أعلنت حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأحد الماضي طائفة من الإصلاحات المتعلقة بخفض دعم السلع الغذائيّة ومختلف مصادر الطاقة. ولغرض تخفيف المعاناة، قررت أيضًا صرف راتب شهري للأسر الفقيرة إعتمادًا على دخلها، لكنه سيكون حوالى 40 دولارًا في المتوسط شهريًّا على سبيل التعويض.


تبدو خطوة الإصلاحات التي ستقوم بها الحكومة الإيرانية معقولة في ظاهرها، لأنها تستجيب لطلب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى حكومات العالم خفض دعم السلع، لكن طريقة تطبيقها وتوقيتها قد يعودان وبالاً على النظام الإيراني للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية، ويحدث أثرًا على الإقتصاد أسوأ كثيرًا من ذلك الذي تحاول العقوبات الدولية إلحاقه به، وفقًا لصحيفة laquo;غارديانraquo; البريطانية.

هذا لأن خفض الدعم سيؤذي، بالضرورة، الفقراء، الذين يستمد النظام منهم بشكل رئيس قدرته على الإستمرارية، ولن يتوقف الأمر عند هذا، إذ سيطال فئة أكثر أهمية من غيرها، وهي حرس الثورة الإسلامية (الحرس الثوري) quot;القوي المدللquot;، الذي سيكون أكبر الخاسرين على الإطلاق.

المشكلة هي أن بنية الإصلاحات نفسها تعاني خللاً سيرفع معدل التضخم الإقتصادي على المدى البعيد والقريب أيضًا، وثمة سببان لهذا: الأول هو المرتب الشهري الذي سيصرف للعائلات الفقيرة.

وليُذكر هنا أن نسبة التضخم الحالية التي تعترف بها الحكومة، وهي 10.8 %، (يعتقد أن الحقيقية حوالى 20 %) تأتت أصلاً بسبب إغداق أحمدي نجاد المساعدات النقدية والقروض الرخيصة على الفقراء، وما سيفعله الراتب الجديد هو زيادة حجم السيولة المتداولة في البلاد، وبالتالي رفع مستوى التضخم إلى آفاق أعلى.

وثانيًا، فهناك حقيقة أنّ خفض دعم السلع يعني إرتفاع أسعارها بالضرورة، والواقع أن أسعار الخبز بدأت تتصاعد الآن، لكن القطاع الذي يمكن أن يؤذي الإقتصاد الإيراني أكثر من غيره فهو الديزل (المازوت)، الذي زادت الحكومة سعره من 1.6 سنت لليتر إلى 15 سنتًا - بزيادة قدرها 900 % - ويتوقع له أن يصل إلى 35 سنتًا في القريب العاجل. وقد أدى هذا إلى إضراب أصحاب الشاحنات إبتداءً من الأربعاء.

ومن المؤكد للإرتفاع في أسعار الديزل أن يرفع تكاليف الشحن الذي سيرفع بدوره تكاليف بقية السلع على مختلف أشكالها، ولكن أهمها المواد الغذائية بالطبع. وستأتي المتاعب الحقيقية عندما تكتشف العائلات الفقيرة أن مبلغ 40 دولارًا إضافية في الشهر ستصبح بلا معنى أمام زيادة 900 % في أسعار الديزل ومترتّباتها.

والنتيجة لكل هذا هي أن الجمهور سيجد نفسه مجبرًا على كبح إستهلاكه، وأن المنتجين سيجدون أن عليهم خفض إنتاجهم بسبب النقص الحاد في عدد القادرين على الشراء.

هذا الوضع سيقود ولا شك إلى وقوع الفأس على رأس الحرس الثوري، الذي ظل يتمتع حتى الآن بامبراطورية تجارية هائلة تنتج كل شيء، من عصير الطماطم إلى قطع غيارات السيارات، إضافة إلى إدارتها شبكة ضخمة لتهريب البضائع. ورغم أن الحكومة قد تدعم هذه الإمبراطورية عبر إمدادها الديزل بأسعار تقل عنها في السوق، فقد تكسد بضاعتها بسبب ضعف القوة الشرائية عمومًا.

وقد يزداد الطين بللاً، إذا طال هذا الوضع السيئ بورصة طهران، التي سجلت خلال الأشهر الستة الماضية صعودًا من 4 آلاف إلى 18 ألف نقطة، ومصدر الأنباء السيئة بالنسبة إلى الحكومة هو أن بعض أكبر الشركات المسجلة في البورصة تتبع الحرس الإسلامي نفسه.

وعلى الرّغم من أن الحكومة نجحت في الحفاظ على مؤشر البورصة مرتفعًا (وإن كان بشكل لا يعكس الحقيقة)، فإن التضخم المتولد والمتصاعد من خفض دعم السلع، مضافًا إلى إنخفاض، الطلب سيجبر السوق على تعديل نفسها.

وإذا تبع هذا إنهيار فجائي للسوق، فستكون النتيجة على الأرجح قلاقل شعبية كاسحة، لأن عددًا كبيرًا من حملة الأسهم من الطبقات الفقيرة. وقد جاءهم هذا الوضع لأن الحكومة، عملاً بنص الفقرة 44 في برنامجها المتعلق بتخصيص المؤسسات العامة، باعت لهم هذه الأسهم بأسعار رخيصة أقرب شيء إلى المجان.

هناك عامل آخر يجعل من الأضرار الإقتصادية والاجتماعية شبه مؤكدة، يتمثل في الفجائية، التي أعلن ونفذ بها إصلاح نظام دعم السلع. ولو أن الحكومة قررت التدرج في الخفض على مدى طويل، فلربما تمكن المستهلكون والمنتجون من امتصاص التغيير من دون ألم كثير.

وربما كانت الحكومة الإيرانية، في برنامجها الجديد، غير هيّابة من رد الفعل الشعبي. لكن الحرس الثوري شيء آخر. ولن تستطيع الحكومة الاستخفاف برد فعله بسبب نفوذه الهائل في الأمور السياسية الداخلية وأمن البلاد وأمن برنامجها النووي. وقد لا يأبه المرشد الأعلى، علي خامنئي، بالشعب هو أيضًا. لكن عليه أن يكثر من الأماني، نيابة عن الحرس الثوري، في أن تكون لدى أحمدي نجاد خطط بديلة لتفادي الكارثة.