طلال سلامة من روما: عادت تجارة السجائر المهرّبة، لتنفجر مجدداً في إيطاليا، ما ينذر بأن تتحول إلى فقاعة حقيقية، قد تنقذ الفقراء، وأولئك الذين يأسوا من البحث عن وظيفة من براثن الفقر المقذع!، فبرغم تشديد القبضة على قنوات تهريب هذه السجائر، إلا أن الأرباح المرتفعة المتأتية منها (كل علبة سجائر مهرّبة تستطيع توليد لغاية عشرة أضعاف من تكلفة تصنيعها) مغرية جداً.

ما يعني أن مديري هذه التجارة سيجنون عشرات الملايين من اليورو، اعتباراً من العام. وتحتوي كل علبة على 20 سيجارة، يتم تصنيعها في أوكرانيا مقابل 50 سنتاً من اليورو، لتُباع في أوروبا (من روما، وصولاً إلى لندن) بمبلغ يصل أحياناً إلى عشرة أضعاف تكلفة الإنتاج. علاوة على الصين، ثمة عشر دول من أوروبا الشرقية (رومانيا وبولندا وصربيا وليتوانيا وسلوفينيا وغيرها) ضالعة في دعم هذه التجارة. ويقود هذه التجارة رجال مافيا، إيطاليون وبولنديون وروس وصينيون، يبدو أنهم مصرّون على زرع هذه التجارة ثانية في قلب أوروبا. أما المتطوعون لنقل هذه السجائر، من دولة الى أخرى، فبوساطة وسائل نقل لا يمكن لأحد تصورها، كما البيوت السياحية المتنقلة quot;كامبرquot;، فإن عددهم يتضاعف ليضحي جيشاً بكل معنى الكلمة.

على الصعيد الإيطالي، يطلق رجال الشرطة والمخابرات على هذه التجارة اسم quot;Tabacco Connectionquot;. هذه السنة، درّت هذه التجارة على أربابها أكثر من 500 مليون يورو، وهي تتفرع نحو الغرب، حيث توجد خلايا نشطة لعباقرة التزوير الصينيين، ونحو الشرق وصولاً إلى خلايا مافياوية إيطالية نشطة في بولندا.

أما عملية تصنيع هذه السجائر فهي الأسوأ صحياً منذ 30 عاماً. في حال التوقف عند السجائر المصنوعة في الصين، فإنها غير شرعية quot;مرّتينquot;، لكونها تنتهك قوانين السوق الإيطالية، من جهة، وهي مزوّرة في تركيبتها السامة أيضاً، من جهة أخرى. وفي الشهور الـ 18 الأخيرة، تضاعفت أرباح هذه السجائر ثلاث مرات. في موازاة ذلك، فإن عمليات المداهمة والمصادرة باتت لا تحصى ولا تعد. في العام الماضي، صودر 280 طناً من هذه السجائر مقارنة بـ 90 في عام 2006.

ونظراً إلى الأرباح الفلكية، فإن استراتيجيات وطرق التهريب تغيرت بالكامل لتصبح إبداعية!، فالمافيات، التي اختارت دور الإخراج، سلمت نقل هذه السجائر إلى مهرّبين محترفين، يتنقلون جواً وبراً وبحراً، بصورة لا تلفت الأنظار. أما الأرباح المشتقة من بيع هذه السجائر فإن 70 إلى 87 % منها يذهب إلى المافيا. أما البقية فهي مكافأة تذهب لمصلحة المهرّبين.

وتعتبر تجارة السجائر الروسية المهربة الأكثر مردوداً على هذه المنظمات. إذ يتم تصنيع كل علبة منها (تحوي 20 سيجارة) في أوكرانيا مقابل 50 سنتاً من اليورو، لتصل إلى بولندا بسعر يورو واحد، ثم إلى إيطاليا بسعر يتراوح بين 2.5 و3 يورو، ثم إلى بريطانيا بسعر يصل لغاية 8 جنيه إسترليني!. ولكل من يريد الدخول على خط مافيا الإنتاج الصينية، للمشاركة في هذه التجارة، فإن عليه أن يتوقع أرباحاً صافية له، تقدر بعشرين مرة تقريباً أكثر من المبلغ الذي استثمره.