دعا السفير العراقي لدى المنظمات الدولية للغذاء والزراعة في روما الدكتور حسن الجنابي سوريا وتركيا الى تغليب روح الجوار والدين والمصلحة المشتركة والالتزام بالقوانين الدولية على روح الغلبة والابتزاز في قضية المياه المشتركة لتفادي المزيد من الخسائر والمخاطر .

لندن: أشار الجنابي في حوار اجرته معه quot;ايلافquot; تناول الاستراتيجية العراقية لمكافحة الجوع ان هذه الاستراتيجية كتبت العام 2007 وقد حدث باعتقادي تغير مهم في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية مما يجعل الاسس التي استندت إليها الاستراتيجية واستشرافها للفترات الزمنية لتحقيق اهدافها المعلنة، موضع تساؤل أو طعن مشددًا على ضرورة إعادة النظر بها ومراجعتها مباشرة بعد انجاز الاحصاء السكاني العام اواخر العام الحالي وليس في العام 2013 كما هو مطروح وجعل عملية المراجعة منتظمة بشكل دوري إما كل ستة أشهر أو كل عام . وتناول الحوار قضايا مهمة تتعلق بالامن الغذائي في العراق واستراتيجية مكافحة الجوع واوضاع العراق المائية في ظل بناء سدود سورية وتركية ومدى نجاح المبادرة الزراعية الحكومية واستراتيجية مكافحة الجوع في البلاد... وهنا مضمون الجزء الثاني الاخير من الحوار مع سفير العراق لدى المنظمات الدولية للغذاء والزراعة المعتمدة في روما (منظمة الفاو، وبرنامج الغذاء الدولي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية) :

مشكلة تقاسم المياه مع دول الجوار

*** هل تعتقد ان الخطط السورية والتركية لإنشاء سدود جديدة او إجراء تحويلات على مجرى نهري دجلة والفرات قد قربت العراق من الخط الحرج مائيًا .. كيف ذلك؟ وما هو المطلوب لتفادي هذا الامر؟

- العراق بلد يقع جغرافيا في ذنائب نهري دجلة والفرات، وبالرغم من ارتباط النهرين بالعراق عبر التاريخ، فأن منابعهما تقع خارج الحدود. وقد أنشأت الدولتان الجارتان تركيا وسوريا خلال العقود الثلاث الماضية منشآت السيطرة الكبيرة، اي السدود والخزانات على نهر الفرات، فخضع العراق كليًّا للطريقة التي تدار بها مياه الفرات من قبلهما. أما نهر دجلة فقد خضعت روافده النابعة من إيران الى تدخلات مضرة بالعراق من قبل دولة المنبع ايران، خصوصًا في حوض نهر ديالى، ونهر الكرخة الذي يجلب 50% من مياه هور الحويزة العراقي-الايراني المشترك، ولا بد من الاشارة الى الكارثة الأكبر التي حلت بالبصرة وشط العرب، الناتجة عن تحويل نهر كارون الايراني بعيدًا من مصبه الأصلي بشط العرب جنوبي البصرة، حيث كان المد البحري يدفع مياهه العذبة شمالاً، فاستبدلت بعدانقطاعه المياه العذبة بمياه البحر المالحة مما ادى الى موت البساتين والنخيل والاسماك، وخلق ازمة مياه مأساوية في البصرة، لايمكن حلها ابدًا الا بإعادة مياه نهري الكارون والكرخة الى مصباتهما التاريخية. ونأمل أن تتغلب روح الجوار والدين والمصلحة المشتركة، والالتزام بالقوانين الدولية، على روح الغلبة والابتزاز في المنطقة، فلا يمكن ان تزدهر المنطقة على حساب العراق وحقوقه.لتفادي المزيد من الخسائر والمخاطر، فإن العراق بحاجة الى بذل جهود جبارة لتحسين كفاءة استخدام موارده المائية، وخاصة للأغراض الزراعية، وكذلك للتوصل الى اتفاقيات دولية طويلة الأمد لتقسيم المياه مع دول الجوار.

الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر

***الى اي مدى تعتقد ان الاستراتيجية الوطنية المعلنة أخيرًا لمواجهة الفقر بين عامي 2010 -2014 قادرة على تحقيق اهدافها ؟

- لاشك ان الاستراتيجية المعلنة هي تعبير عن نية الحكومة العراقية باتخاذ اجراءات استثنائية لمواجهة الفقر، وهي تعبير عن إعتراف الحكومة بحراجة الوضع، وتفشي الفقر بناءا على معطيات مسوح واحصاءات شارك بها الجهاز المركزي للأحصاء. فالحكومة العراقية - على عكس النظام السابق القائم على سرية المعلومة- لم تعد خائفة من اعلان الحقائق للرأي العام، فهي حكومة منتخبة وليست مفروضة بقوة القمع، وإن إعلان الحقائق والعمل على تصحيح الوضع يكسبها مصداقية امام المجتمع. ولكن المشاكل لا تحل بالنوايا واعلان البرامج مهما كانت صادقة، بل بتحويلها الى برامج وصناديق تمويل وعمل حثيث يخلق حراكا حقيقيا، ويحشد قوى الدولة والمجتمع لمكافحة الفقر. وهذا لم يحصل لحد الان، إذ لم تدخل الاستراتيجية حيز التطبيق، بالرغم من ان اعلانها تم في شهر كانون الاول عام 2009، وهي مرتبطة الآن بتشكيل الحكومة الجديدة. الملاحظة الثانية حول الاستراتيجية هي ان المعطيات التي استخدمت لكتابتها هي معطيات العام 2007، وقد حدث باعتقادي تغير مهم في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يجعل الاسس التي استندت عليها الاستراتيجية، واستشرافها للمديات الزمنية لتحقيق اهدافها المعلنة، موضع تساؤل أو طعن. لذا انا أفضل أعادة النظر بالاستراتيجية ومراجعتها مباشرة بعد انجاز الاحصاء السكاني العام وليس في العام 2013 كما هو مطروح، وجعل عملية المراجعة منتظمة بشكل دوري إما كل ستة أشهر أو كل عام.

جوع أم مجاعة في العراق

***هل تؤيد المقولات التي تطرح حاليًا بأن الجوع يضرب بالعراقيين .. ولماذا؟

- لاتوجد مجاعة في العراق بل يوجد جوع، بمعنى عدم حصول المواطن او العوائل على كفايتها من الغذاء (او قل على ثلاث وجبات مغذية في اليوم). وهذا الجوع يشمل ربع المجتمع وفق الاحصائيات الرسمية، وربما أكثر من ذلك في الواقع الفعلي، لأن المعيار المستخدم لخط الفقر في العراق هو دولاران في اليوم. أي أن الذي يكسب أكثر من دولارين في اليوم يكون فوق خط الفقر، ولكنه يبقى فقيرًا!. فما الذي تفعله ثلاثة دولارات في اليوم للمواطن في العراق؟ العراق ليس بنغلاديش، او اي بلد فقير آخر، حيث يمكن للمواطن العيش المعقول اذا كسب دولارين في اليوم، وهذا ليس استعلاءً على البشر الفقراء الاخرين، بل ان ظروف المعيشة في العراق مختلفة، وقد فاقم انعدام الخدمات، نتيجة للحروب والارهاب، من صرفيات العائلة العراقية الى الحد الذي لايمكن ان تؤمن به احتياجات المواطن للغذاء والتطبيب والتعليم والنقل، وكهرباء المولدات، والوقود وغيرها، بدولارين في اليوم. إن العراق لايزال بلدًا يعاني من مخلفات ما بعد الحرب الشاملة، اضافة الى مشاكل أمنية معقدة، وهناك علاقة وثيقة بين انعدام الأمن وتفشي الفقر والجوع.

مشكلة أعادة الحياة الى الاهوار العراقية الجنوبية

*** استبشر الكثيرون بعد عام 2003 بعودة الحياة الى ألاهوار الجنوبية .. وفعلا اتخذت خطوات وتم تحقيق تقدم على هذا الطريق .. لكن التقارير الاخيرة تشير الى مخاوف من العودة بها الى اوضاعها السابقة .. لماذا؟ وما هو المطلوب للحفاظ عليها واستغلالها لصالح البيئة والزراعة والانسان؟

- نعم صحيح، وكانت استعادة الأهوار مكسبًا عظيمًا للشعب العراقي، وهي من أهم منجزات مابعد حرب 2003 بإعتقادي. وكان لي شرف المساهمة في عملية انعاش الأهوار التي جرت، سواءً بتشجيع الأعمال العفوية للسكان المحليين بتحطيم السداد التي استخدمت في التجفيف، أو بتنظيم والاشراف على عمل أجهزة وزارة الموارد المائية التي حشدت لإعادة الأهوار. وقد رأيت بنفسي عودة آلاف العوائل الى المنطقة بعد تهجيرهم، وقد كان الوضع المائي يسمح بتحويل المزيد من المياه الى الاراضي المجففة، وكانت استجابة البيئة للمياه الجديدة تشبه الأعجوبة. فخلال شهور انتشر القصب، والأكواخ، وتكاثرت الاسماك والطيور، والزوارق، والحيوانات، وقد تكاثف ذلك في السنين التي تلت، وعادت الأهوار لتصبح مجددًا مصدرًا اساسيًا للغذاء في المنطقة، دون ان تكلف خزينة الدولة اية مبالغ، ووفرت فرص عمل لعشرات آلاف المواطنين للعيش بكرامة والحصول على طعامهم مما تمنحه الأهوار. لكن الوضع منذ عام 2007 أخذ بالتدهور بسبب حالة الجفاف، اضافة الى تفاقم تأثير المنشآت في دول الجوار التي قللت ايرادات الموارد المائية. ولكن الشيء المؤكد هو ان سياسة انعاش الأهوار هي التزام للحكومة العراقية، على عكس سياسة التجفيف الرسمية التي التزم بها النظام السابق، وهذا مصدر للتفاؤل.