كان (فرنسا): تطرّق مهرجان كان السينمائي الجمعة إلى موضوعي الدين والسياسة مع عرضه فيلم "صبي من الجنة"، وهو عمل تشويقي تدور أحداثه داخل جامعة الأزهر في القاهرة التي تمثّل أهم مؤسسة متخصصة في العلوم الإسلامية السنّية.

وتدور أحداث الفيلم، وهو من إخراج السويدي من أصل مصري طارق صالح ("حادث النيل هيلتون")، بعد وفاة الإمام الأكبر للأزهر الذي يُعتبر مرجعية لملايين المؤمنين.

وتنطلق بعد وفاته معركة حول من سيخلفه يتنافس فيها رجال الدين والإخوان المسلمون وأجهزة أمن الدولة مع الأئمة. ويشكل تعيين خليفة للإمام الأكبر قضية شائكة يرغب الجميع في التدخل بها واللجوء من دون أي رادع لأي خطوة قد تخدم مصلحتهم.

ووسط كل هذا الصراع، يظهر آدم، وهو ابن صيّاد متحدر من عائلة متواضعة وصل حديثاً إلى الجامعة. وتتبدّل الأحداث كلّها عندما يُقتل في الجامعة طالب أُرغم على لعب دور عميل سري لصالح جهاز أمن الدولة.

ولاستكمال مهمة الطالب المقتول، أجبر ابراهيم، وهو ضابط في أمن الدولة، الشاب آدم على العمل بدوره لصالح الجهاز الرسمي. وعلى مدى نحو ساعتين، تتوالى الأحداث التي أخرجها طارق صالح بين الأدلة والادعاءات الكاذبة، واستند المخرج إلى كلاسيكيات أفلام الإثارة في ديكور نادراً ما يتم اللجوء إليه، وهو عبارة عن مقاهٍ في القاهرة أُنشئت "على الطراز الأميركي" ويلتقي فيها عناصر أمن الدولة والعملاء بجانب الجامعة.

ويؤدي دور ضابط الشرطة الممثل اللبناني المقيم في السويد فارس فارس. أما دور الشاب آدم فأُسند إلى توفيق برهوم المولود في إسرائيل والذي أنهى حديثاً تصوير فيلم عن حياة المسيح للمخرج الأميركي تيرينس ماليك.

وراودت المخرج فكرة الفيلم بعدما أعاد قراءة "اسم الوردة"، وهي رواية للكاتب الإيطالي اومبيرتو إكو تدور أحداثها في أحد الأديرة. واعتبر المخرج السويدي من أصل مصري الذي يسعى إلى الفوز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في حديث لوكالة فرانس برس السبت أن "الغرب مهووس بالإسلام وفي الوقت نفسه لا يفهم هذا الدين إطلاقاً".

وأوضح: "كنت أعيد قراءة هذا الكتاب عندما سألت نفسي: "ماذا لو أخبرت قصة من هذا النوع ولكن في سياق إسلامي؟"".

وأضاف صالح الذي يقدّم في فيلمه لمحة من الداخل عن جامعة الأزهر في القاهرة التي تمثّل أهم مؤسسة متخصصة في العلوم الإسلامية السنّية "أعتقد أن الغرب لا يفهم أي شيء إطلاقاً عن الإسلام".

وعلى غرار "حادث النيل هيلتون" الذي صوّر في المغرب، لم يصوّر "صبي من الجنة" في مصر بل في تركيا. ولجأ إلى مسجد السليمانية في اسطنبول ذي الهندسة المعمارية والديكور المميزين.

وقال صالح "لم أعد إلى مصر منذ تصوير "حادث النيل هيلتون" عام 2015 ، عندما أمرتنا أجهزة الأمن المصرية بمغادرة مصر. منذ ذلك الحين، أصبحت شخصاً غير مرغوب فيه سيتم توقيفه حتماً إذا وطأت قدمه الأراضي المصرية".

وثمة قدر كبير من السيرة الذاتية في هذا الفيلم الروائي وغير الوثائقي. وأوضح صالح أن جدّه، "كما الشخصية الرئيسية" في الفيلم، "من قرية صيادي سمك صغيرة ودرس في جامعة الأزهر".

وشدد على أن فيلمه "بمثابة رسالة حب إلى مصر" و"تحية" إلى أجداده.

وأكّد صالح الذي تعرّف إلى بلد والده وهو في العاشرة، أن لمصر مكانة خاصة في حياته. وقال "أحب المصريين ولغتهم ... وهي كالموسيقى بالنسبة لي عندما أسمعها، مع أن مستواي في اللغة العربية كارثي! ".

ولم يكن طارق صالح دائماً مخرجاً، إذ بدأ حياته المهنية كفنان شارع ، ثم اتجه إلى الأفلام الوثائقية. وفي العام 2005 ، فاز الفيلم الوثائقي الذي أنتجه عن سجن غوانتانامو العسكري بجوائز في الولايات المتحدة وأوروبا.

ورداً على سؤال وكالة فرانس برس عن مسيرته كمخرج قال بجدية "أكره أن أكون مخرجا". وأضاف "لقد جئت من عالم الفن والرسم وأحب أن أكون وحدي. أكره أن أكون مع 200 شخص في موقع تصوير، فهذا أمر يزعجني كثيراً مع أني أحب السينما".

وأوضح أنه يرتاح أكثر إلى أن يكون "كاتباً". فعلى غرار هارلان كوبن وجون غريشام اللذين يُعتبران من أبرز كتّاب الروايات البوليسية، يغذي صالح كل سيناريو يؤلفه بحبكات متشابكة ومعقدة. وقال "في كل مرة يُطلب مني التبسيط، وإلا فلن يفهم أحد".

وقال الممثل اللبناني المقيم في السويد فارس فارس الذي يؤدي دور ضابط الشرطة في "صبي من الجنة" لوكالة فرانس برس "طارق في نظري مخرج وكاتب سيناريو رائع بالإضافة إلى كونه صديقي المفضل".