بعد إقرار مجلس الأمة الكويتي قانون إنشاء هيئة سوق المال بعد إنتظار بلغ عقدين من الزمن استطلعت إيلاف آراء عدد من الإقتصاديين الذين علقوا آمالاً عريضة على إنشاء هذه الهيئة لما ستضعه من ضوابط وتدابير وتشريعات تنظم آليات السوق، إلا أن بعضهم تخوّف من أن تكون هذه الهيئة شكلية من دون حركة جديّة وإصلاح حقيقي ونوايا سليمة مما سيجعل الوضع من سيئ إلى أسوأ.

الكويت: أقر مجلس الأمة الكويتي يوم الاربعاء الماضي ndash; فى مداولته الأولى ndash; قانون إنشاء هيئة سوق المال، ويأتي هذا القانون بعد طول إنتظار لسنوات طويلة قد بلغت عقدين من الزمن، وقد إستبشر عدد من المراقبين خيرًا لإقراره بالإجماع من جانب أعضاء مجلس الأمة وهي تعتبر حالة فريدة الحدوث فى الإتفاق والإجماع حول قضية مهمّة تناقش في المجلس، لكن الحكومة الكويتية تصر على أن تكون تبعية هيئة سوق المال إلى وزارة التجارة والصناعة، وفي المقابل يرى أعضاء مجلس الأمة ضرورة تبعيتها إلى مجلس الوزراء نظرًا لحساسيتها وأهميتها للإقتصاد الكويتي.

ويعلق أغلبية العاملين بالسوق الكويتي آمالاً عريضة على إنشاء هذه الهيئة لما ستضعه من ضوابط وتدابير وتشريعات تنظم آليات السوق بينما يخشى بعضهم ممن يملكون شركات ورقية أو وهمية من كشف الهيئة لأمرهم مما سيترتب عليه إما توقفهم عن العمل بالسوق أو توفيق أوضاعهم وفق القوانين المطبقة.

وقد إستطلعت quot;إيلاف quot;آراء بعضالأكاديميين والخبراء والمحللين الإقتصاديين الكويتيين حول إقرار إنشاء هيئة سوق المال وآثارها ونتائجها وإنعكاساتها على السوق المحلي والإستثمار داخل الكويت وغيرها من القضايا.

إيجابية

 د.صادق البسام

في البداية يقول د.صادق البسام رئيس قسم المحاسبة في كلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت: أعتقد أن الآثار ستكون إيجابية على السوق الكويتي، حيث أن هذه الهيئة ستكون قادرة على مراقبة السوق وبناء الثقة بين الشركات من جهة وبين السماسرة quot;الوسطاءquot;من جهة أخرى والمستثمرين من جهة ثالثة، وذلك لأن هناك كثير من القواعد والأعراف والقرارات المطلوب أن يتم ترسيخها في السوق حتى تستطيع أن تكون قادرة على منع أي تلاعب أو سوء إستخدام المعلومات أو أيضا محاولة الإستفادة غير المشروعة من السوق أو التداولات من قبل بعضهم.

ضوابط

وأضاف أن هيئة سوق المال ستقوم بوضع الضوابط القادرة على بناء العلاقة السليمة بين أطراف السوق كما ستمكن من صنع شفافية وإفصاح بشكل أكبر مما هو عليه الآن، وستراقب التصرفات التي تقوم بها الشركات والسماسرة في تصريف أمور السوق، لجنة السوق في الوقت الراهن هي تقوم بوضع التشريعات والضوابط للسوق كما تقوم بتطبيقها، أما هيئة سوق المال ستقوم بوضع التشريعات والقواعد والضوابط وستتأكد من أن هناك إدارة حازمة للسوق تنفذ هذه القواعد.

وأعرب عن أعتقده أن هيئة سوق المال ستكون قادرة على مراقبة الإشراف على مايدور فى السوق ومدى إلتزام الشركات العاملة فيه من تطبيق الضوابط والتعليمات والتشريعات التي وضعت من قبل جهات الإشراف المختلفة، ومن قبل الهيئة نفسها وستكون قادرة على ردع من تسول له نفسه التلاعب في السوق وفي مقدرات الأفراد الذين يعملون على ساحته.

السيولة والثقة

وحول إمكانية معالجة هيئة سوق المال لأزمات الشركات المتعثرة بالسوق الكويتي أكد البسام: أن علاج السوق يحتاج إلى أكثر من إقرار هيئة سوق مال، ووضع السوق يتمحور حول قضيتين هما: أولاً قضية السيولة وهذه تتطلب دخول محافظ وصناديق ومستثمرين جدد لكي يصبح حجم السيولة في السوق بمستوى يحرك عجلة الشركات والإستثمار داخل السوق. أما القضية الثانية فهي الثقة في أدوات السوق في أنها تعمل بسلامة وثقة، وهذا يأتي فى دور هيئة سوق المال، كما يأتي في دور العلاقة بين السلطتين، وكذلك في الجدية من خلال تنفيذ الخطة الخمسية، وهذه الدوافع والعناصر المتمثلة في الثقة والسيولة ستمكن السوق من الخروج من عنق الزجاجة الذي يعيشه حاليا، ولاشك أن التسويات وإعادة الجدولة للشركات المتعثرة لها دور كبير أيضا في إعادة وبناء الثقة للمستثمرين، وجهاز الحكومة يوجه المحافظ والصناديق أن تتحرك بإتجاه الإستنثمارات والأسهم الجيدة ودعمها سيمكن هذه الشركات والمستثمرين من خلق جو إستثماري متفائل.

رقابية

وفي ما يتعلق بالدور المنتظر من هيئة سوق المال خلال الفترة القادمة رأى البسام: أن هذه الهيئة هي هيئة رقابية هامة تدعم الثقة في سوق الكويت للأوراق المالية، وفي سوق رأس المال الكويتي وهذا سيمكن المستثمر الأجنبي من الثقة فى سوق رأس المال الكويتي وسيعطيه إنطباعا أنه منضبط وهناك تشريعات تحكمه وعقوبات تفرض على من يتلاعب بمقدراته، وأيضا هذه الهيئة ستفرض ضوابط لم تكن موجودة في السابق مما سيدفع المستثمر الأجنبي إلى دخول سوق رأس المال الكويتي ويستثمر أمواله.

إنتفاضة تشريعية

وبشأن إرتباط إقرار هيئة سوق المال كخطوة بإتجاه تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي يشدد البسام على أن إقرار هيئة السوق هو أحد الأركان الهامة فى تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي إستثماري، ومعتبرا أن إنشاء هذه الهيئة إنتفاضة تشريعية رقابية فى الإتجاه الصحيح وهي بناء جزء من البنية التشريعية الكويتية المطلوب تواجدها وتوافرها قبل التحول إلى مركز مالي عالمي.

إنضباط وشفافية

وعن طبيعة العلاقة بين هيئة سوق المال وسوق الأوراق المالية الكويتية quot;البورصة quot; يقول البسام: في السابق كان يراقب سوق الأوراق المالية quot;البورصة quot;ويشرف عليها ثلاث جهات وهي كالتالي: وزارة التجارة والصناعة من خلال لجنة البورصة، وإدارة البورصة نفسها، والبنك المركزي بإشرافه على شركات الإستثمار والبنوك، وهذه الجهات الثلاث فشلت فشلا ذريعا فى الأزمات المتكررة والمتتابعة التي حدثت للسوق الكويتي، أما هيئة سوق المال فهي هيئة شاملة وتأخذ الكثير من صلاحيات الجهات الثلاثة وتضعها تحت مظلة واحدة، وكون هذه الهيئة وضعت يدها على سوق رأس المال الكويتي، والذي أحد عناصره هو سوق الكويت للأوراق المالية، لأن هذه السوق رأس المال الأولى يحدث في سوق البورصة عندما تطرح شركات جديدة أو تزيد بعض الشركات رأس مالها وتدخل هذه الشركات من خلال البورصة، ومضيفًا أن وجود هيئة سوق المال تضمن معاملات سليمة عندما تطرح شركات جديدة فى البورصة، ويكون هناك إنضباط وشفافية والقرارات محكومة والنتائج سليمة، وهيئة سوق المال لها دور كبير فى التحكم فى كل هذه القضايا.

ضرورة حتمية

الخبير حجاج بوخضور

ومن جانبه قال الخبير الإقتصادي حجاج بوخضور: أن قانون هيئة سوق المال ضرورة حتمية لعملية التداول وآلية صحيحة وسليمة ترفع من الكفاية في الشفافية وتحد من تضارب المصالح أو الممارسات غيرالسليمة، وإن جاء هذا القانون متأخرًا إلا أنه لابد من الإتجاه في هذا الطريق بإعتباره المنهجية الصحيحة لمعالجة أوضاع تدهور سوق الأوراق المالية والخسائر التي تتحقق في هذه الشركات كجهة رقابية مسؤولة بقدر مسؤوليتها.

أسباب الأزمة

وتابع: quot;ولكن لكي يكون هذا القانون هو الحل لهذا التدهور الذي يشهده السوق حاليا، فلابد من أن نوضح أن الإشكالية هي أولا أن الأزمة المالية في الكويت جاءت من تغييب الرقابة والإخلال بقانون الشركات إلا أن عدالة التمثيل فى مجالس الإدارات وإعتماد وزارة التجارة والصناعة لنتائج إجتماعات الجمعيات العمومية بما يخالف قانون الشركات وذلك بالسماح للشخصية الإعتبارية من الأقلية المسيطرة مصادرة حق الأغلبية المتفرغة من المساهمين بمقاعد مجالس الإدارة للسيطرة على الإدارة وشؤون الشركات، وذلك ما يجب التركيز عليه أيضا بتفعيل دور الجهات الرقابية الأخرى كوزارة التجارة والصناعة ومكاتب التدقيق الخارجية، والبنك المركزي في إكتمال quot;ورشتةquot; معالجة الأزمة المالية، وثانيا :المهم هو تفعيل السياسة المالية بطرح المشاريع لصنع نتائج تشغيلية لهذه الشركات بدلا مما تمارسه الآن بالصفقات البينية والإتجار بالشركات الورقية.

وأضاف أنه لكي نصل إلى تحقيق مركز مالي عالمي لابد من كيانات إقتصادية سواء من مؤسسات وشركات تجارية وإستثمارية في قطاعات الإستثمار والتجارة والصناعة والعقار أن تكون على كفاية ومحكومة برقابة فاعلة لكي تعطي المناخ الإستثماري الجاذب لهذا المركز.

بيئة طاردة

السيد ناصر النفيسى

ومن جهته أكد ناصر النفيسى. مدير عام مركز الجمان للإستشارات الإقتصادية: أن الكويت تعتبر بيئة طاردة لأموال المواطنين، ومنطقيا من الصعب إستقبال أموال الآخرين وتحويلها إلى مركز مالي، ونحن نقدر النوايا الطيبة تجاه الكويت لكنها خارج النطاق، أما هيئة سوق المال فهذا تطور إيجابي ننتتظره منذ عشرين عاما، ولا يوجد مشروع قانون إلا وبه ثغرات وعيوب، ولكن مع التجارب والتطبيقات العملية يمكن سد الثغرات، والحكومة تصر على أن تكون تبعية هذه الهيئة لوزير التجارة والصناعة وهذا أمر غير مقبول، بينما يريد مجلس الأمة أن تكون تبعيتها إلى مجلس الوزراء لأنها هيئة حساسة وتتدخل فيها وزارة المالية والبنك المركزي، ولابد أن تكون سلطة الهيئة فوق الجميع وهي متمثلة فى مجلس الوزراء، وهناك إصرار من الحكومة على أن تكون تبعيتها إلى وزارة التجارة والصناعة في المداولة الثانية لها بمجلس الأمة وهذا يعتبر تكريس للوضع الحالي السلبي لأن الأمور حاليا من سيء إلى أسوأ، فضلاً عن إننا نريد نقلة نوعية وليست شكلية.

أكفاء وأمناء

ورأى أن الأهم من هذا كله هو أن تسند هذه الهيئة إلى أشخاص أكفاء وأمناء قادرين على إدارة هذه الهيئة وهذا مربط الفرس، ولكن الحاليين دون المستوى بالنسبة لخبراتهم وكفايتهم، لذا فلابد من الإستعانة بعناصر وطنية ولا مانع من الإستعانة بخبرات أجنبية سواء كانوا أفراد أو مؤسسات، وذلك لأن الوضع التشريعي والتنظيمي لسوق الأوراق المالية مهلهل لكن الإدارة ضعيفة، ولو كان الوضع أفضل والإدارة قوية وذات كفاية لكان الوضع التشريعي وضع لنا حلولاً لـ70%من المشاكل.

إجتثاث الفساد

وأضاف أن هيئة سوق المال ليست الشيء الجديد ليس كصناديق ومحافظ، وإنما الهدف منها إصلاح الوضع الحالي في السوق، وإجتثاث الفساد ووضع التنظيمات وتطوير التشريعات، لذلك لا نريد شركات جديدة أو إختراعات، وإنما السوق يحتاج إلى تطهيره من الشركات الورقية والوهمية ولابد من المعالجة ووقف النزيف المستمر في السوق.

تفاؤل بشروط

وحول رؤيته المستقبلية للسوق الكويتي بعد إقرار قانون هيئة سوق المال أعرب النفيسي عن تفاؤله للفترة القادمة لكن بشروط منها أن تكون تبعية هيئة سوق المال لمجلس الوزراء، وأن تكون لها إستقلاليتها وأن تضم أعضاء مهنيين ومتفرغين، فضلا عن تغليظ العقوبات للمتجاوزين من الشركات العاملة بالسوق لأنه على مدى 40 عامًا لم توقع عقوبات على شركات مخالفة، وقانون هيئة سوق المال أفضل من الحالي ولابد أن تكون العقوبات مناسبة للجرم الذى يحدث، وهذا كله يدعو للتفاؤل إنما إذا كانت هذه الهيئة مجرد شكلية من دون حركة جدية وإصلاح حقيقي ونوايا سليمة ستتكون من سيئ إلى أسوأ.