حرف يدوية عدة في مصر تواجه شبح الانقراض، بعدما وفرت التكنولوجيا الحديثة بدائل لمنتجاتها، وأصبح أكثر من 2 مليون مصري يعملون فيها في انتظار التشرد والانضمام لطابور العاطلين عن العمل. quot;إيلافquot; نقبّت في أغوار الحرف المهددة بالانقراض، لتعرض مشكلاتها في حلقات متواترة.

القاهرة: الحرف اليدوية في مصر عديدة ومتنوعة (كصناعة الفخار والخيام والأرابيسك والنحاس والبلور وغيرها)، وتقدر بالعشرات، بل تتعدى الـ 100 حرفة، يعمل فيها أكثر من 2 مليون عامل، بعضها آخذ في الاندثار نتيجة لمعوقات مختلفة تواجهها. وأبرز هذه المعوقات قلة العائد المادي، فقد أصبحت منتجاتها راكدة، لا سوق لها، خاصة في ظل توفير البديل الذي تنتجه الآلة الحديثة. وبعضها تحوّل إلى سلعة سياحية، ترتبط بالموسم السياحي فقط، ومؤشرات اندثار هذه الحرف لا تعني فقط نهاية منتجات فريدة من نوعها، وإنما أيضاً تعدّ تهديداً لحوالي 2 مليون عامل يقتاتون من العمل فيها.

هذا ما دعا إيلاف إلى فتح هذا الملف، وتعقب الحرف اليدوية في مشارق مصر ومغاربها، والوقوف على المشكلات التي تواجهها، والتي قد تؤول في النهاية إلى انقراضها.

quot;الخياميةquot; حرفة الذوق الرفيع
البداية كانت في القاهرة الفاطمية، وتحديداً في حي الغورية في منطقة الربع، حيث يوجد شارع الخيامية مواجهاً لبوابة المتولي الأثرية، ذلك الشارع المتخصص في بيع منتجات الخيامية (أو فن صناعة الخيام)، وهي حرفة يدوية، يروي أصحابها أن جذورها تعود إلى أكثر من ألف سنة، وتوارثتها الأجيال حتى الآن. فقد نشأت مع بداية الدولة الفاطمية في مصر عام 969 ميلادية، حيث كان الشارع نفسه مشهوراً بصناعة الخيام والتطريز والنقش على الأقمشة، حتى إن كسوة الكعبة المشرفة كانت تصنع في هذا الشارع، وتسافر منه إلى مكّة المكرّمة في موكب مهيب.

خلال زيارة إيلاف لشارع الخيامية، كان الشارع شبه خال، والمحال المتراصة لا يقف أمامها زبائن، وهذا يعكس حالة ركود شديدة تواجه منتجات هذه الحرفة. وفي لقاء مع الخيامي فوزي نونو، أوضح الأخير أن quot;منتجاتنا كلها من القماش، فمجال عملنا هو الرسم على الأقمشة، وتتنوع بين حقيبة ولوحة، ومفرش سرير أو سجادة صلاة وفراشة الصوانات، التي تستخدم في سرادق المآتم، وفي الأفراح أيضاً، وهذه الأخيرة هي أصل فن الخيامية، ولكن بعد اختراع آلات الطبع على القماش أصبحت تصنع آلياً، فاتجهنا للمنتجات الصغيرة السابق ذكرها، للحفاظ على العمل اليدوي، إلى جانب عملنا في الصوانات بالطباعةquot;.

وأضاف نونو أن زبائن الشارع غالبيتهم من السياح الأجانب والعرب، حيث تستهويهم الحقائب المنقوشة برسوم فرعونية والخدادية الصغيرة، واللوحات التي تعبّر عن الحياة في مصر القديمة، وتتراوح أسعار هذه المنتجات حسب دقة الرسم والنقوش وحجم القطعة، وتبدأ من 50 جنيهاً، وقد تصل إلى 1000 حسب المجهود المبذول فيها. ويشكو نونو حالة الركود الشديد قائلاً quot;تمر علينا أسابيع عديدة لا نبيع فيها قطعة واحدة، وذلك لأن معظم السائحين لا يعلمون شيئاً عن هذا الشارع، والعيب في ذلك - برأيه- يرجع إلى عدم اهتمام الحكومة به.

فبرغم قربه من خان الخليلي ومنطقة الحسين، فهو لا يلقى الاهتمام نفسه الذي تحظى به هذه المناطق، والذي يأتي بالسياح إلى هنا الشباب الخرتية -الذين يعملون كمرشدين سياحيين بدون تصريح. وعبّر نونو عن قلقه حيال هجر أصحاب الحرفة لها، نظراً إلى العائد المادي الضعيف الذي يجنوه من ورائها، ولفت إلى أن ذلك حدث من قبل، حيث تقلص عدد المحال الموجودة في الشارع إلى 5 أو 6، ولكن عادت مرة أخرى للانتشار.

وييشير مجدي ndash; خيامي ndash; إلى أن الرواج النسبي لمنتجاتهم يكون في فترة رأس السنة، لأنها موسم سياحي، إلا أن الأعوام الثلاثة الماضية كانت حركة البيع فيها ضعيفة، نظراً إلى قلة عدد السائحين، وهذا الأمر أدى إلى قيام عدد من الخياميين بالعدول عن العمل، وضرب مثل بابنه الذي فضّل أن يسلك طريق آخر بدلاً من توريثه الخيامية، لكي يوفر لقمة العيش ndash; على حد تعبيره. فبدل أن يقضى 4 أو 5 أياماً لإنجاز قطعة واحدة، ربما تظل مركونة في المتجر شهوراً، قرر البحث عن مهنة توفر له راتباً مضموناً، وتوقع مجدي أن تنقرض هذه الحرفة في غضون سنوات قليلة، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه.