رغم الحالة الاقتصادية السيئة التي يعانى منها المصريون ، فإنهم ينفقون حوالي 50 مليار جنيه سنويا علي المجاملات في المناسبات و الأعياد مقسمة بين الحكومة وأفراد الشعب، وهو ما يعد ظاهرة غريبة في ظل نار الأسعار و انتشار البطالة والشحاذة والفقر وغيرها من الأمراض الاقتصادية التي تتناقص مع حجم ما ينفقه المصريون تحت بند من بنود المظهرة أو المجاملة.

حسام المهدي من القاهرة: إنتشرت في الأسبوع الأول من رمضان مظاهر ما يمكن تسميته باقتصاد المجاملات ، فانتشرت التهاني مدفوعة الثمن منشورة في الجرائد المجلات المحلية ورسائل الـ SMS والهدايا وغيرها من الوسائل، استغلاها البعض في الترويج للحملات الانتخابية المقبلة، والبعض الآخر في مجاملة رؤساءه وهذا ما دفع إيلاف للتفتيش في اقتصاديات المجاملات في مصر، وكان قد كشف أحد أعضاء مجلس الشعب المصري أن الحكومة المصرية تهدر 10 مليارات جنيه سنويًا على المجاملات بأنواعها، والغرض من هذا الإنفاق هو تحسين العلاقات والمحاباة بين أعضاء الحكومة ndash; حسب رأي العضو- وإذا كانت الحكومة تنفق هذا الرقم الضخم على المجاملات فإن الشعب ينفق أربعة أضعافه كما جاء في دراسة سابقة أعدها الدكتور محسن الخضيري الخبير الاقتصادي والذي جاء فيها أن اقتصاد المجاملات بين أفراد الشعب تترواح بين 35 و40 مليار سنويا في صور المجاملات المختلفة من هدايا الأفراح وسرادق العزاء وأعياد الميلاد والتهاني في الجرائد ووسائل الإعلام المختلفة.

ويقول الدكتور محمد النجار أستاذ الاقتصاد أن المجاملات في مصر نوعان النوع الأول غير مدفوع الثمن والثاني مدفوع الثمن ، و النوع الأول غير المكلف ماديا يدخل ضمن ما يعرف ب (الايتيكيت ) و صوره كثيرة مثل الذهاب إلي الأفراح و زيارة الشخص المريض و السير في الجنازات و تبادل عبارات التعازي في السرادقات ، و تكثر هذه النوعية من المجاملات في الريف المصري و الأحياء الشعبية بالمدن و هي مفتقدة في أحياء الأثرياء ، كما أنها تعبر عن الحميمة في العلاقات الاجتماعية.

و يضيف الدكتور النجار قائلا : أما النوع الثاني من المجاملات فهي التي تكون مدفوعة الثمن و صورها كثيرة ، منها المجاملات التي يدفعها الوطن بأكمله و علي رأسها التهاني لكبار رجال الدولة و المسئولين في صفحات الجرائد و هي تؤثر علي الميزانية العامة للدولة ، و لا يقتصر هذا النوع من المجاملات علي الدولة فقط ، بل يحرص عليه كثير من الفئات في المجتمع، فمثلا إذا قرأت صفحات المجتمع في الصحف فستجد زوجة تهنئ زوجها بتوليه منصب ما أو ترقيته لدرجة وظيفية معينه و كذلك الأبناء أو العكس يبدأ الزوج في التهاني لزوجته و كذلك الأهل و الأقارب و الجيران.

ويؤكد أن المجاملات تعتبر جزءا من الإنفاق العام دون عائد علي المستوي القومي و إن كانت تمثل عائد علي المستوي الشخصي فقط . لذلك فهي تمثل عبئا علي الموازنة العامة للدولة التي تعاني من عجز مستمر.

و يلفت د . النجار النظر إلي زاوية أخرى في المجاملات و هي ( النقوط ) و هي ظاهرة موجودة في أفراح الريف و هي تمثل مديونية في ثوب المجاملة، بمعنى أن الناس هناك يذهبون لصاحب الفرح و يشدون أزره بالنقوط كنوع من المشاركة و في نفس الوقت يعتبر هذا دينا عليه ، فإذا لم يسدده في نفس المناسبة عندهم وقتها ستتحول النقوط إلي قنابل موقوتة فأصحابه يريدون المعاملة بالمثل و إلا فستكون الفضيحة علي الملأ بان فلان ابن فلان أخذ نقوطا من فلان و لم يردها في زواج أحد أبنائه.

يرى الدكتور صلاح الدسوقي- الخبير الاقتصادي- و رئيس المركز العربي للإدارة و التنمية إن الاهتمام بالمجاملات يكثر في الطبقات الثرية عن الوسطي خاصة في أفراحهم و أحزانهم أيضا للدرجة التي يتم تصوير العزاء بالفيديو و استيراد الكفن من الخارج و مظاهر أخرى عديدة ، و هذه الطبقة تعرف بالأغنياء الجدد ( New rich) و التي تحولت من مستوى اقتصادي في الحضيض إلي مستوي خرافي في الثراء . كما يرى د . الدسوقي أن اقتصاديات المجاملات لا تخرج عن كونها نوعا من الإنفاق الاستهلاكي الذي لا عائد منه ، لافتا إلي انه لو تم استثمار هذه المليارات في مشروعات تدر عائدا لكان أفضل بكثير بدلا من إهدارها تحت دعاوى الود و المحبة و العشرة الطيبة.