تسعى الصين إلى تعميق العلاقات مع اليونان، خصوصاً بعد إعلانها العزم عن مساندتها في ما يتعلق بمسالة ديونها الضخمة، عبر تطبيق أثينا الشروط التي فرضها عليها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل حصولها على قروض ضخمة. وتخطط بكين للقيام بمشاريع كبيرة في كل القطاعات اليونانية.

إعتدال سلامه من برلين: تجري زيارات رجال الأعمال الصينيين المتكررة إلى العاصمة اليونانية أثينا في غالب الأحيان من دون تغطية إعلامية كبيرة، كما هو الحال مع زيارات رسمية أخرى، والسبب في ذلك أنها كلها ذات طابع اقتصادي ومالي.

في منتصف الشهر الماضي، زار عاصمة اليونان، التي ترزخ تحت وطأة الديون الهائلة، وكادت أن تدخل في مرحلة الإفلاس، زارها تسانغ دينانغ نائب رئيس الوزراء الصيني، حيث وقّعت عقوداً عدة دسمة من أجل الاستثمار في قطاع الاتصالات والملاحة البحرية وغيرها.

وتقول مصادر مطلعة إن بكين خططت للقيام بمشاريع أخرى كبيرة في كل القطاعات في اليونان، منها قطاع بناء السفن، واليونان تاريخياً وكبلد ساحلي مشهورة في هذا المجال. وسبق هذا التوقيع زيارة لوزير التجارة الصيني شان دمينغ، حيث اجتمع مع نظيرته اليونانية لوكا تارسراتسا، التي أعربت عن ترحيبها الكبير بالشريك الصيني الجديد، كما أسمته، وشكرت الصين على الدعم الذي توفره حالياً عبر استثماراتها الضخمة من أجل إنقاذ بلادها.

وبعد هذه اللقاءات الكثيرة، أعلنت وزيرة الاقتصاد اليونانية عن خطة مهمة لتعميق العلاقات مع هذا العملاق الاقتصادي في أربعة مجالات، أولها تقوية الصادرات اليونانية إلى الصين وتوسيع نطاقها للعمل على إحداث توازن في التبادل التجاري وتشجيعه، وثانياً تطوير التعاون في قطاع الخدمات وتوسيعه من أجل جذب المزيد من السياح الصينيين إلى اليونان، ثالثاً تشجيع الاستثمارات الأجنبية في اليونان، وخصوصاً الرأسمال الصيني من أجل الاستثمارات في مجال التقنيات الحديثة والاتصالات والشحن والطاقة.

ويوجد حالياً عدد لا بأس به من المستثمرين الصينيين في اليونان، يحققون أرباحاً في مجالات كثيرة، لذا تريد الحكومة اليونانية رابعاً إفساح الإمكانيات لتبادل الاستثمارات بين البلدين. فالتعاون مستقبلاً، حسب قول الوزيرة، سوف يكون على صعيد الاستثمارات اليونانية في الصين أيضاً، وبدأ بالفعل خمسون مستثمراً يونانياً العمل في أنشطة عدة هناك، منها إنشاء في قطاع المواد الغذائية وتعليب الأسماك.

وما يمكن لمسه هو أن الصين تسعى إلى تعميق العلاقات مع اليونان، خصوصاً بعد إعلانها العزم عن مساندتها في ما يتعلق بمسالة ديونها الضخمة، عبر تطبيق أثينا الشروط التي فرضها عليها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل حصولها على قروض ضخمة.

إذ تبلغ ديون اليونان المعلن عنها أكثر من 300 مليار يورو، لكن القرض الضخم الذي حصلت عليه من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وهو 110 مليار يورو، لا يكفي لتغطية هذا الديون، ما يعني أن مليارات الاستثمارات التي سوف تتدفق من الصين سوف تأتي في الوقت المناسب.

يشار إلى أن المشاريع الصينية تركز بمعظمها على القطاعات الضخمة، حيث كشفت إحدى الصحف الألمانية النقاب عن أضخم صفقة تمت الشهر الماضي، وهي شراء اتحاد الشركات الصيني كوسكو مرفأ بيرياس، وهو من أكبر الموانئ اليونانية، لكن ظلت قيمة الصفقة غير معلنة. وبمقتضى الاتفاق، سوف يستغل اتحاد الشركات الصيني المرفأ لمدة 35 سنة، عدا عن ذلك، أعلن عن اهتمامه بشراء مصلحة سكة الحديد، التي تريد الحكومة اليونانية خصخصتها.

مع ذلك، ينظر خبير الاقتصاد والمالي برونو شميدت في فرانكفورت إلى هذا التقارب المالي الاقتصادي الصيني اليوناني بعين الحذر. ففي اتصال أجرته quot;إيلافquot; معه قال quot;إن اليونان تحاول البحث عن شريك مثل الصين لتكسبه كمستثمر، لكي تعيد اقتصاده إلى نصابه، لكن عليها أن تكون حذرة من التسرع في توقيع العقود من مجالات طويلة المدة، مثل استثمار الصينيين في مجالاتها الحيوية كالموانئ وغيرها. فهذا يفتح بوابة أمام البضائع الصينية، كي يكون لها منفذ قانوني وواسع إلى أسواق أوروبا عبر بلد عضو في الاتحاد الأوروبي، كي ينافس وبأبخس الأثمان السلع الأوروبية، خاصة مع تدني سعر اليورو، فالسوق من دون هذا الخرق المتوقع شبه غارق بالبضائع الصينية الرخصية.

من جهة أخرى، ذكر الخبير الألماني أن الاقتصاد الصيني لا يخلو من المشاكل المالية، معتمداً بذلك على التقرير السنوي الذي أصدره مصرف المراقبة الصيني CBRC الذي حذر من العواقب التي تهدد اقتصاد هذا البلد، خاصة بسبب القروض المشكوك بها في قطاع العقارات الصيني. ففي عام 2010 زاد الاعتقاد باحتمال تحول بعض القروض إلى مخاطر وخسارة للاقتصاد الصيني.

لذا فإن أي هزة اقتصادية في الصين سوف تأثّر بشكل سلبي كبير على كل شريك أجنبي يتعامل مع هذا البلد، خاصة اليونان، لأن ذلك سوف يكون له انعكاس خطر عليها. والسبب في ذلك هو أن المستثمرين الصينيين سوف يخلون الساحة بسرعة (أي البلدان التي يستثمرون فيها)، رغم العقود المبرمة من أجل الإسراع في إنقاذ اقتصاد بلدهم، فهم ما زالوا يفكرون بالعقلية التقليدية الصينية بعكس المستثمرين الغربيين.