بعد أربع سنوات من الهزّات السياسية والأمنية، يعود الهدوء نسبياً ليخيّم على بلاد الأرز، ويجعل اللبنانيين ينعمون بفرح العيد وبركته. ولأن موسم الأعياد هو موسم الهدايا والطعام واللباس، تزداد الحركة التجارية في هذه المرحلة، مع توجه الأفراد إلى الأسواق لشراء مستلزماتهم. ولمعرفة نبض السوق وحقيقة نشاطه بعد تدهوره منذ عام 2005، جالت quot;إيلافquot; في quot;مولاتquot; ومحال تجارية في مختلف المناطق اللبنانية واستطلعت آراء بعض التجار والبائعين.

فانيسا باسيل من بيروت: موسم الأعياد يشكّل مصدر دخلهم الأكبر سنوياً. quot;المولاتquot; والمحال التجارية في لبنان باختلافها على جهوزية تامة على مدار الساعة لاستقبال الزبائن الذين ينفقون في هذه الفترة في شكل كبير. يفتحون أبوابهم منذ ساعات الصباح الباكرة، ويغلقونها في ساعات متأخرة من الليل.

محال الثياب والطعام والألعاب هي الأكثر حظوظاً من حيث المبيع، إذ لا بدّ لكل شخص من شراء ثياب جديدة بمناسبة الأعياد، مهما كان حجم قدرته الشرائية ومدخوله الشهري. ولا يقل الطعام أهمية، خصوصاً للذين قرروا قضاء ليلة رأس السنة في منازلهم. العشاء في هذه الليلة لا يكون كباقي الليالي، بل يتميز بأصناف جديدة ومتنوعة.. وربما فخمة. أما حجم الإقبال على شراء الثياب، فبالإمكان لمسه بمجرد مشاهدة كمية الناس الذين يتزاحمون في الرف الواحد أو الذين يقفون في الصف للدفع على الصندوق. بعضهم يقضي ساعات يتنقل من محل إلى آخر أو بين رفوف المحل الواحد للحصول على quot;قطعةquot; ترضي ذوقهم، وتبديهم في أبهى حلتهم ليلة رأس السنة. والبعض الآخر يدور ويدور مفتشاً عن ألبسة ترضي الصديق أو الأب أو الحبيب لحملها هدية بمناسبة الأعياد المجيدة.

آخر موضة
ولا عجب أن يتخّذ الأولاد الاهتمام الأكبر في هذه الأعياد. تلتقي بهم أينما تنقلت في الأسواق. يجولون في المحال برفقة والديهما لاختيار هداياهم بأنفسهم، خصوصاً الثياب. وإن أعجبهم المعروض، لا تتردد الـquot;مدامquot; بشرائه فوراً. فكما تشير صاحبة أحد المحال التجارية الخاصة للأطفال في منطقة جونيه (شمال بيروت)، فإن أهم ما في الأمر هو أن تكون القطعة quot;نيو كولكشنquot; وquot;آخر موضةquot;. وتنتقد بالقول: quot;تريد الأمهات أجمل وأغلى الألبسة لأولادهن، وتمضي نصف ساعة من الوقت تشارع على سعرهاquot;.

وللتوفير مستقبلاً، تطلب قياساً أكبر من قياس ولدها الحاليquot;. هذا الواقع يعكس تماماً حتمية شراء الألبسة، رغم الوضع الاقتصادي لكل أسرة وحب المظاهر في طبيعة اللبناني، الذي لا يوفر وسيلة ليواكب العصر والموضة، مهما ضاقت به حالته المادية.
في شكل عام، يبدو أصحاب متاجر الثياب والألعاب راضين عن حركة السوق هذا العام. وهم يدركون تماماً حجم الأهمية التي يعيرها الناس لسلعهم في موسم الأعياد. quot;لا يمكنك أن تحرمي الطفل من لعبةquot;، تقول صاحبة محل ألعاب في بيروت، مبتسمة بثقة، ومعربة عن ارتياحها لنبض العمل هذا الموسم. ولا تخفي فخرها بالـquot;تشكيلة الكبيرةquot; التي تقدمها للزبائن، بحيث تلبي الطلبات كلها.

جمود الكتروني
ولكن الاكتفاء الذي تشعر به محال الثياب والألعاب والحلويات، لا ينطبق على المحال الأخرى. وفي حين يجد البعض أن الإقبال عليها دليل إيجابي على الحركة الاقتصادية، يرى البعض الآخر أنه ليس مؤشراً كافياً لقياس القدرة الشرائية لدى اللبنانيين واستعدادهم للإنفاق. quot;أين المرجلة في أن يشتري الناس الألبسة والطعام في موسم الأعياد؟، فهذا أمر طبيعي ولا بد منه. ولكن لا يعني شيئاًquot;. هذا ما يعبّر عنه إيلي نهرا، صاحب إحدى شركات الكمبيوتر، والذي يملك محلاً للأدوات الالكترونية في منطقة جبيل.
نهرا يبدو مستاء من الحركة الجامدة هذا الموسم، ويشير إلى أن نسبة أرباحه انخفضت أكثر من 50% مقارنة مع السنة الفائتة. quot;كنت أغلق المحل الساعة العاشرة العام الماضي في مثل هذا الوقت تماماً. أما الآن فلا أفتح لأكثر من السابعة مساء. الناس تفصل الأسعار وترحل. لا أحد يشتريquot;. أما في ما يتعلق بالتسهيلات التي تقدمها هذه المحال، نظراً إلى طبيعة أدواتها باهظة الثمن فيقول: quot;التقسيط مسموح. إنما الناس تخشى من معاملات البنوك. فالجميع يرفض التقسيط على البنكquot;.

تأثير الأزمة العالمية
أما أسباب الجمود في بعض الأسواق، فيعيدها التجار من جهة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، التي يرون أن معالمها بدأت تتضح الآن، وإلى اتجاه الناس نحو العقارات من جهة أخرى، خوفاً من ارتفاع أسعارها في ما بعد. الأمر الذي انعكس انكماشاً في الإنفاق. ويبدي تاجر الأدوات الالكترونية استياءه من الوضع قائلاً: quot;التحضير للأعياد يبدأ عموماً منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. لكن هذه السنة لم يكن الوضع كذلك. الحركة نسبة لشهر أعياد أقل من عادية. إننا لا نشعر بالعيدquot;.

وترتفع نقمة تجار أدوات الكمبيوتر على محال الأدوات الكهربائية الكبيرة، متهّمينهم باستغلال الأعياد، عبر تقدمة أسعار خيالية بمواصفات عالية لـquot;لابتوبزquot; وأدوات كمبيوتر. الأمر الذي يخلق مضاربة في السوق. ويشكل ضرراً على عمل التجارات الصغيرة غير المحمية من الدولة.

الفنادق quot;فوّلتquot;
وبعيداً من أجواء المحال التجارية، تبقى المؤسسات السياحية المستفيدة الأكبر من موسم الأعياد. مدير إحدى أكبر المشاريع السياحية في منطقة البقاع الغربي (جنوب شرق بيروت) يشير إلى أنه تم حتى الآن حجز ثلاثين غرفة في فندق المشروع لليلة رأس السنة من أصل سبع وأربعين، حيث يوجد في كل غرفة أربعة أسرّة، علماً أن سعر الليلة الواحدة يبلغ 200$. إضافة إلى حجز أكثر من 250 بطاقة من أصل 380 في المطعم الذي يستقبل فرقة موسيقية وquot;وان مان شوquot; ببطاقة سعرها 88 دولاراً.

تجدر الإشارة إلى أن لبنان يستحوذ على أكبر عدد من النجوم لحفلات ليلة رأس السنة، التي تراوح أسعار بطاقتها من 200 إلى 800 دولار أميركي، وفي فنادق الخمس نجوم تصل إلى أكثر من 1000 دولار، في حين تقدم المطاعم العادية سهرة مع مطرب وراقصة وquot;دي جايquot;، بدءاً من 75 دولاراً، ووصولاً إلى 200 دولار كحد أقصى. والإقبال على حجز البطاقات جيّد حتى الآن على ما يقول بعض أصحاب المطاعم في بيروت.

ويبقى على اللبناني والسائح أن ينظّم موازنته في فترة الأعياد، بحيث يأكل ويلبس ويهدي ويسهر ويحتفل بوداع سنة 2009 واستقبال سنة 2010 من دون أن يحمّلها هموماً مالية جديدة.