يحتدم الانقسام في الجزائر بشأن تداعيات مشروع قانون جديد اعتمدته الحكومة لتنظيم ممارسة الترقية العقارية، حيث يخشى متعاملون من انعكاسه سلبًا على السوق المحلية، وينتقد هؤلاء عدم إشراكهم في صياغة نص تشريعي يخصهم بالدرجة الأولى، في وقت ترى السلطات أنّ القانون أتى ليقوّم انحرافًا مزمنًا ويقطع الطريق على quot;المتلاعبينquot;.


الجزائر: تهلّل الحكومة على لسان وزيرها للسكن والعمران نور الدين موسى للقانون العقاري الجديد، حيث يعتبره المسؤول الأول عن قطاع العقار إضافة نوعية ترمي إلى تأطير أمثل للنشاط العقاري وتكييفه مع التحولات التي تعرفها الجزائر.

ويشرح موسى أنّ القانون في أساسياته يتصدى لانحرافات شهدتها بلاده على مدار سنوات، حيث يستدل برصد احتيالات بالجملة من طرف مرقين عقاريين ومقاولين، وهو واقع عرّته كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب ضاحية الجزائر الشرقية في 21 مايو/أيار 2003، وتسبّب وقتئذ في سقوط 4500 ضحية بين قتيل وجريح، كما تهدّم 9467 مسكنًا وتضرّر 82.581 آخر، رغم أنّها كانت بنايات جديدة آنذاك، لتفضي تحريات إلى quot;غش واضح في معايير البناءquot;.

ويدافع الوزير عن قانون الترقية العقارية بالقول إنّه سيطهّر القطاع، ويقطع الطريق على أي ممارسات غير مسؤولة، فضلا عما يتيحه التشريع المستحدث من آليات رقابة تجعل منظومة العقار الاستراتيجية أكثر ايجابية وتفاعلاً مع رهانات المرحلة المقبلة، التي يتصدرها المخطط التكميلي لدعم النمو الممتد إلى العام 2014.

إلاّ أنّ عموم الناشطين في القطاع من مقاولين ومرقّين، ينتقدون طريقة إخراج القانون المذكور، ولا يستسيغون عدم إطلاعهم على مضمون المشروع. في هذا الصدد، يلفت معمر عبورة، المدير العام لمجموعة متخصصة بالترقية العقارية، إلى أنّه اكتشف القانون المثير للجدل، مصادفة لدى تصفحه إحدى الجرائد المحلية، مستهجنًا عدم تكليف الوزارة الوصية نفسها عناء معرفة رأيه رغم وجوده في الميدان منذ سنوات طويلة.

وعلى غرار العديد من زملائه ومسيّري شركات البناء، لا يستسغ عبورة quot;منطق العقابquot; الذي تعاطى به من أعدّوا القانون المثير للجدل، مع جمهور المرقين العقاريين، حيث اشتمل القانون نفسه على مواد ردعية بالجملة ضدّ أصحاب المؤسسات العقارية الخاصة، وهو اعتبار يجعل ممارسي المهنة ndash; بحسب عبورة ndash; يعيشون في حالة من الاضطراب، سيؤثّر على نشاطهم، وقد يدفع بالكثير منهم إلى مغادرة المهنة.

بدوره، يبدي المرقي العقاري عبد الرزاق لعزيري استياء واضحًا إزاء عدم إشراك المسؤولين لفاعلي القطاع في خطوة حساسة كهذه، رغم انعكاساتها المفصلية على المنظومة العقارية خلال السنوات الآتية، ويتساءل لعزيري quot;ما معنى إقحام أكثر من اثني عشر مادة مختصة بمعاقبة المرقين؟quot;.

ويعتقد لعزيري أنّ تشاورًا مع المهنيين كان من الممكن أن يسمح بإثراء مشروع القانون وضمان نجاح تطبيقه، مؤكدًا أنّ أي نص تشريعي ينبغي أن يحمي حقوق الزبون والمقاول وكذا المرّقي. وعليه يقدّر لعزيري أنّ الأمر يتعلق بنية مبيّتة للنيل من ممارسي مهنة الترقية العقارية، لذا يلح على تدارك الموقف من خلال مراجعة شاملة يتم فيها إشراك المعنيين، خصوصًا أنّ الإجراء أكثر من حساس وحاسم على مستقبل قطاع العقار في الجزائر.

وفيما لا يخفي متعاملون خشيتهم من أثر تطبيق هذا المشروع الذي أعد بمنظارهم، بشكل quot;أحادي الطرفquot;، يتأسف كريم ولد سليمان المتحدث باسم quot;الشركة الدولية الدار-سيدارquot; لوضع كهذا، من شأنه إحالة مئات العمال الذين يعملون في مؤسسات الترقية العقارية إلى البطالة.

ولا يستسغ ولد سليمان عدم تشاور دوائر القرار مع المهنيين في تحضير قانون يهدف إلى ترتيب الترقية العقارية، ويتخوف ولد سليمان من أن يؤثر تطبيق النص المستحدث على قطاع لا يزال يعاني في بلد أنهكته معضلة العقار، رغم تغني الحكومة بحلها منذ أعوام طويلة.

من جهته، يتوقع رشيد ثازير، وهو مدير شركة مقاولات خاصة، أن يعوق هذا القانون الحركية التي تعرفها ترقية العقار وتأجيل إنجاز عديد المشروعات الإعمارية، خصوصًا مع التحدي الذي رفعته الحكومة بإنجاز مليون وحدة سكنية خلال السنوات الأربع المقبلة.

ويركّز ثازير على أنّ المشكلات التي يعانيها المقاولون حاليًا في هذا المجال، سيما الاستفادة من الصفقات العمومية لتمويل المشاريع وتوفير معدات البناء، لا يمكن أن تتركهم مكتوفي الأيدي أمام مشروع القانون هذا، متصورًا أنّه كان من الأجدر الاهتمام بالمعضلات الميدانية المطروحة بحدة، بدل استظهار قانون قد يعمّق الفجوة أكثر.

وزير السكن والعمران الجزائري نور الدين موسى

ويرى مراقبون أنّ قانون ممارسة الترقية العقارية، من شأنه أن يسهم في إنهاء الفوضى العمرانية التي تعانيها العديد من مناطق الجزائر، سيما المدن الكبرى، ويقدّم إضافة مهمة في ظل تنامي ممارسات لا مشروعة، حتى وإن كانت أمّ الإشكاليات في الجزائر تكمن في تطبيق القوانين وحجم المتابعة، لا في إعدادها، مثلما يؤكد سمير عودية.

ويستند عودية إلى تقرير للبنك العالمي، جرى الكشف فيه عن أربعمائة ألف سكن غير قابلة للإيواء في الجزائر لرداءة نوعيتها، وافتقادها لضوابط ضرورية، بينما تحصي دوائر حكومية في الجزائر، ما يزيد عن نصف مليون وحدة سكنية في البلاد، مدرجة على اللائحة السوداء بحكم quot;هشاشتهاquot;، ما يمثل 8 % من الحظيرة الإجمالية للسكنات في الجزائر، التي تستوعب نحو مليوني وحدة سكنية، وتتركز هذه السكنات الهشة في أربع ولايات جزائرية رئيسة هي: العاصمة، وعنابة، ووهران وقسنطينة.

وتقول بيانات نشرتها وزارة السكن الجزائرية إنّ أكثر من ألفي بناية يتم إنجازها سنويًا دون احترام قواعد البناء والتعمير ودون الحصول على رخص مطابقة، وهو ما جعل الحكومة هناك تسارع إلى استصدار قانون مطابقة البنايات وإتمام انجازها، ويمنح القانون إياه مهلة لأصحاب البنايات تصل إلى خمس سنوات لإنهاء الأشغال.

وتعتزم الحكومة الجزائرية مراجعة المخططات التوجيهية للعمران، التي تهدف إلى البحث وانتقاء العقارات القابلة للتعمير على المدى البعيد، من خلال وضع برامج على أساس حاجيات وإمكانيات الوعاء العقاري القابل للتهيئة، بعدما لوحظت نقائص في المخططات الأولية السارية المفعول التي تجاوزتها الأوضاع، حيث سيكون التشخيص الدقيق قاعدة لكل التخطيطات، مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة تثمين العقار داخل الأنسجة الحضرية وتوسيعها المتجانس بشكل يتّم التحكم فيه أكثر.