزيون لسنوات طويلة فقتله الفقر، لا استطيع الحديث اكثر من هذا، رحم الله الفقيد.. رحم الله الفقيد.

وتحدث عزيز خيون قائلا: نستذكر فتى عراقيا دالته الطيبة، والظرافة والنكتة الحاضرة ابدا، عز الدين طابو صديق الرفقة النبيلة والسنوات الحنظل، كان لقائي الاول معه في اكاديمية الفنون الجميلة، فتى يملأ المكان ضجيجا، دائما كان يهدم القواعد، ويهدم الثوابت وينتمي لروحه الحلوة والضاجة ابدا، عزي.. حالة استثنائية في اصدقائنا، كان دائما يبتعد عن الواقع بمسافات كبيرة، كان باستمرار من غير قصد يحاول ان يرسم واقعا اخر بديل للواقع المدمر، هذا الواقع التي تلونت ايقاعات دماره حتى صرنا نحن الى تلك الايام، الايام التي كان فيها القميص لكل الاصدقاء والبنطلون لكل الاصدقاء، ربطة العنق لكل الاصدقاء، افضلنا اناقة من يبكر صباحا، فقراء الا من صدقنا، ومن حلمنا ومن براءتنا، ومن تمردنا ومن احتجاجنا ومن غضبنا ومن حبنا لهذه الارض الطيبة، من تعلقنا بها حد الجنون.
واضاف: عزي..يأتينا في احد الصباحات الباردة الى كافتريا كلية الفنون الجميلة، طائرا من فرح، ما الذي حصل يا عزي ؟ قال: اسندت لي الاذاعة والتلفزيون حلقتين اذاعيتين في مسلسل يحمل عنوان (كاكامش) اخراج الفنان المرحوم الحاضر ابدا طعمة التميمي، ويقلب ايقاع الكافتريا رأسا على عقب، ويفتخر بأن الاذاعة بعثت اليه بحلقتين، عزي الدين طابو.. لو قدر له، وهذه ليست مبالغة اطلاقا، لو قدر لهذا الفتى ان يكون موجودا في فضاء اخر لكان فنانا على مستوى عالمي، وهو مؤهل حضورا ووعيا وصوتا وعنادا واصرارا ومحبة وعشقا لاختصاصه، وهذا كلام اقوله بكامل الثقة.
وتابع: لا ادري ما الذي حصل لهذا الفتى الذي كان يصطاد النكتة، هذا الذي كان حاضرا في (ابو نؤاس) و (السعدون) والاذاعة ومسرح الرشيد وفي ازقة بغداد وفي مطاعمها وفي مشاربها، لا ادري.. هل كان حلمه اكبر مما هو موجود ؟ هل كان يتظاعر بهذه النكتة ؟ هل كان يخفي شيئا اخر غير ما نسمع ونرى ؟ هل قتلته بغداد بحزنها ؟ هل قتله هذا العراق الذي دمرنا حبا وعشقا ؟ هل كان شهيد حلمه، طموحاته، عناده، اصراره، هل كان يبحث عن جناح اخر يحلق به ؟ ماذا اراد عزي ؟انا اتحدث عنه لانني قريب منه جدا، يأتيني الى البيت بمعود وبدون موعد، فما الذي حصل لعزي لكي ينزوي هذا الانزواء ؟ تخوف مما جرى حزنا على ما جرى، حزنا على مسرح الرشيد مثلا ؟ في اخريات ايامه اصبح جليس البيت، نزوره احيانا لان بغداد اصبحت تأخذنا من بعضنا ومن انفسنا، حتى عندما غادر.. غادر على عجل وكأنه سرق حاله منا.

وتحدث الفنان مناف طالب: بصراحة لا اعرف بماذا اتكلم عن هذا الانسان الطيب الحاضر الغائب بيننا، تعرفت عليه سنة 1964 في فرقة الفنون المسرحية، وكان في بدايته يحب الفن وملتزما ويمتلك الاخلاق الكبيرة وكان يقول حين نجلس للحديث: فهموني.. اريد ان امثل؟ فنقول له: ليس الان سيأتيك الدور فيما بعد، فكان يقف ويقول: سأكون ملكا عليكم انتم في المستقبل، قليلون هم الفنانون الذين يمتلكون ما يمتلك وسيبقى رحمه الله بيننا، وانا لله وانا اليه راجعون، انا لا استطيع التكلم عنه، وان تكلمنا الكثير الكثير عنه فهو قليل بحقه.

وتحدث الناقد والممثل الشاب سعد عزيز عبد الصاحب: اولئك آبائي فجئني بمثلهم / اذا جمعتنا يا جرير المجامع، عز الدين طابو ملك المشاهد الصعبة بلا منازع، عز الدين طابو هو ابن الصعب وينتمي للصعب، عز الدين طابو.. سليل السحرة، سليل الشر الفني الجميل والناصع، عز الدين طابو يربت علينا نحن الشباب ويقدمنا رغم ما يعتمل في داخله تجاهنا قيقول لهذا انت ستصبح ممثلا ويقول لاخر اذهب للبحث عن مهنة اخرى.

تحدث الفنان محمد هاشم قائلا: انا اكثر شخص كانت لي علاقة وطيدة معه خلال السنوات الاخيرة وكانت يعتبرني تلميذه ويوجه لي النصائح وفي كل عمل اقدمه كان يعطيني الملاحظات وكان يميز الفنان الجيد من غير الجيد، كان يقول لي عما كان يؤلمه وما كان يحزنه في الوسط الفني وبغداد، انا اشعر بالقصور لانه يعبرني ابنه وطلب مني ان ادفنه بيدي لكنني للاسف لم استطع ان اكون في لحطات وفاته، انا كنت اعرف ظرفه الصعب وظرف عائلته، تصوروا عز الدين الفنان الكبير وموظف في دائرة السينما والمسرح لمدة 40 سنة توفي ولم يصله احد من ادارة الدائرة، واحد الفنانين والدته تتوفى ويبعثون له بثلاثة ملايين دينار، وعز الدين طابو لم يسأل عنه احد، وهو الى الان مطالب بتسديد سلفة لاحد المصارف

في الاخير.. في مشهد درامي قدمه نزار السامرائي قال انه (امانة) طلب منه الفنان كنعان علي المتواجد خارج العراق ان يحكيها في الاحتفالية، قال انه مسلسل (المسافر) الذي قام ببطولته الفنان كاظم الساهر عامي 1992 ndash; 1993 رفض طابو ارتداء (صلعة الإكسسوار) وقام بحلاقة شعره كله، وتعرض أثناء التصوير إلى جرح بليغ في رأسه إلا أنه واظب على الأداء، مشيرا الى ان عز الدين كان يعمل حركات كراتيه يخيف بها شباب وصبيان قرية (وانة) في الموصل التي صور فيها العمل، وكان الناس كلما رؤوه هربوا، وذات مرة قام طابو وفتح صندوق السيارة فوجد افعى فصرخ وهرب، وعلم اهل القرية ان طابو يخاف من الافاعي فما كان منهم الا ان يحملوا في تجوالهم وتواجدهم في اماكن التصوير على افاعي صغيرة ويلوحون بها امامه لاخافته، فما كان منه الا ان ترك حركاته، رحم الله ابو العز.