تشرح كاثرين ميريدال في كتابها "لينين على متن القطار" كيف أدت رحلة فلاديمير لينين على متن القطار من منفاه في سويسرا إلى السلطة في روسيا في عام 1917 إلى ثورة غيّرت بلاده والعالم إلى الأبد. إنه كتاب ثاقب ومتعاطف، بقلم مؤرخة بارزة من روسيا.

إيلاف: في يوم عيد الفصح (الاثنين 9 أبريل 1917)، شنّ الحلفاء هجومًا في اليوم الأول لمعركة أراس، ما أودى بحياة 160.000 بريطاني، ومن بينهم الشاعر إدوارد توماس. وفي صباح ذاك اليوم المثلج نفسه، صعد رجل روسي قصير القامة أصلع ذو لحية رفيعة، برفقة زوجته و30 من رفاقه، على متن قطار في زيوريخ، حيث كان يعيش في المنفى. كان فلاديمير إيليتش لينين على وشك دخول التاريخ.

لم تكن المقصورة التي استقلّها الثوري المخضرم ورفاقه مقصورة عادية. فعربة القطار هذه من الدرجة الثالثة بمقاعدها الخشبية الصلبة اجتازت طريقًا شاقًا في ألمانيا المكافِحة من أجل الصمود في الحرب العالمية الأولى. ورُسم خط بالطبشورعلى أرض المقصورة ليفصل بين المرافقين العسكريين الروس والألمان، لأنّ البلدين كانا في حالة حرب، وسفر لينين بشكل سري في مقصورة محجوبة يمثل آخر محاولة يائسة لحكومة القيصر في برلين.

راهنوا على أن تهريب لينين إلى سانت بطرسبرغ الثائرة، وحضور ذاك الزعيم البلشفي الكاريزمي، من شأنه أن يسبب ما يكفي من الفوضى لسحب روسيا من الحرب. وهذا بدوره، ربما يسمح للألمان بأن يركزوا قواتهم على هزيمة البريطانيين والفرنسيين على الجبهة الغربية قبل أن تتمكّن الولايات المتحدة الجبارة - التي دخلت الحرب في الشهر نفسه – من منح الحلفاء النصر.

طاعون عصوي
نجح رهان الألمان بشكل يفوق أقصى طموحاتهم، متحوّلًا في الواقع إلى كابوس بالنسبة إليهم، وباقي القوى الرأسمالية. أما لينين الذي وصفه تشرشل بأنّه "طاعون عصوي" تمّ إدخاله بشكل غير متقن في الجسم السياسي المائع لروسيا، فقد نجح بقوة الإقناع المطلقة وإرادته العنيدة، في إقناع رفاقه الأكثر حذرًا بأنّهم يستطيعون تولّي سلطة حزبهم البلشفي المنضبط والمنظم. وفي شهر أكتوبر ذاك، سحبوا السلطة من أيدي الحكومة الضائعة الموقتة بعد الثورة، وأسسوا أول دولة شيوعية في العالم.

كاثرين ميريدال، وهي مؤرخة من روسيا من ذوي الخبرة والحماسة، اختارت اللحظة المحورية من ملحمة لينين البطيئة والمتردّدة لتخبر كيف خطف هذا المتعصب العديم الرحمة ثورةً وأعاد تشكيلها وفقًا لتصوّراته الخاصة القاسية والقاتمة، في كتابها "لينين على متن القطار" Lenin on the Train (منشورات آلن لاين؛ 252 صفحة؛ 25 جنيهًا إسترلينيًا؛ تنشره منشورات ميتروبوليتان في الولايات المتحدة في مارس الحالي)، وبأسلوبها الروائي السهل وخيالها الخصب - حيث تخبرنا حتى إلى ماذا كان لينين ينظر حين كان يحدق من نوافذ القطار – تتتبع ميريدال رحلته أسبوعًا، من ألمانيا عبر السويد وفنلندا إلى روسيا التي لم يرها 20 عامًا تقريبًا.&
وفي الوقت نفسه، تَحبك بمهارة الثورة التي تتكشف في سان بطرسبرغ وخلفية منفى لينين فترة طويلة، وخصوصًا الخلافات الأيديولوجية الوحشية بين البلاشفة "المتطرّفين" والمناشفة "المعتدلين".

طاغية مستبد قاتل
عندما اندلعت ثورة فبراير في روسيا، وجد لينين نفسه محصورًا في سويسرا النائمة المحايدة. وكان الطريق الوحيد إلى البيت عبر ألمانيا، وهكذا، فإنّ الزعيم البلشفي المنفي والمحبط بشكل مؤلم، الذي يعمل من خلال وسيط متملّق سُمّي عن جدارة بـ"هلبهند" (أي يد المساعدة)، قد تفاوض على صفقة ليعود وأتباعه إلى روسيا. واستخدم خصومه تعاونه مع العدو لتشويه سمعته باعتباره خائنًا، لكنّ ميريدال تكتب صفحات عدة تثبت أن لينين المتزمت لم يتلق الذهب الألماني لنفسه، كما زُعم - قبل إفساد حجتها من خلال الاعتراف بأنه قد يأخذ روبلات من الشيطان نفسه من أجل تحقيق أهدافه الثورية.

تعترف ميريدال بإيجاز وبداعي الواجب، أن لينين أثبت أنّه طاغية مستبد قاتل عند وصوله إلى السلطة، ويبدو في الغالب أن الكاتبة تنسى هذا وتبدي في الجزء الأكبر من الكتاب إعجابًا رومانسيًا بقوة عقله، ومقصلة احتقاره للعصاة المنحرفين، وأسلوب حياته البيتية، والقوة المطلقة لشخصيته الفولاذية، غير أننا نعلم جميعًا نتيجة ذلك.

وفي خاتمة مأساوية، تسرد ميريدال مصائر الكثير من أولئك الذين سافروا معه على متن القطار: فقد تعرّضوا للتعذيب، وإطلاق النار، والسجن، والمنفى، أو اختفوا ببساطة في ليلة منهكة في معسكرات عمل ستالين. وكانت هذه الوجهة النهائية لقطار لينين.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". المادة الأصلية منشورة على الرابط الآتي:&
https://www.theguardian.com/books/2016/oct/23/lenin-on-the-train-catherine-merridale-biography-review