أفضل القصص القصيرة دائما هي التي يجب أن تطاردك لعدة أيام وأسابيع لتحتل حيزا من تفكيرك &فتعيشها بشخوصها وأماكنها، بواقعيتها وخيالها، ولأننا أمام فرضيات مقلقة تماما بأن الكوارث يمكن أن ترتفع في حياة أي شخص دون سابق إنذار، فإننا تحدونا رغبة شديدة بالتوقف عندها والإفادة منها في حالة عودتها، هذا ما توقفت عنده الكاتبة إيمان العبيدي في مجموعتها القصصية القصيرة " قوت القلوب " الصادرة في نهايات العام 2016 عن مكتب زاكي للنشر ببغداد لتقولها حكمة بالغة عبر خمس عشرة قصة كانت الأولى " عشق راهبة " وأنهتها بقصة " أربعة قلوب &.
&والحبل السري الذي ربط جميعها، هو ذاك ضميرها المتكلم حيث راحت تسرد علينا حقائق معقدة بلغة غير معقدة جعلت من السلوك البشري ساحة انطلاق ومراقبة، هي تكتب عن ديناميات متعددة داخل مجتمعنا منها العاطفة كما في " عشق راهبة " و " قوت القلوب " التي حملت عنوان المجموعة القصصية، هي تلتقط الخوف والذعر المحيط بهم ولكل فرد من هذه المجتمعات قصة ولهذا السبب تجدها - أي الكاتبة - &وكما يقول الناقد علي حسن الفواز في إحدى مقدمات هذه المجموعة :
" لا تكتفي كتابة القصة القصيرة بمقاربة الأفكار والبحث عن المعنى الذي تستنبطه الحكاية، بل أن التمثل السردي عبر السرد والدلالات هو أكثر ما يجعل هذه الكتابة فاعلة وحقيقية، وأحسب أن قصص إيمان العبيدي ( قوت القلوب ) مسكونة بحيازة الهاجس الأخلاقي الوعظي الذي يجعل من المبنى الحكائي لهذه القصص أكثر تمثلا لسرديات هذا الهاجس، حيث تتبدى الفكرة الأخلاقية وكأنها المهيمن الذي يفرض ( رسالته ) وفكرته، ويجذب القارئ إلى حمولاتها النفسية، والتعبيرية .. " .
هنا تجلت لنا الرؤيا بأكمل صورها ووضحت فكرة قصص العبيدي حيث جعلت حكمتها تتمدد جميعها باتساق شخوصها وواقعها كليا حيث قذفت بأفكارها لتلامس ذائقة المتلقي من قبل أولئك الذين هم موجودون فيه كل يوم وبأسلوب متقن، اختيار الكلمة، بنية الجملة، وبأنماط مشتركة لا يفصل بينها سوى أنها تعيش معنا على حد قول جيمس جويس وجيمس باترسون، كما في " سيدة الغجر "، أو " ماذا لو عدت صبية " توكيدا لما قلته عن تقنياتها في الكتابة :
" لو عدت صبية .. لتزوجت برجل أرغبه وأعشقه، أرى ملامحي على وجهه وجمالي في عينيه وأحلامي على جبينه فأطلق معه أحلامي البيضاء بلا وجل .. فيطوقني بحبه ويدفئني بصدقه .. ولن أتنازل عن قبلة الصباح .. يا إلهي .. كم كنت سأكتفي به قلبا وروحا وعقلا ... " .
و " أحمد "، " الجدة وزائر الليل "، " رصاصة طائشة "، لا زالت تلك البنية السردية تجذبنا إلى لغتها التي بدأتها في قصتها الأولى مع أنها تتضمن الكثيرلإثارة نظرتنا لها، وأنا من الذين يميلون إلى تفضيل النمط على الهيكل الذي قد يتصدع إذا لم يكن بناؤه محكما والقصد هنا ليس إحياء النقاش المتعب بين الفن " العالي " و " المنخفض " لتلك التقنيات المتبعة في كتابة القصة القصيرة بقدر ما هو إشادة بهذه البنية الغنية بالإمكانات الإبداعية التي حفلت بها المجموعة القصصية للعبيدي التي رأيت سلعتها قد انطوت على تفاعل كبير بين المنتج وخلاصته والذي يمكن أن يحاكي ممارسات الكتابة الإبداعية لدى الكثير من كتاب القصة المعروفين، والذين سيأتون على قراءتها سيتلمسون ذلك بالتأكيد .
&