فهد الشثري

تواجه الولايات المتحدة مشكلات اقتصادية حادة تزيد تعقيداتها يوماً بعد يوم، ما قد يكون بالفعل أدى إلى وقوع الاقتصاد الأمريكي في شرك دورة ركود اقتصادي لا يعلم مداها إلا الله، وما سيؤدي بالتأكيد إلى جر الاقتصاد العالمي في دوامة هذا الركود الذي سيطال أغلب الاقتصادات العالمية الرئيسة دون استثناء بما فيها النفطية منها كاقتصادات دول الخليج العربية. فالاقتصاد الأمريكي يقع الآن بين فكي كماشة أسعار النفط المرتفعة والدولار الأمريكي المنخفض من جهة، وبين مشكلات الرهن العقاري من جهة أخرى. والأولى تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم والتأثير في القدرة الاستهلاكية للفرد الأمريكي، بينما تضرب مشكلات الرهن العقاري بشكل كبير في عمق أسواق الائتمان بزيادة مخاطر الإقراض، ومن ثم تجر معها المؤسسات المالية المختلفة إلى دوامة الهبوط الحاد. والسياسة النقدية تعالج المشكلة الأولى برفع سعر الفائدة بينما على العكس من ذلك تعالج الأخرى بخفض سعر الفائدة. ومن هنا يبقى على واضع السياسة النقدية مسألة التقدير الصعب للأولويات وللمخاطر، فإن كانت مخاطر التضخم أكثر على الاقتصاد توجب رفع سعر الفائدة، أما إن كان واضع السياسة الاقتصادية يرى أن مخاطر النمو الاقتصادي متزايدة فعليه تفضيل هذه على تلك والعمل على تخفيض سعر الفائدة من أجل تحفيز الاقتصاد.
وبسبب ذلك يواجه رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن بيرنانكي موقفاً صعباً يتمثل في مقارنته بسابقه المخضرم آلان جرينسبان. إذ يرجع الكثير من المراقبين للوضع الاقتصادي الأمريكي السبب في هذا التدهور إلى السياسة التي اتبعها بيرنانكي في إدارة لجنة سياسات السوق المفتوحة FOMC والتي تجتمع كل ستة أسابيع لتقرر الوضع المتعلق بسعر الفائدة. حيث يرى هؤلاء أنه على عكس جرينسبان، يتبع بيرنانكي منهجاً ديموقراطياً في إدارة اللجنة، حيث لا يعارض مسألة قيام كل من أعضاء اللجنة بتقديم تصريحات متعلقة بالوضع الاقتصادي من وقت لآخر. وهذا حسب المراقبين يجعل من الصعوبة توقع اتجاهات سعر الفائدة التي ستقررها لجنة سياسات السوق المفتوحة كما يؤدي في الوقت نفسه إلى إرسال إشارات متضاربة إلى السوق تؤدي في النهاية إلى اضطراب الأسواق المالية. إذ إن بيان اجتماع اللجنة خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والذي قررت فيه خفض سعر الفائدة بمعدل 0.5 نقطة مئوية، فهم منه أنه لن يتم إجراء أي تخفيض آخر لسعر الفائدة، ومع ذلك فقد تم التخفيض. ويبدو أنه سيكون من الصعوبة على بيرنانكي التعود على طريقة التصريحات المتميزة التي كان جرينسبان يقدمها، إذ مثلت بياناته الصحافية ألغازاً يصعب فك رموزها للتكهن بما سيكون عليه قراره في كل اجتماع. ومن الطريف أنه ولفك هذه الرموز ولمحاولة توقع توجه جرينسبان المستقبلي فقد دأب البعض على تتبع جرينسبان عند ذهابه إلى اجتماع لجنة سياسات السوق المفتوحة، فإن كانت حقيبة اليد التي يحملها ممتلئة، فمعنى ذلك أن الوضع الاقتصادي حرج، فإما رفع لسعر الفائدة بسبب التضخم، أو خفض بسبب التباطؤ الاقتصادي.
السؤال من هو المنقذ من هذا المأزق؟ وما الحل؟ في الواقع أصبحت دول الخليج (بجانب دول أخرى) في طرفي معادلة الحل لمشكلات الاقتصاد الأمريكي، أي أنها ndash; أي دول الخليج ndash; تتحمل عبء عملية إصلاح الوضع المتأزم وفي طرفي المعادلة. فمن حيث تحفيز الاقتصاد الأمريكي فتخفيض سعر الفائدة أصبح أمراً لا شك فيه، ويتوقع أن يبلغ خلال اجتماع نهاية الشهر 0.5 نقطة مئوية وليبلغ معدل الفائدة على القروض قصيرة الأجل 3.75 نقطة مئوية. هذا بحد ذاته قد يحل جزءاً من المشكلة، إذ قد يشجع الأسواق ومن ثم تنتعش أسواق الائتمان ويرتفع مستوى ثقة المستهلك والمستثمر على السواء. لكن على الجانب الآخر فالتأثير الحتمي في سعر صرف الدولار هو الهبوط. والمتأثر الأكبر من هذه المشكلة ليس المستهلك الأمريكي فقط، ولكن أيضاً المستهلكين في الدول التي تقيم عملتها بالدولار الأمريكي كدول الخليج العربية، ما يتطلب من البنوك المركزية الخليجية التصرف حيال هذا الوضع المتدهور للدولار الذي لا يبدو أن له حلا في الأجل القصير. أما على الجانب الآخر فمستثمري دول الخليج يعملون الآن بجانب مستثمرين من دول أخرى كفريق إنقاذ للمؤسسات المالية الأمريكية المتعثرة كـ quot;السيتي بانكquot; وquot;ميريل لنشquot; وغيرها. إذ في حين أن الاستثمار في هذه المؤسسات المالية لا يمثل مصدر جذب عالمي لتدهور أوضاعها المالية بسبب انزلاقها في مشكلات الرهن العقاري، يأتي هؤلاء المستثمرون بطوق النجاة لهذه المؤسسات لإخراجها من وضعها المتعثر. وفي رد فعل على هذا الوضع يشير أحد أستاذة الجامعات الأمريكية في افتتاحية quot;الوول ستريتquot; يوم الأربعاء، 16 كانون الثاني (نوفمبر)، 2008 إلى (أنه من المضحك أنه في حين اعتدنا على أن تقدم الولايات المتحدة طوق النجاة للمؤسسات المالية المتعثرة في الدول الأخرى، تأتي المساعدة للولايات المتحدة من الخارج)، ويبدو أن صاحبنا هذا نسي أن الولايات المتحدة مدينة للعالم بما يزيد على تريليوني من الدولارات تمثل قيمة سندات الخزانة الأمريكية المملوكة لدول مثل اليابان والصين والدول النفطية والبرازيل وغيرها.