&
تعالوا لنناقش مسألة الحياة...
عن جدل الحياة والشرف، يمكننا العودة إلى فيلم" the hobbit: an unexpected journey" للمخرج(بيتر جاكسون) &حيث يجيب البطل "باغنر" حارس ليل الذي كان يحرسهم في فجوة الجبل وهم نيام، بعد تنبهه له بمحاولة هربه منهم قائلا: أنتم أقزام متجولين وأنا لا أستطيع العيش معكم، وحان الوقت لأن أبحث عن مكان أنتمي إليه لأعيش وأجدد حياتي فيه. هي قطعة سينمائية تجسد القصد الأسمى للوجود الإنساني، والذي هو قصد يحرك التاريخ وكان سببا مباشرا في صناعة مشاهدته المختلفة التي تراوحت بين الدراما والتراجيديا باسم الرغبة في الحياة وصناعتها. وهنا نقف عند الرغبة الملحة الخالدة في الحياة &في تاريخ لفلسفة، فلقد سبق لأفلاطون &في حديثه عن خلود النفس في كتابه الشهير "فيدون"، وأيضا في الموضوع نفسه رآى اسبينوزا: أن كل كائن يبذل جهده للبقاء في ذاته، وأن هذا الجهد هو ماهيته الفعلية عينها، ويقتضي مدة من الزمن، وأن النفس في جميع صورها تهوى البقاء في الحياة وتكون على علم بهذا البقاء.
فمن الصعب أن نتصور أنفسنا في علاقة مع الحياة من دون شعور أو إحساس بها،فأمواج الحياة تسري في عروق الشعر كما صورته قصيدة( حياة الشبح لبندار) و(الحياة الحلم لكالدرون)(1).&
ورد في الاوبانيشادا الهندية القديمة هذا القول:(هذا هو أنت ، يقال لي مع الأوبانيشاد. وأنا أقول لهم: نعم، أنا هذا، إذا كان هذا أنا، وكل شيء أنا، ولي الأشياء كلها، وإذا كانت لي فأنا أحبها، وأحب الغير لأنه يعيش في، وهو جزء من وعي، ولأنه مثلي فهو لي). حيث سبق لبوذا وأن اعتبر أن الحياة كلها هي مسرح للتخلص من المعاناة ، ولا تعني بأن المعاناة هي كله كل الحياة أو المغزى أو الهدف من الحياة، وإنما تعني أنها المقوم الأهم والرئيس من مقوماتها(2).&
الحب في الحياة هو الشيء الوحيد الذي يهزم به كل ما هو باطل وغير سوي، وهو الشيء الوحيد الذي يملأ &الحياة ويجعلها رغبة، ويجعل من الحياة تواجه مصيرها وأجلها، وتجعل من الحرية قانونها الوحيد ، ويجعل من الأشياء تمضي في الحياة بسلاسة متناهية، وبه تظهر الحياة كعطش للوجود، وبه تكون الحرية دافعا للحياة ومجددة لها، ولا نجد مناصا عن إرادة الحياة غير هذه الحياة التي نتقاسمها ونشترك فيها، حتى ننزع الصورة النمطية التي رسمها التاريخ عن الأرض على أنها مقبرة ندفن فيها جثامينا. فكثيرا ما قادنا حب الحياة إلى بناء أكواخ من القش والقصب والطين والحجارة والزجاج وهي كلها مأخوذة من قشرة الطبيعة، وبنيّت الأضرحة للموتى وبطريقة جميلة، وهي تشكّل تحدي انطولوجي كبير بين حجر الضريح وما تبقى من الجثة التي يحتضنها، وهي كلها بمثابة هوس للبقاء والاستمرار(3).&
وشيء الوحيد الذي يميزنا ككائنات هو التعلق بالحياة وصناعة بهجة العيش والتي صارت موضع البحث الفلسفي الراهني لا يمكن فهم الإنسان والاجتماعية من دونه. وهل الإنسان مرغم على أن يعيش حياة مشتركة؟
إن البعد الاجتماعي واقعة العيش لمشترك، وهو واقعة ليست ظاهرة معطاة مسبقا وإنما هي فرضية بحاجة لإثباتها على مستوى الفكر وتجسيدها في الواقعة، فلا تزال محض تصور، وفي هذا الشأن يقول مونتاني( فلتكن مواقفنا منوطة بنا ولنتخلص من كل الارتباطات التي تربطنا بالآخر ولنحمل على عاتقنا القدرة على العيش وحدنا بدراية وأن نعيش كما يحلو لنا) ويقول:(غادروا مع المتع الأخرى المتعة التي تأتي من رضا الأخر) وهذا يعني ممن الممكن إذا بل من المحمود أن نتحرر من العلاقات مع الكائنات الإنسانية الأخرى في الوقت ذاته ولاسيما من الرضا الذي نوجهه إليهم(4).
أما باسكال فكان يقول( نحن لا نكتفي بالحياة التي تقوم فينا وفي كائننا، نحن نريد أن نحيا في فكرة الآخرين حياة خيالية، وإننا لنجتهد أن نظهر من أجل ذلك) وكلنا لا نعرف كيفية التي نكفي بها أنفسنا بأنفسنا، إلا أن الواقعة الاجتماعية ورغم مثاليتها تبقى هي الوحدة، وهذه هي الصيغة الكبرى لتصور الفردانية الذي يكمن تحت تمثلاتنا للحياة المشتركة.
الإنسان زيادة على أنه كائن عاقل ولاعب ومتذوق، فهو أيضا كائن أناني ونفعي وشرير، ولولا القيود التي يفرضها المجتمع والأخلاق عليه والتي تلزمه لعاش حياة حرب مستمرة، وهذا يعني أن الأخلاق والمجتمع يصنعان الحياة المشتركة للإنسان، أي أن العنصر الأخلاقي والاجتماعي انتصرا على ما هو غير أخلاقي وعلة وحدانيته وأنانيته. وعادة ما يختار الإنسان الحرب بعد أن يفقد الرغبة في الحياة، ويمكن تفسير حالة الحرب عادة تأتي من اجل تغيير قواعد المشترك وما هو ثابت في العرف الاجتماعي، وهذا الذي يجعل من حب الذات والمصلحة كوقود مغذية لحالة الحرب(فكل المشاعر الطيبة الظاهرة ليست سوى قناع وتنكر، فالحرب هي دليل على فشل الحب الذي نتوهمه).
والمصلحة كثيرا ما تنتج علاقاتنا البينية، ويضيف باسكال معتبرا الأنا ظاهرة مبغضة لسببين: إنها ظالمة في ذاتها، لأنها تجعل من نفسها مركزا لكل شيء، وإنها لعسيرة بالنسبة إلى الآخرين، لأنها تريد أن تستعبدهم: إن كل أنا هي عدو، وتريد أن تكون طاغية على الآخرين.
وفي هذا الصدد يقول لاروشفوكو(لن يعيش البشر طويلا في مجتمع إذا لم يكن بعضهم خديعة بعضهم الآخر)، وهو رأي نفسه عند باسكال( إن الوحدة التي تقوم بين البشر لم تتأسس إلا على هذا الغش المتبادل)، ولكن ألا يوجد ما هو فاسد في هذه الفرضيات، يبدو أنها تجاهلت وبشكل مطلق الأحكام الأخلاقية والمكونات الدينية وصفاء الذات نفسها ونسيان للضمير الحي في أعماقنا، والظاهر أن هذه الفرضيات ظلت خاضعة للرؤية الأنثروبولوجية والتاريخية، وما رابط المصلحة إلا جزء من منظومتها، وإلا كيف نفسر حالات الندم والشفقة والمآزرة والتكافل والتضامن وغيرها من الحالات التي تنشأ بعيد عن هيمنة المصلحة والأنانية وغطرسة الذات والعلاقات التي لا تهتم بالمصلحة في صناعة الصداقة، وليس ثمة مجال لكي يسأل المرء نفسه على طريقة هوبز: لماذا يختار البشر العيش في المجتمع؟ أو على طريقة شوبنهاور: من أين تأتي إلى المجتمع؟ والجواب هو: لأن البشر لا ينجزون أبدا مثل هذا العبور إلى الحياة المشتركة، فهم لا يعيشون في المجتمع بدافع المصلحة أو الفضيلة ، فهم يقومون بذلك لأنه لا يوجود شكل آخر يوجدون فيه، وهو التصور نفسه عند كانط خاصة ما تعلق بالإنسان المتخلق. وتبعا لكانط فإن المنافسة للنوع الإنساني تكمن في عدم اجتماعية نزعته الاجتماعية، وفي الهروب من المجتمع وأن يكتفي بميله الطبيعي، وهي الخاصية اللاجتماعية التي تعكس إرادة قيادة كل شيء وفقا لمنظوره الخاص، وعليه فالبشر باقون ممزقون بين تطلعاتهم الأنانية للقيادة اللامحدودة والتي لا يتقاسمها مع غيرهم وهي سبب ضعف الحاكمة وعجزهم عن تجاوز الاجتماعية(المجتمع) وبسبب ضعفهم، والذي يسعد تبعا للآخر فهو حتما كائن تعيس(5). وكانط نفسه يفسر هوس الإنسان بالسلطة هو الذي يعكس تطلعه الطبيعي لبقاء الآخرين بعيدين عنه(عن الذات)، حتى وإن تطلب الأمر محاربتهم من أجل ذلك؟ وهي قرءاة وصف بها كانط الهوى الإنساني المركزي الذي يدفع الفرد ليستولي على السلطة ويمارس الصعود على ظهور الآخرين، ويفسر كانط طبيعة هذا الهوس إلى أسباب ثلاثة: البحث عن الشرف، والبحث عن الهيمنة، والعطش للثروة أو الجشع، والسبب الأول هو الأهم في موضوع الغيرية، كون أن من طبيعة الشرف أنه يمنح للذات من غيرها، وبالتالي هو السبب المعنوي الذي يبقي الذات في تواصل مستمر مع الآخرين لنيل شيء من الشرف منهم، وهذا يدل على أنه مجرد حكم واعتراف لا غير. والأخر هو أيضا ينتظر منا هذا الدور ، ويفهم أن الحركة الاجتماعية تتشكل داخل عملية التبادل، وعليه يقول (لاروشفوكو) (إننا لا نقصد دائما بكلمة المصلحة مصلحة الثروة، ولكننا نقصد في غالب الأحيان مصلحة الشرف أو المجد).&
صحيح أننا لا نستطيع من دون العيش المشترك مع الآخرين ولكن هذا من مصلحة أنانية فقط، أما &نيتشه فقد انتقد معاصريه البورجوازيين الذين سعوا إلى المجد مكتفين بالعيش الدافئ وببطون مليئة، ولكن الإنسان الأسمى فهو ليس على شاكلتهم، فهو كائن يتطلع للعزلة والتوحد، فعوضا عن حب الذات والإفراط في الأنانية عند لارشفوكو يأتي (خلق السادة) وفي قلبه إرادة القوة، يخص هذا بشرط اكتساب القدرة على تجاوز الأخلاق التواضعية وبقاء التفكير في الضعفاء الخراف، ومن هنا يمكن فهم تفضيل آخيل الموت كمجد على الحياة بلا أضواء بداعي الشرف، وهي فضيلة غير حاضرة عند الجميع، بل هي حاضرة فقط عند البطل والأحسن، وهي مجرد مثال وليس حاجة حيوية. ولهذه الأسباب اعتبر كل من هوبز ولاروشفوكو النزعة الاجتماعية مخرجا حاسمة للإنسان بما أنها دواء لأنانيته ولغطرسته(6) .
صحيح أن كل موضوع الإلياذة يدور حول أخيل والشرف، فأحيل شعر بالإهانة فقد مسّ في مجده وشجاعته، ولأن اغامنون عامله بطريقة غير لائقة وأذله أمام الإغريق، والاهانة هنا تمس الذات وبفضل حس الشرف حسب يعي الإنسان ذاتيته اللامتناهية، فهو يضفي على كل ما يحوزه الفرد وعلى كل ما هو خصوصي عنده، فالشرف يضفي القيمة المطلقة للذات سواء في الفرد أم في تمثل الآخرين، على اعتبار أن الذات تظهر في الخصوصية، فالشرف هو مظهر وانعكاس للذات، وبكون أن الذات لا متناهية فهي تجعل من مظهرها عبر الشرف لا متناهيا وهذا اللاتناهي وهو ما يجعل المظهر الذي هو الشرف يغدو الوجود الحقيقي للذات وواقعه أكثر أصالة، ذات مضاءة بالشرف تكتسب بفضل ذلك المظهر قيمة لا متناهية.
إن مضامين الشرف يكمن في أن تكون بالغة التنوع، فكل ما أنا كائن عليه، وكل ما أفعله وما يفعله الآخرون هو جزء من شرفي(7). فالشريف لا يفكر على الدوام وفي كل شيء إلا بنفسه أولا وهو لا يتساءل إن كان هذا الأمر أو ذاك أو الاستنكاف عن فعله، يتفق وشرفه وبه يعقد بينه وبين نفسه وتجاه الآخرين التزامات لا تبررها أية ضرورة، ونستطيع القول أن مضمون الشرف عرضة لجميع التقلبات ما دام من إبداع الذات وليس مرتبطا بالشرف ذاته بوصفه ماهويته المحايثة.
يقرأ هيجل الشرف من خلال المسرحيات الرومانسية والتي قدمته على أنه شيء بارد وميت هدفه التعبير لا عن مضمون جوهري بل عن ذاتية مجردة، وقد ظهر هذا النوع من الشرف في الاركوس "لفون شليغل" هو الذي يجسد بوجه خاص هذا الشرف الذي لا حياة فيه البارد كالجليد، حيث البطل يقتل زوجته النبيلة المحبة، لماذا؟ من أجل الشرف، وفحوى هذا الشرف أنه يرغب في الزواج من ابنة الملك التي لا يساوره نحوها أي هوى طمعا في أن يصير صهر الملك وهي في ذاتها فكر ةكريهة.
ونظرا للرداءة التي خلفتها التحولات السياسية في العصر الحديث في أوربا بما فيها الديموقراطيات الجديدة انتقد نيتشه نتائج هذه التحولات، داعيا الفرد على أن يعمل على تفتحه الداخلي بدلا في استهلاك تاريخه في البحث عن الحظوة. ويقول أرسطو في السياسة( إن الإنسان الذي لا يقوى أن يكون عضوا في مجتمع أو الذي لا يجد الحاجة إلى ذلك مطلقا، لأنه يكفي ذاته بذاته، فإنه لا يعد جزءا من المدينة بأي شيء من الأشياء، وهو النتيجة إما بهيمة آو إله)(8) ويمكن أن تكون هذه الآلهة آو الحيوانات مكتفية ذاتية تصدق على البشر، وفق هذا القول يظهر الإنسان كائن ناقص بشكل لا يمكن تعويضه وهو محتاج للأخريين، وهي صورة للحضور المشترك داخل المدينة. أما أفلاطون في نص المآدبة، فيفسر حاجة الإنسان للآخر تحت ضغط الهوس الجنسي وليس من أجل تأسيس الحياة المشتركة، ويطرح بعد الوجد والشوق محل الصداقة والمصلحة بوصفه مكونا للنفس البشرية، وسبق أيضا لروسو ولأول مرة أن يقدم لنا صورة الإنسان ككائن يحتاج إلى الآخرين، عندما حدد غريزة البقاء في شرط عيش الإنسان في وسط اجتماعي وأن يتحد مع الآخرين، في مقابل ابتعاده عن الأنانية
وإذا كان الإنسان الذي تحدث عنه روسو هو إنسان غير سوي مفرط في الحساسية وشكاك ويشعر بالاضطهاد والخوف واللامساواة، وهذا يعني أنه يعاني من مشكلة اجتماعية فإلى أي مدى هو قابل لأن يعيش داخل جماعة؟ والظاهر من خصائصه أنه إنسان يفضل العزلة والوحدة على حساب الصحبة. فالبشر بعيشهم في المجتمع يكابدون لنيل اعتراف بعضهم البعض، وكما يقول شارل تايلور( ربما يكون السياق التاريخي هو السبب، ففي منتصف القرن الثامن عشر بدأ النسق القديم للشرف، وهو نظام محفوظ لنوادر المميزين بالسقوط في البلى وأخذ كل واحد يتطلع إلى الاعتراف العام الخاص به إلى ما نسميه الكرامة)، وفي كل الأحوال الإنسان لا يستطيع أن يتخلى عن نظرة الآخرين له(إنها بحاجة إلى أمثالها بلا أمل وذلك إن الشرف غير مدمج هنا، كما سيكون عند كانط في سلسلة الرغبات، إنه الشرف بالمعنى الواسع &للإحالة إلى حكم الآخر حقيقة الرغبات الأخرى(9).
الآخر المعمم نمتلك عنه تمثلا في داخلنا ونحن نسميه اسم(الوعي) وليس هذا الوعي في الواقع شيئا غير هذا الآخر المعمم وفي نظرة الآخرين لنا.
أما هيجل فقد تناول مسألة الشرف في فينومينولوجيا الروح في قسم جدلية العبد والسيد، وهي جدلية توقف عنها قرائه خاصة اليكساندر كوجيف في كتابه( مدخل إلى قراءة هيجل) ، حيث يوظف هيجل مفهوم (اعتراف )الذي يتطابق مع مفهوم الاحترام والتقدير عند روسو وما يسميه ادم سميث بالانتباه. يعتبر هيجل الإنسان على أنه رغبة بيولوجية لبقاء الحياة، لقد كان أخيل في نظر هيجل والذي يفضل المجد على الحياة هو الممثل الأصلي الأول للإنسانية ولم يكن بطلا فقط، وإن حاجة الاعتراف هي وراء الصنع الإنساني التكويني، وهذا يعني أن الإنسان لا يوجد قبل المجتمع وأن الإنسان مؤسس ما بين-الإنساني، ولذا فإن الواقع الإنساني لا يمكن أن يكون سوى اجتماعي، &والإنسان حتى يتجاوز وضعه الحيواني تطلب منه تفعيل رغباته( شيء يتجاوز الواقع المعطى هو الرغبة ذاتها) آو أيضا( لكي تكون الرغبة متأصلة بشريا عليها أن تتناول ما ليس كائنا، أي رغبة أخرى، وفراغا شرها وأنا آخر، ولكن هل ينقسم عالم أشياء بالضرورة إلى قسمين حصريين، الأشياء المادية والرغبات الأخرى؟
إن الطلب المتبادل للاعتراف بين طرفين يستلزم تنازل أحدها للأخر، في الوقت الذي كلاهما يعملان على عدم رضوخ أحدهما للآخر حتى لا يناله، وهذا الذي جعل من طلب الاعتراف يتم عبر الصراع، وسبب ذلك أن الاعتراف بالنسبة للإنسان هو قيمة عليا من قيمة الحياة وهو معركة حياة وموت(10) ، وبما أنا الطرفين لا يتنازلان، فهما يخاطران بحياتهما من أجل نيل الاعتراف، ولقاءهما سينتهي بموت أحدهما، وهو صراع حتى الموت من أجل نيل حظوة محضة، وهذا يعني أن فكرة الاعتراف تتعلق دائما بفكرة الصراع من أجل السلطة، فالمنتصر يصير سيدا والمنهزم يصير عبدا له بما أنه فضّل النجاة بحياته بدل من نيل الاعتراف، ولكن بتنازله واكتفائه بالعبودية فقد تنازل عن إنسانيته المحضة وعن وضعه الإنساني الخاص، ولكن رغبة السيد لم تكتمل وصار الاعتراف به ناقصا ولم يكتمل، وتحولت رغبته إلى رغبة مأساوية، لأن الاعتراف الذي حصل عليه كان من شخص مهزوم، فهو اعتراف غير ذي نفع وقيمة، فهو بحاجة لأن يعترف به سيد آخر، وعليه يتحول السادة إلى عائق انطولوجي لبعضهم البعض.
والملاحظ في هذه العملية أن ليس كل طلب بالاعتراف يتطلب صراعا ولكن كل صراع يتطلب الاعتراف، وهذا يعني أن الإنسان قد ولد والتاريخ قد بدأ مع الصراع الذي ينتهي إلى ظهور السيد والعبد، وإن تاريخ الإنسانية ليس شيا آخر غير تطور العلاقة التي تربط السادة والعبيد، ولهذا تبقى أصول الإنسانية جزءا من الأسطورة.
ناقش جورج باتاي ( في كتابه الشبق) الفكرة السادي لعزلة الإنسان والتي دفع بها إلى أقصى حد، فكل شيء عنده يتأسس على الحدث الأول للوحدانية المطلقة، فالطبيعة تجعلنا نولد وحدنا، ولا يوجد أي نوع من العلاقة بين إنسان وآخر(11) ، ومسألة الحياة والشرف تجعلنا نعيد سرد قصة أصل النوع على قصة أصل الفر والنسالة وتطور الكائن الفرد. وهي علاقة سبق لشلر وأن رفع شعار لها وهو:( الحب والجوع يقودان العالم) وقد اختزل كانط المسألة في غرائزنا الى غريزتين( عشق الحياة وعشق الجنس، أما الأول فهو من أحفز الفرد، وأما الثاني، فهو من أجل حفظ النوع).
يربط لوك فيري بين الفلسفة وطرق اكتساب الحياة عن طرق مواجهة الخوف والموت، بما أن الفلسفة هي أكثر المعارف التي تساعدنا على تجاوز تفاهة الحياة اليومية دون أن نتجاهل الفلسفات القديمة، فهي لا تزال تخاطبنا وتوجهنا، حتى ولو قارنا بين مفهوم الحياة عند كانط ونيتشه فإننا نجده لا يختلف معناه عند فلاسفة القدماء سواء ابيقور أو بوذا، فالكثير منهم قدم اقتراحات حول حياة مشتركة يقبلها الإنسان بما أن الحياة وجه من وجوه الإحساس بالوجود ، وهكذا فابيقور وفق لوك فيري يقول أن الفلسفة تعلمنا ألا نخشى الموت، وهو ما يتطابق مع بيت من قصيدة لوكراس بعنوان(في طبيعة الأشياء) يقول فيه: ((يجب علينا قبل كل شيء طرد وتدمير خوفنا من الاشيرون- نهر في جهنم-)) والذي بتغلغله في أعماق ذواتنا يسمم الحياة البشرية ويلون كل شيء بسواد الموت(12) ، فالفلسفة هي تعلم الموت حسب مونتاني. وأما نيتشه في حديثه عن براءة الصيرورة ، بالنسبة لهؤلاء الفلاسفة الخوف من الموت يمنعنا من العيش بهناء بما أنه يولد فينا القلق ويبقى هدف الفلسفة التفكير خارج الدين وبناء خلاصها الخاص.
يرى تيري انجلتون عبارة(معنى الحياة) على أنها ما تشكله في مجموعها، وفي هذه الحالة تعني ما تشكله في مجموعها وفي هذه الحالة ينبغي فعلا رؤية الولادة والرقص الإيقاعي كأوجه من كلية واحدة هامة، وهذا حتى أشد الأعمال الأدبية جاذبية وتماسكا.
هل هناك إذن ظاهرة تدعى(الحياة الإنسانية) يمكن أن تكون الحامل لمعنى متماسك؟ &ولعل من المستحيل التوصل إلى تعميم منطقي بشان الحياة الإنسانية، لأنه يتعين علينا لكي نفعل أن نخطو خارج الحياة. وهذا أشبه بمحاولة أن نخرج من جلودنا(13)، ما من شك في أن أحدا خارج الوجود الإنساني إلا الله، هو الوحيد القادر على رؤيتها كلا واحدا ورؤية ما إذا كانت تنطوي على معنى في مجموعها، وسبق لفتغنشتين أن قال أن معنى الحياة لا يقع وحده وراء حدود الممكن معرفته بل معه الذاتية أيضا، ، وهي الحالة هنا مماثلة لمساجلة نيتشه في "أفول الأصنام" بأنه غير الممكن الحكم على الحياة بأنها إما قيمة أو غير ذات قيمة في ذاتها، لأن المعايير التي نلتمسها للتوصل إلى هذا الحكم هي ذاتها جزء من الحياة.&
&
المراجع:
(1) ميغل ده أونامونو، الشعور المأساوي بالحياة، ترجمة على إبراهيم أشقر، ، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 2005، ص 54.&
(2) تيري انجلتون: معنى الحياة، ترجمة عهد علي ديب، دار عبير للطباعة والنشر، ص112.
(3) المرجع نفسه، ص56.&
(4) ترفيتان تودوروف، الحياة المشتركة، ترجمة منذر عياشي، &المركز الثقافي العربي، &الدار البيضاء، ط1، 2009، ص14.
(5) المرجع نفسه، ص20.&
(6) المرجع نفسه، ص24.&
(7) هيجل، الفن الرموي والكلاسيكي والرومانسي، ترجمة جورج طرابشي، دار الطليعة بيروت، &ط2، 1986، ص 389.&
(8) ترفيتان تودوروف، الحياة المشتركة، المرجع السابق، ص26.
(9) ترفيتان تودوروف، الحياة المشتركة، المرجع السابق، ص36.&
(10) المرجع نفسه، ص42.
(11) ترفيتان تودوروف، الحياة المشتركة، المرجع السابق، ص60.&
(12) لوك فيري، تعلم الحياة، المرجع السابق، ص28.
(13) تيري انجلتون: معنى الحياة، ترجمة عهد علي ديب، دار عبير للطباعة والنشر، ص122.
&
&