لأنّهما مهنتان مثمرتان، والاستثمار فيهما مضمون المكسب، يقبل آلاف الجزائريين على ممارسة بيع الأعشاب والزيوت لفوائد طبية، ويتوقع أنّ يكون مستقبل هاتين المهنتين أكثر انتشارًا، خصوصًا مع الثروة الهائلة من الأعشاب والنباتات المتوافرة في الجزائر، لكنّ ذلك مرهون بمنحهما اهتمامًا أكبر من الدولة.

الجزائر: تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة انتشارًا لافتًا لمهنتي استخلاص الأعشاب الطبية، وكذا صناعة الزيوت الأساسية. وعلى الرغم من أنّ هاتين المهنتين لا تزالان في مهدهما، إلاّ أنّهما صارتا تستهويان كثيرًا من السكان المحليين، في وقت يجمع متخصصون وممارسون، في تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot; على ضرورة إيلاء السلطات اهتمامًا أكبر بمهنتين بإمكانهما استيعاب أعداد القوى الشبابية المجمّدة، في بلد يشكو مواطنوه باستمرار ارتفاعًا حادًّا في البطالة.

وبحسب الإحصائيات المتوافرة لدى المركز الجزائري للسجل التجاري، فإنّ الربع الأخير شهد تسجيل 1926 تاجرًا متخصّصًا في بيع الأعشاب الطبية، بينهم 1393 تاجرًا يملكون محال تجارية ثابتة، و533 تاجرًا متنقلاً عبر الأسواق والأرصفة. وتحتل الجزائر العاصمة الصدارة بـ199 محلاً، تليها محافظات سطيف بـ107 محل، وبشار بمئة محل، وكذا الوادي بـ60 محلاً.

وفي تصريح خاص بـquot;إيلافquot;، أوضح عبد الحميد بوكحنون المدير العام للرقابة الاقتصادية وقمع الغش في وزارة التجارة الجزائرية، أنّ نشاط بيع الأعشاب الطبية من الناحية القانونية هو quot;نشاط تجاري عادي لا يخضع لأي ترخيصquot;، ويؤكد بوكحنون أنّ هذا النشاط يدخل ضمن quot;مدونة النشاطات التجاريةquot;، بيد أنّ ممارسة العلاج وتحويل هذه المحال إلى عيادات طبية، أمر غير مسموح به قانونيًا.

من جانبه، يقول حمزة (36 عاماً) لـquot;إيلافquot; إنّه بعد سنوات من تخبطه بين مهن عدة، اختار مهنة جني الأعشاب الطبيبة وبيعها، وهي خطوة يراها أكثر من إيجابية، وسمحت له بتحقيق عائدات يسيرة خلال 36 شهراً، إضافة إلى افتتاح محل واسع في مرحلة لاحقة.

ويشير حمزة إلى أربعة من أقرانه، ساروا على منواله، وباتوا يمارسون المهنة نفسها، بعدما أعجبوا بهذا الميدان الذي يشهد اهتمامًا جماهيريًا كبيرًا، تعكسه قوافل المواطنين الذين يتهافتون على اقتناء الأعشاب ومستخلصاتها بحثًا عن أمل الشفاء من أمراض استعصت على الأطباء والأدوية العادية.

والزائر لمحل حمزة في حي العاشور، ويحيى في بلدة بابا حسن، وسعيد في ضاحية الخرايسية، يلفت انتباهه الاكتظاظ الموجود هناك، والاحتفاء الشعبي بمهنة لم يمض على بروزها فترة طويلة، ولعلّ الثمن الباهظ الذي يدفعه المرضى لقاء العلاج، يدفع هؤلاء إلى تفضيل مراودة محال الأعشاب، بدل الرجوع إلى طبيب اختصاصي، أو القيام بالتحاليل اللازمة لمعرفة نوع الأمراض التي يشكون منها.

وبشأن العائدات، يؤكد يحيى شلالو (37 عامًا) صاحب محل لبيع الأعشاب في بلدة بابا حسن أنّ الأعشاب رائجة اقتصادياً، ومكسبها مضمون، وترتفع قيمته بحسب درجة الكفاءة ومستوى التخصص والتفاني، ويجزم يحيى في مقابلة مع quot;إيلافquot;، أنّ بائع الأعشاب العادي الذي يقتصر على بيع المستحضرات، يستطيع تأمين مدخول معقول يحفظ كرامته، بمقدار لا يقلّ عن 35 ألف دينار كل شهر (ما يقارب الخمسمائة دولار)، في حين أنّ بائع الأعشاب الذي يزاوج بين بيع سائر المواد العشبية وما يتصل بها من مستخلصات، إضافة إلى مداواة المرضى وممارسة الحجامة، يمكنه جني مئة ألف دينار كل عام (ما يربو عن العشرة آلاف يورو)، بينما تستطيع المؤسسات والمختبرات المختصة بإنتاج المستخلصات العشبية وتوابعها، أن تحقق أرباحاً بحدود ثلاثمئة ألف دينار شهريًا (بما يعادل 30 ألف يورو).

وتبرز الجدوى الاقتصادية لمهنة طب الأعشاب التي لا تزال تفتقر إلى الاهتمام الكافي، على الرغم من قدرتها على توفير آلاف فرص العمل، بما يمثل جرعة أمل لعديد العاطلين من العمل، ومنفذًا لتحجيم ظاهرة البطالة في مجتمع محلي يعاني احتباساً للقوى النشطة.

في سياق متصل، يشرح يحيى شلالو أنّ الجزائر تزخر بثروة نباتية وغابية هائلة، وهي بمثابة استثمار ضخم لمن يريد الاستثمار في هذا الميدان الواعد، ويعدّد شلالو أنواع الزيوت المتوفرة في الجزائر، على غرار: زيت الزبوج، وزيت الزيتون، وزيت اللبان، وزيت البابون، وزيت النعناع، وزيت الحبة السوداء، وزيت المريمية، وزيت الخزامة، وزيت القرنفل، وغيرها، علمًا أنّه خلال الفترة السابقة ظلت زيوت شركة الكابتن المصرية وزيوت الهيماني البحرينية هي الرائجة، فيما بدأ مُختبر الوسيلة في محافظة برج بوعريريج، وهو مختبر متخصص في المستحضرات العشبية التجميلية، في استغلال الزيوت الأساسية المستخلصة من الجنسنك، والكمكم والحبة السوداء.

بدوره، يتحدث quot;عثمان قويدرquot; (43 عامًا) المتخصص في استخراج الزيوت النباتية وعطور الأزهار، بسعادة عن مهنته quot;صناعة الزيوت الأساسيةquot;، التي تعدّ قاعدة تتكئ عليها صناعة مواد التجميل والأدوية والعطور. ويشرح لـquot;إيلافquot; أنّها قائمة على استخراج مياه الزهور وتقطير النباتات الطبية، ويضيف عثمان، الذي يملك دبلومًا في الهندسة المدنية وصاحب مؤلفات متعدّدة، أنّه دأب منذ العام 2003، على جمع النباتات من مختلف مناطق البلاد، لتحضير منتجات يعتبرها مفيدة لصحة الإنسان، مستخدمًا جهازًا مصنوعاً من الفولاذ المقاوم للصدأ، وفيه أنابيب عدة.

ويوظّف عثمان جهاز تقطير خاص به في استخرج مستخلصات النعناع البري وباقي الأعشاب، ويعتبر أنّ عملية استخراج مستخلصات النباتات quot;ليست عملية صعبةquot; مقارنة بعملية جنيها المرهونة بالظروف المناخية والفصول، وكذا اليد العاملة، داعياً إلى تنظيم ملتقيات حول فضائل الانتفاع بمستخلصات الأعشاب. ويتطرق عثمان إلى صعوبة إيجاد اليد العاملة المؤهلّة خلال فترات جني النعناع البري والخزامي وإكليل الجبل، ومن بين الصعوبات التي تعوق السير الحسن لمهنة استخراج الزيوت النباتية وعطور الأزهار، ندرة القارورات المخصصة لهذا النوع من المواد الطبيعية.

في المقابل، تبدي شريحة واسعة من الجزائريين، إعجابها بمهنة بيع الأعشاب الطبية واستخراج الزيوت، ويؤكد هؤلاء لـ quot;إيلافquot;، أنها خطوة أسهمت في تخليصهم من الفواتير الباهظة المترتبة عن خدمات العيادات والصيدليات، في هذا السياق، يشير آكلي (33 عاماً) ومحمد (56 عاماً) إلى أنّهما يفضلان العلاج بوساطة هذه الأعشاب، التي تنطوي بحسبهما على بعدين صحي واقتصادي، ومن المستحيل برأيهما، أن تلحق أي ضرر بجسم الإنسان، كما إنها إن لم تنفع.. فلن تضر، على حد تعبيرهما، ويضيفان أنّ الجزائريين الأوائل اعتادوا على استعمال هذه الأعشاب والزيوت في الماضي، بما أتاح لهم الاستمتاع بصحة جيدة حتى بلوغ سن متقدمة جدًا.

وتشدد دلال (25 سنة) على أنّ هذه الوصفات أو الأعشاب ليست quot;غالية الثمنquot;، بما يحفّز أي مريض مهما كان مستواه المعيشي على اقتنائها، على عكس الأدوية التي أصبحت باهظة الثمن، وتثقل كاهل المريض، خاصة إذا كان غير مؤمن اجتماعيًا، فضلاً عن تأثيرها على صحة المريض، إذا أكثر من استعمالها.

أما الموظفة نصيرة (48 عامًا) فتؤكد أنها زبونة quot;خاصةquot; لهذا النوع من المحال، لكونها امتثلت للشفاء من أمراض عديدة كالقرحة المعدية والقولون وتزايد نسبة السكر في الدم، مشيرة إلى أنها تقوم بتحاليل دم على مستوى مراكز التحاليل المختصة، وتعرضها على بائع الأعشاب الذي يقوم بدوره بوصف الأعشاب اللازمة لعلاج حالتها المرضية.