إتهم تجار ومستثمرون في موانئ العراق الشركة العام للموانئ بعمليات فساد كبيرة في صفوف العاملين والمسؤولين الحكوميين، مؤكدين أنه من المستحيل على أي تاجر استلام بضاعته دون أن يدفع رشاوى للعاملين في الجمارك والصحة وأفراد الجيش والشرطة، لكن المدير العام للشركة ينفي ذلك. ويعتبر الاتهامات باطلة وتفتقر إلى دليل مؤكدًا تطور العمل في الموانئ العراقية بشكل كبير.
بغداد: تعتبر موانئ البصرة نافذة العراق البحرية الوحيدة على العالم، حيث تفيد دراسات بحرية تاريخية أن من موانئ البصرة أطلقت أولى السفن وأكبرها حجمًا. وكان الخليج العربي يسمى quot;خليج البصرةquot;. وكانت موانئ البصرة هي المركز التجاري الأوحد في حوض الخليج العربي والمحيط الهندي. وتمكنت خلال ستينيات القرن الماضي أن تحقق مكانة عالية عالميًا، لكن بعضهم يراها اليوم جدًا بعيدة من التصنيف العالمي، وربما تكاد تكون أفقر موانئ العالم من حيث الاستعدادات والإمكانيات والخدمات والتطور الحضاري.
وتوجد في البصرة خمسة موانئ تجارية، وميناءان نفطيان، أولها المعقل وهو الميناء الأم الذي تأسس العام 1916، وكان عسكريًا تابعًا للقوات البريطانية، وسلم العام 1937 إلى العراقيين ميناء الفا وتم تأسيسه في 1937، وهو صغير يستعمل لرسو زوارق الصيد. وفي مطلع السبعينات تم بناء ميناء أم قصر، وهو أهم وأكبر الموانئ التجارية. ثم ميناء خور الزبير وميناء أبو فلوس على ضفاف شط العرب، الذي يشهد انتعاشًا ملحوظًا، بسبب تنامي عمليات استيراد القطاع الخاص.
مستثمرون يشخصون الخلل في موانئ البصرة
انتعش العمل في موانئ البصرة في الأعوام الأخيرة، وازداد عدد البواخر التجارية والنفطية الراسية في الموانئ البصرية. لكن التجار الذين يستخدمون الموانئ التجارية في الموانئ كميناء أم قصر وأبو فلوس يشكون كثيرًا من المشاكل التي تكبدهم خسائر عائلة حسب أقوالهم. وقال التاجر عمران نمير لإيلاف quot;من المشاكل التي نواجهها الخطوة التي أقدمت عليها وزارة النقل بتخصيص عدد من الأرصفة لشركات أجنبية، التي تخضع التجار وفقًا لنظامها الخاص، وهو أمر يؤدي إلى استغلال التجار بفرض رسوم غالية عليهم، خصوصًا مع انعدام توافر رقابة مركزية في سلطة الموانئ البصرية.
وأشار التاجر عدنان المحمداوي لإيلاف إلى وجود نقص في الآليات والمعدات المستخدمة في عمليات المناولة والتسليم في الموانئ مما يترتب عليه تأخير استلام البضائع لأصحابها، ويراكم خسائر مالية على التاجر ووكلاء البواخر. إذ يضطر الاثنان لدفع (غرامات تأخيرية). ويدفع التاجر أجورًا عن الخزن والحاويات والكرين والرافعات. كما ولفت المحمداوي إلى فوضى إدارية تعم الموانئ، حيث تتعد السلطات المسؤولة في الموانئ كالجيش، والأمن الوطني، والداخلية، وسلطة الجمارك، والصحة، والمالية والنفط وغيرها. واعتبر المحمداوي أن تعدد الجهات المسؤولة عن الموانئ غرضه استنزاف التاجر ماليًا، لأنه مضطر لدفع رشاوى لكل تلك الجهات. ومن يتخلف عن الدفع تتولى الجهات المذكورة عرقلة استلام التاجر لبضاعته.
وفي الوقت الذي تعمل فيه موانئ عالمية لمدة أربع وعشرين ساعة، استنكر تجار من شركة الفيحاء والمنارة توقف العمل في موانئ البصرة ليلًا لأنه يكبدهم خسائر فادحة. كما تحدث المحمداوي عن عمليات فساد كبيرة في صفوف العاملين والمسؤولين الحكوميين الذين توجد مكاتبهم وممثلوهم في موانئ البصرة. وقال quot;من المستحيل على أي تاجر استلام بضاعته دون أن يدفع للجمارك والصحة وأفراد الجيش والشرطة وغيرهمquot;. وأردف quot;بإمكان أي جهة من الجهات المذكورة تلفيق أية تهمة للتاجر واستفزازه بهدف الضغط عليه لدفع الأتاواتquot;.
أساليب ابتزازية
طبقًا للتاجر عامر ناهي فإنه إن لم يتم الدفع لسائق الكرين فإن البضاعة لن يتم إنزالها من البواخر. ويتم تعطيل الحاويات وتنام البضاعة من 5 إلى 7 أيام على الرصيف، في حال الامتناع عن الدفع لهم، مما يؤدي إلى دفع التاجر لغرامات تأخير مضاعفة.إضافة إلى سرقة البضائع من الميناء في بعض الأحيان.
وأضافquot; هناك مافيا الموانئ، تتمثل في اتفاق غير معلن بين مجموعة من كبار المسؤولين بأن تقوم مجموعة من الموظفين بممارسة أعمال لا تمت لمسؤولياتهم بأي صلة وخارجة عن مواقع عملهم. إذ يتوجهون صوب البواخر الآتية للاتفاق على كيفية تخليص بضائعهم لقاء مبالغ يتم الاتفاق عليها. ولفت إلى وجود تدخلات إدارية من أطراف عديدة تزيد من كلفة تخليص البضاعة وشحنها ونقلها.
وأشار إلى أن هناك موظفين في الجيش والصحة والشرطة والجمارك يدفعون أموالًا مقابل أن يتم نقلهم إلى الموانئ في البصرة.لأن العمل في الموانئ يتيح لهم الابتزاز والرشاوى. فالموظف لا يقبل باقل من 100 دولار يوميًا عن كل باخرة. وإن افترضنا وصول 8 بواخر يوميًا إلى الميناء، فإن الوارد الذي يحصله الموظف المذكور لليوم الواحد يفوق آجره الشهري.
قرارات تنفيرية في الموانئ
من جهته، انتقد التاجر سلمان عامر الروتين والبيروقراطية في الموانئ وبطء إنجاز معاملات الموافقة على إدخال البضائع، ولفت أيضًا إلى أن وجود العدد الكبير من مكاتب الوزارات في الموانئ يؤدي إلى تضارب في إصدار القرارات المؤذية للتاجر الذي يقع عليه الحيف دون غيره. وقال إن quot;دوائر ووزارات عديدة كوزارة التجارة ووزارة النقل المائي ودائرة الضريبة والجمارك والموانئ والصحة والجيش والداخلية لها ممثلون ومكاتب في الموانئ، وتصدر منها قرارات متضاربة تشل التجار، وتعرقل إيصال البضائع، وتسبب المزيد من البيروقراطيةquot;.
وانتقد القرارات الصادرة من وزارة المالية أخيرًا، الذي يوجب على التاجر جلب شهادة منشأ للبضائع، وفاتورة مصادق عليها من السفارة العراقية في الدول المعنية. وقال إن هذا من القرارات التنفيرية للتاجر الذي إدخال بضاعته عن طريق طربييل لأن القانون لايشمل هذا المنفذ الحدودي. كما وانتقد قوانين وزارة النقل المزاجية في رفع أسعار التعرفة وفرض غرامات ورفع العوائد.
وذكر أن ميناء خليج العقبة في الأردن والموانئ الكويتية تعلن بين فترة وأخرى عن خفض اسعار التعرفة والعوائد وتقدم تسهيلات للتاجر. ووزارة النقل ترفعها وتضع العراقيل، فأي موانئ تجذب التاجر العراقية أم العربية؟. وتابع أنه بسبب القوانين التنفيرية ففقد تقلص أعداد حاويتي من 2500 في العام 2007 إلى 750 حاوية.
ويفيد خبراء في النقل البحري إلى أن تقادم عمر الموانئ بدون إجراء صيانة وإعادة تأهيل حقيقية، إضافة إلى التعقيدات الإدارية والابتزاز قد تؤدي إلى عزوف كثير من التجار عن التعامل مع الموانئ، ويستخدموا منفذ طربيل، التي لم تجر لها صيانة أو إعادة تأهيل فعلية. إضافة إلى التعقيدات الإدارية التي تنفر التجار.
معوقات أخرى
يتحاشى غالبية التجار العراقيين من التعامل المباشر مع السلطات المتعددة في الموانئ البصرية. ويعهدون لمهمة استلام وإخراج البضائع إلى ما يطلق على تسميتهم المخلصين، وتتراوح الأموال التي يدفعها التاجر لتنزيل وشحن ونقل بضاعته من الميناء قرابة 1000-2500 دولار للباخرة الواحدة اعتمادًا على نوع وحجم البضاعة.
ويقول التاجر أيمن أبو مؤمل إن الكثير من التجار أصبحوا يستوردون بضائعهم عن طريق المنفذ الحدودي في quot;طربيلquot; لأن كلفة التعرفة المفروضة على الشاحنة تقارب 100 دولار فقط. لكن القوانين المتضاربة للجهات المسيطرة على موانئ البصرة وارتفاع العوائد والرسوم والابتزاز ودفع الرشاوى كلها عوامل دفعت التاجر إلى النفور من موانئ البصرة.
ويقتل الروتين والبيروقراطية وارتفاع التكلفة حماس المستثمرين أو التجار من الإبقاء على العمل في موانئ البصرة. وقال عمار جيجان مستشار متقاعد في شركة الموانئ العراقيةquot; التسهيلات المقدمة للبواخر والسفن وتفريغ البضاعة في ميناء المحمرة الإيراني أو ميناء الكويت، ومن ثم نقله للأراضي العراقية يقارب في كلفته تفريغ الحمولة في ميناء أم قصر. مضافًا اليه وقت التاجر لمهدورquot;. وأكد أن تقادم عمر الموانئ بدون إجراء صيانة وإعادة تأهيل حقيقية، إضافة إلى التعقيدات الإدارية وحالات فساد تؤدي بمجملها الى عزوف كثير من التجار عن التعامل مع الموانئ في البصرة. وليس مستبعدًا ان يقل إقبال التجار ان لم تحدث إصلاحات كبيرة على موانئ البصرة.
أرقام
طبقًا للأرقام التي أوردها صلاح خضير عبود مدير الشركة العامة للموانئ في البصرة فإن عدد البواخر الداخلة للموانئ في البصرة في العام 2005 بلغ 500 باخرة. في حين بلغ عدد البواخر للعام 2009 حوالى 7000 باخرة بحمولة اكثر من 12 ألف طن.
وقال صلاح عبود مدير الشركة العامة للموانئ فان ان إيرادات الموانئ لعام 2006 7 مليار و5 مليون و8141. والعام 2007 ما يوازي7 مليار دينار و70 مليون و707 الف دينار، وزعت 80% منها لوزارة المالية. وفي عام 2008 بلغت إيرادات الموانئ 1 مليار و98 مليون.
وفي العام 2009 بلغت الإيرادات 6 مليار (الرقم خاضع للتعديل زيادة او نقصان بموجب ملاحظات ديوان الرقابة المالية). وأوضح صلاح خضير عبود لإيلاف ان انخفاض إيراد الموانئ لـ2008 عائد لسببين أولهما-فرق رواتب- بسبب التأخير في صدور قانون سلم رواتب الموظفين الذي صدر في الشهر التاسع من 2008. لكن الدولة أوجبت علينا توزيع الرواتب على الموظفين ابتداء من الشهر الأول للعام 2008. كما إن الموانئ عانت عجزًا لعامي 2003-2004. ودفعت وزارة المالية ذلك العجز كقروض. فأعادت الشركة العامة للموانئ القروض لوزارة المالية من إيرادات الموانئ للعام 2008.
مدير الشركة العامة للموانئ ينفي
إلى ذلك، نفى صلاح خضيرعبود مدير الشركة العامة للموانئ الموانئ وجود أي نقص في معدات واليات الموانئ. وقال ان الموانئ البصرية زاخرة بالبواخر. وأضاف نمتلك اليوم 8 حفارات تقوم بعملية حفر وكري الترسبات الطينية وانتشال الغوارق. وعن وجود 280 غارق في شط العرب مما يعوق حركة البواخر أوضح أنه جرى انتشال الغوارق البحرية في كل القنوات الملاحية، ما عدا بعض الأماكن في شط العرب، إذ إن الشركات التي رست عليها المزايدة لم تقم بالأمر كما ينبغي، أو لم تف بالتزاماتها، لذلك أوكلنا المهمة لشركات أخرى.
كذلك شهدت القنوات الملاحية تطوّرًا كبيرًا، حيث أزيلت كل الغوارق من قنوات ام قصر وخور الزبير وخور عبد الله، وأصبحت الملاحة فيها آمنة ليل ونهار، بعدما كانت مقتصرة على الملاحة النهارية فقط.
وعن سبب توقف العمل في الموانئ ليلًا، قال ان العمل في الموانئ يستمر للساعة السادسة وأحيانا يمتد الى الساعة الثامنة مساء.لكن لأسباب أمنية فلا نستطيع إدامة العمل في الموانئ لـ24 ساعة. ونفى الكابتن صلاح عبود ارتفاع عوائد الميناء قائلًا عوائدنا ثابتة ولا تخضع للمزاجية. اما بخصوص الابتزاز والاستنزاف الذي يخضع له التاجر تفريع وتحميل ونقل بضاعته فأشار عبود إلى أنه quot;أصبحنا نسمع كثيرًا وفي كل مكان عن حدوث أمور كهذه. لكن فعليًّا لم يتقدم أي تاجر بشكوى رسمية ضد جهة ما او شخص اخضع التاجر للابتزاز.
وتابع: هذا اتهام باطل يفتقر الى الدليل ولا يجوز الحكم بالمطلق على مثل هذه الأمور، خصوصا مع عدم تقدم أي تاجر بشكوى صريحة وواضحة حول المرتشي. وأضاف: على العكس قد يكون التاجر الذي يتخذ من دبي مقرا له ضحية للمعقب الذي كلفه بإتمام انجاز استلام وتخليص البضاعة. قد يلجأ المعقب إلى الكتابة الى التاجر أمورا كهذه لكي يغطي على سلوك خاطئ او تبديد مال التاجر لشخصه. وقال صلاح خضيرعبود ان موانئ البصرة تعمل وفق قوانين وتشريعات عالمية. ولا صحة لمن يقول إننا نعمد إلى زيادة العوائد، بل على العكس لدينا إعفاء ضريبي لمدة أسبوع.
واقر عبود بوجود سلطات ومؤسسات عديدة تعمل في الموانئ، ومنها وزارات الصناعة والمعادن، والتجارة، والنفط، والصحة، والداخلية، والمالية النفط وغيرها. وان كل جهة من تلك الجهات تعمل وفقا لضوابط معينة. حيث ان سلطة الموانئ غير ملزمة بحل إشكالات هذه المؤسسة او تلك الوزارة، لكن اذا تعلق الأمر بالجانب الفني والإداري فيجب على إدارة الميناء التدخل لحل اية مشكلة بالصورة الممكنة.
مؤامرة أم مبالغة
إزاء نفي شركة الموانئ العراقية لاتهامات التجار بسوء الإدارة ونقص الخدمات والفساد الإداري، فإن بعضًا من التجار الكبار يثير قضية أكبر من ما يتم تداوله. إذ يتهم الحاج سلمان الجابري مسؤولين كبار في وزارة النقل والمالية والكمارك وإدارة الموانئ، بخدمة دول مجاورة عن طريق العمل على إصدار قرارات متضاربة وتعقيد روتين الاستلام والتفريغ والنقل والابتزاز وسوء المعاملة. ورأى أن القرارات التعسفية كلها عوامل تصب في مصلحة موانئ الدول المجاورة كالأردن والكويت والإمارات. من أجل أن يلجأ التاجر إلى موانئ تلك الدول التي تقدم تسهيلات وترغيبات للتجار من أجل أن تضمن تشغيل موانئها وإنجاحها بأقصى طاقتها.
وقال الجابري لإيلاف إن quot;هذه مؤامرة لقتل موانئ البصرة. فسوء الإدارة والقوانين المتضاربة من الجهات المسيطرة على الموانئ والروتين والابتزاز والرشاوى والفساد كلها تعمل على جعل الموانئ العراقية طاردة. مما يضرب الاقتصاد العراقي. لأن هناك دولًا يعتمد اقتصادها على إيرادات موانئها الهائلة.
وهو أمر ينفيه مدير شركة الموانئ العراقية، الذي يرى أن موانئ البصرة في حال جيدة وزاخرة بالبواخر، قائلًا إن الموانئ العراقية وصلت خلال المدة الأخيرة الى مراحل عالية من التقدم والنمو، وأصبحت جاذبة للبواخر، كما شهدت عمليات الشحن والتفريغ مستويات عليا.
التعليقات