بعدما كانت أوروبا معقل القيم الديمقراطية الليبرالية في العالم، عليها أن تواجه الآن شياطين ظنت أنها دفنتهم منذ زمن طويل.
إيلاف: تهدد الأمراض القديمة، مثل النزعة القومية الشعبوية، ومعاداة السامية، والتوسع الإقليمي، فضلًا عن خطر الإرهاب المتمثل في هجمات تنظيم داعش على مدن أوروبية مختلفة، تهدد بتقويض صرح التوافق الذي أُنشئ في القارة بعد الحرب.
شبح موسكو
يتناول الصحافي جيمس كيرتشيك في أول كتاب ينشره The End of Europe: Dictators, Demagogues, and the Coming Dark Age "نهاية أوروبا: دكتاتوريون وديماغوجيون والعصر المظلم المقبل" (منشورات يالي برس الجامعية، 19.83 $، والمكون من 288 صفحة) يتناول صعود هذه القوى، التي دفعت بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، ودور موجة المهاجرين في توتير العلاقات بين المجتمعات الأوروبية ومكوناتها المسلمة.
الإرهاب والشعبوية يتسابقان على إنهاء الكيان الأوروبي |
ويستعرض الكاتب طموحات روسيا، التي تخيف دولًا، من إيستونيا إلى أوكرانيا. وإذ يهدد الرئيس ترمب بالتخلي عن دور الولايات المتحدة التقليدي في ضمان أمن أوروبا، فإن كيرتشيك لا يستبعد أن تجد أوروبا نفسها وحيدة في مواجهة هذه التحديات التي لا سابق لها.
يوجه المؤلف انتقادات لاذعة إلى زعيم حزب الاستقلال البريطاني السابق نايجل فاراج والمحافظين الأميركيين، الذين ينظرون إليه بإعجاب.
نمو الدكتاتوريات
يتذكر كيرتشيك أن فاراج وصف الأزمة الأوكرانية بأنها نتيجة "إسقاط زعيم منتخب ديمقراطيًا بانقلاب نفذه في الشارع أشخاص يلوّحون بأعلام الاتحاد الأوروبي". ويرى فاراج وإضرابه أن ضم روسيا إلى شبه جزيرة القرم رد فعل مفهوم على "الإمبريالية الأوروبية". ويقول كيرتشيك إن هؤلاء يعيشون في عالم مقلوب أخلاقيًا يشبّه الاتحاد الأوروبي بالاتحاد السوفيتي، ويحترم فلاديمير بوتين بوصفه حامي حمى الغرب الأخلاقي.
كما يحذر الكاتب من أن النسيج الاجتماعي الأوروبي في خطر بسبب فشل أوروبا في معالجة قضية اللاجئين والمهاجرين وميلها إلى اعتماد حلول قومية ضيقة ردًا على مشكلة عريضة مشتركة وسجلها الخائب في استيعاب مسلميها.
يقول كيرتشيك إن عجز أوروبا عن رسم "سياسة خارجية متماسكة وقوية تعالج أزمة المهاجرين من مصدرها" تركها تحت رحمة حكام مستبدين على أطرافها، مثل بوتين، الذي يصوّر نفسه شريكًا ضد داعش، وفي الوقت نفسه يقصف فصائل المعارضة المعتدلة ضد نظام حليفه بشار الأسد، الذي تهرب غالبية اللاجئين من بطشه.
دعاية تعمق الانقسامات
ويلاحظ كيرتشيك أن روسيا استغلت أزمة اللاجئين لخدمة أغراضها في التضليل الإعلامي قائلًا إن الانطباع الذي تكون لدى كثير من الأميركيين بأن أوروبا قارة تجتاحها أفواج من المهاجرين، يعود في الأصل إلى تأثير الدعاية التحريضية الروسية، وأن هذه الدعاية توفر منطلقًا وشرعنة للقوى اليمينية والقومية المتطرفة والمعادية للمهاجرين، بهدف مفضوح هو تعميق الانقسامات الأوروبية.
ربطت هذه الدعاية ما حدث من اعتداءات جنسية في ألمانيا مثلًا بفتح الباب لقدوم اللاجئين، حتى إن الأميركيين يظنون أن هذا يحدث كل ليلة في أوروبا. لكن الكاتب يلفت إلى دراسة أخيرة أجراها مركز الأبحاث الأوروبية وجدت "أن لا علاقة بين عدد اللاجئين وعدد جرائم الشارع في ألمانيا".
إعادة صياغة التاريخ
ويتناول الكتاب نشاط القوى الانتقامية في روسيا، ناقلًا عن الكاتب المسرحي والمسؤول السوفيتي السابق ألكسندر غيلمان أنه "يجري إعداد المجتمع الروسي للفكرة القائلة إننا قد نخوض" حربًا عالمية أخرى. وأُطلقت بإشراف بوتين حملة لإعادة كتابة التاريخ في روسيا، حيث رُد الاعتبار لسمعة ستالين، وعُدّ خروج أوروبا الوسطى والشرقية من دائرة النفوذ السوفيتي "بتر أعضاء".
يختتم كتاب "نهاية أوروبا" بتحذير من أن انهيار أوروبا سيكون كارثة. ويقول المؤلف إن "أوروبا فكت ارتباطها بقيم التنوير التي جاءت بها إلى العالم وجاهلة وغير مستعدة لحماية منجزاتها الحضارية وأسيرة ديماغوجيين شوفينيين، أوروبا تتقاعس عن حماية نفسها، أوروبا بلا يهود، مغتربة عن أميركا، وخانعة لروسيا، ومنكفئة إلى حالتها التقليدية في الطبيعة، حيث تسعى دولها إلى خدمة مصلحتها الأنانية على حساب الوحدة، كل هذا لن ينذر بنهاية أوروبا كما نعرفها، بل إن مثل هذا الانهيار سيدشن عصرًا مظلمًا جديدًا".
التعليقات