تطل عاشوراء في كل عام بالحزن وذكرى الألم والتضحية والإيثار لأتباع الطائفة الشيعية، لكنها لا تقتصر على ذلك، فهي موسم لإنتعاشة إقتصادية شاملة تطال رحلات العمرة، وزيارة الأماكن المقدسة في العراق وسوريا وإيران.


المنامة: تنعش ذكرى عاشوراء الحزينة المطاعم والمطابخفي البحرين، التي توفر الولائم، وسوق الإعلام والإعلانات والإصدارات الفنية الدينية، إضافة إلى الملابس السوداء، ولا يمكن إغفال رواتب الرواديد والخطباء الحسينيين خلال هذه الأيام، التي تعتبر موسم عملهم الأساسي.

كما تشهد أسواق الخضر والفواكه واللحوم والدجاج والأرز البحرينية حراكاً نشطاً في الفترة التي تسبق العشر الأوائل من شهر محرّم وخلالها، فترتفع نسبة الإقبال على اللحوم الحمراء إلى ما يقارب الـ60 ألف رأس، فيرتفع الطلب عليها بشكل ملحوظ من قبل المآتم الحسينية والمطابخ والمطاعم، فقد تم تغطية الطلب باستيراد باخرة محمّلة بـ25 ألف رأس من الماشية.

هذا ويشهد الإقبال على الدجاج الطازج والمثلج ارتفاعًا في الطلب بنسبة 100% أثناء عاشوراء، إذ تعدّ الدواجن الوجبة الثانية التي تشهد إقبالاً كبيراً بعد اللحوم الحمراء؛ نظراً إلى أسعارها المناسبة بالمقارنة مع أسعار الأسماك، التي تكاد تغيب عن الولائم الحسينية.

يأتي ذلك في الوقت الذي قلّل فيه اقتصاديون بحرينيون من شأن هذا الانتعاش الذي يطول لفترة زمنية قصيرة جدًا، ولها تأثيرات محدودة، حسب تعبيرهم، خصوصًا وأنهم يضعونها في خانة الاستهلاك غير المدروس، الذي لا يخلو من بذخ في الإنفاق غير المبرر.

ولأن موسم عاشوراء هو موسم اتعاض من قصة الحسين بن علي، والتعرف إلى سمات الإيثار والبطولة والوقوف في وجه الظلم، فإن العديد من النشرات والمطبوعات تنشط في هذا الموسم، وكذلك طباعة الإعلانات والشعارات التي تحمل مقولات للحسين وإلى أهل البيت، مما تساهم كلها في انتعاش سوق الطباعة والتصميم الغرافيكي، إضافة إلى انتعاش الإصدارات الفنية الدينية المتعلقة بقصة الإمام الحسين وغيرها من من التعاليم الإسلامية، كألبومات الأناشيد أو مواكب العزاء، إلى جانب المسرحيات التمثيلية لموقعة الطفّ وغيرها.

كما إن انتعاش العاصمة المنامة بالناس من كل مناطق البحرين التي تقصدها بغرض المشاركة في مواسم العزاء ينعش قطاع المواصلات والاتصالات والمطاعم وحتى الفنادق والشقق، حيث يشارك الشيعة من الكويت والمملكة العربية السعودية في مواكب العزاء العاشورائية البحرينية.

وتكتمل الصورة بموسم رواج الطلب على الخطباء والرواديد الذين ترتفع quot;بورصةquot; أجورهم عاماً إثر عام، حتى تصل إلى أرقام خيالية يتقاضونها على الليلة الواحدة، وتؤمّن لهم معيشة عام كامل.

فقد قدّر اقتصاديون إجمالي ما تنفقه الأسر البحرينية في عاشوراء بمبلغ يتراوح بين 100 و500 دينار تنفق على الملابس والمواد الاستهلاكية والنذور، وهو ما يشكل إرتفاعًا في معدلات الإنفاق من عام إلى آخر على عاشوراء، خصوصًا في ظل ارتفاع عدد المآتم الذي يصل إلى خمسة آلاف مأتم أو أكثر، إضافة إلى ارتفاع عدد الخطباء والرواديد المحترفين.

كذلك بسبب تزايد عدد السياح الوافدين إلى البحرين والتحضير المسبق للمناسبة من جهة الشباب وتزايد عدد الفعاليات والأنشطة غير التقليدية وزيادة الإنتاج الفني والبث الإلكتروني المباشر.

وتقدر المبالغ التي يصرفها المأتم (الحسينية) الواحد ما بين ألفين وثلاثة آلاف دينار في المآتم الصغيرة، وما بين 8 و10 آلاف دينار في المآتم المركزية، يضاف إلى ذلك أجر الخطيب، الذي صار يصل إلى 5 آلاف دينار في الموسم، الذي يمتد إلى عشرة أيام.

فيصف الباحث الاقتصادي محمد الصياد مظاهر الإنفاق في عاشوراء بالـquot;إنفاق البذخي ونزعة نحو الاستهلاك الشرهةquot;، لافتًا إلى أن الإسراف في الاستهلاك يساهم في تضخم الواردات من السلع والمواد المدعومة من قبل الدولة، مثل اللحوم الحمراء والدجاج والأرز والسكر والدقيق، وهي مجتمعة منتجات أساسية تستحوذ على حصة الأسد في فاتورة الاستيراد الخارجي.

ويقدر الرئيس التنفيذي لاستشارات جافكون لتحسين الإنتاجية الدكتور أكبر جعفري المصروفات خلال الأيام العشرة الأوائل من شهر محرّم بأنها تصل إلى 5 ملايين دينار، شاملة كل المصاريف، بما في ذلك استهلاك الكهرباء والماء، مؤكدًا على أن التأثير على الاقتصاد مرحلي يزول بزوال المناسبة، مشيرًا إلى خطورة الإهدار، وواصفًا العطاءات بأنها تذهب إلى غير محلها، وهي التي توزّع على الجميع باسم التبرّك، ولا تخص الفقراء والمحتاجين وحدهم.

ويشهد في عاشوراء سوق الخطاطين انتعاشًا لصياغة أحاديث أهل البيت والعبر من قصة الحسين في شوارع المنامة وغيرها من القرى الشيعية، كما يتحرك سوق الملابس الجاهزة والأقمشة التي تبيع السواد على كل من نوى إحياء الذكرى.

إلا أن المستفيد الأكبر في عاشوراء هو سوق الرواديد والخطباء، سواء المحليين أو الذين يتم استضافتهم من الخارج، والذين سجلت أجورهم ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.

ويؤكد جعفري أن للبحرين مقومات جذب سياحي، يمكن تطويرها لجذب المزيد من الأفواج، التي من شأنها أن تحرك الاقتصاد، موضحًا أن quot;البحرين صارت مقصدًا للخليجيين ودول الجوار لمميزات كثيرة، على رأسها التسامح الديني وهامش الحرية الكبير المكفول فيها على عكس الدول الأخرى، وهو الأمر الذي جعلها ملاذًا للسعوديين في المنطقة الشرقية والعُمانيين والإماراتيين والكويتيين أيضًا، الذين يحركون الأسواق، وينعشون حراك تأجير الشقق الفندقية والفنادق والمطاعم والمواصلات، وهو الأمر الذي يمكن تطويره لرفع مساحة الجذب عبر الترويج السياحي المنظم لهذه المناسبة، إضافة إلى ترميم المراقد والمزارات العديدة في البحرينquot;.