بعدما شهد سنوات عديدة من النمو و الزيادة الهامة، سجّل الاقتصاد الإماراتي تباطؤا ملحوظا منذ الربع الرابع من العام 2008. و بدءا من الفترة ما بين العامين 2005 و 2008، نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بمعدل سنوي مركب مقداره 21.9 في المائة. و وفقًا للتقارير الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لعام 2009 بمعدل 2.1 في المائة ليصل إلى 914.3 مليار درهم إماراتي، في حين شهد في العام الأسبق نموا بمعدل 23.3 في المائة.

دبي: ارتفعالناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للإمارات بمعدل 4.6 في المائة في العام 2009 في حين سجل نموا كبيرا مقداره 22.1 في المائة خلال العام الأسبق. و من ناحية أخرى، تراجع الناتج الإجمالي المحلي النفطي بمعدل 15.6 في العام 2009 في حين سجل ارتفاعا بمعدل 25.5 في المائة خلال العام 2008. ويرجع الانخفاض الملحوظ في معدلات نمو قطاع الهيدركربون بشكل مباشر إلى تراجع أسعار النفط. من جهة أخرى، يعزى توقف النمو الاقتصادي الإماراتي بصفة أساسية إلى الركود الاقتصادي العالمي، و انخفاض أسعار العقارات، و أزمة ديون دبي. و من جهة الناتج المحلي الحقيقي، فقد سجّل نموا بمعدل 1.3 في المائة في العام 2009 ( كما يتبيّن من التقديرات الأولية) ليصل إلى 514.5 مليار درهم إماراتي بالمقارنة مع 7.5 في المائة في العام 2008. و يعزى انخفاض معدلات النمو إلى أدنى مستوياتها في العام 2009 مقارنة بالأعوام السابقة إلى الانخفاض الهائل في أسعار النفط و معدلات إنتاجه نتيجة لقيام منظمة الاقطار المُصدّرة للنفط (الأوبك) بتخفيض معدلات الإنتاج (بواقع 2.26 مليون برميل يوميا في العام 2009 بالمقارنة مع 2.56 مليون برميل في العام 2008). و نتيجة لذلك، شهد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا بمعدل 13 في المائة في العام 2009 ليصل إلى 49.150 دولارا أمريكيا بالمقارنة ع 56.530 دولارا أمريكيا في العام الاسبق. و على الرغم من الانخفاض المسجل في العام 2009، فإن معدل نصيب الفرد الإماراتي من الناتج المحلي الإجمالي يعتبر ثاني أعلى المعدلات المسجلة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بعد قطر.

ارتفعا مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 4.6 في المائة، ليصل إلى 650.1 مليار درهم إماراتي خلال العام 2009 بعد نموه بمعدل 22 في المائة خلال العام الأسبق. و بلغت نسبة مساهمة القطاع غير النفطي في نمو الناتج المحلي الإجمالي 71.1 في المائة في العام 2009 بالمقارنة مع 66.4 في المائة. و فقا لغرفة تجارة وصناعة دبي، بدأت أسعار النفط ومعدلات إنتاجه في الانخفاض، ونتيجة لذلك، ارتفعت معجلات الإنفاق الحكومي على القطاع غير النفطي بهدف دعم اقتصاد البلاد. وعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد شهد نموا بمعدل 1.3 في المائة في العام 2009 فإن نمو الناتج المحلي الاسمي قد انخفض بمعدل 2.1 في المائة 20 مليار درهم إماراتي. و يعزى السبب الأساسي للعلاقة العكسية بين التقديرات الحقيقية و الاسمية لنمو الناتج المحلي في العام 2009 إلى الانخفاض الكبير في أسعار النفط. و أدّى انخفاض أسعار النفط إلى تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في حين بقيت معدلات نمو إنتاج النفط على حالها معظم العام. و كان ثبات معدلات إنتاج النفط السبب الذي جعل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2009 يشهد نموا طفيفا.

وعلى عكس غالبية دول الخليج، يعتمد الناتج المحلي الإماراتي بشدّة على القطاع غير الهيدروكربوني. و قد ساهم القطاع غير الهيدروكربوني في نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 67.3 في المائة في الفترة ما بين ي2005 و 2008. و نظرا لانخفاض أسعار النفط و مستويات إنتاجه، نمت مساهمة القطاع غير الهيدروكربوني في الناتج المحلي الإجمالي إلى 71.1 في المائة في العام 2009، لتحتل الإمارات المرتبة الثانية بعد البحرين من ناحية مساهمة القطاع غير الهيدروكربوني في الناتج المحلي الإجمالي. و وفقًا لمعهد النقد الدولي، يمثل الناتج المحلي الإجمالي المقياس المناسب للنشاط الاقتصادي في الدول المصدّرة للنفط، و قد كان أداء الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي جيدا على الرغم من الاداء الاقتصادي العالمي. و بناء على توقعات صندوق النقد الدولي، يتوقع أن يصل معدل نمو القطاع غير الهيدروكربوني إلى 4.5 في المائة في العام على مدى الأجل المتوسط وهو ما يعد أقل بنسبة 4 في المائة من معدل ما قبل الأزمة. ويرجع تباطؤ معدل نموه إلى تراجع نشاط قطاع العقارات في دبي، و تزايد الأسعار من أجل الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.

و منذ ان بلغ سعر برميل النفط 137 دولار في يوليو 2008، بدأت أسعار النفط في الانخفاض و وصلت إلى 44 دولارا بنهاية العام 2008. و في بداية العام 2009، تذبذت أسعار النفط ما بين 40 و 50 دولارا أمريكيا للبرميل ثم بدأت في الارتفاع تدريجيا لتصل إلى 80 دولارا أمريكيا بنهاية العام 2009 (حيث بلغ متوسط سعر البرميل 61.76 دولارا في عام 2009 مقابل 93.78 دولارا أمريكيا للبرميل في عام 2008) و نتيجة للانخفاض الشديد في أسعار النفط، أصدرت منظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط أمرا بخفض مستويات الإنتاج بنهاية العام 2008 للحد من المعروض من النفط ورفع أسعاره. حققت مساهمة النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي نموا تجاوز 32 في المائة في الفترة ما بين العام 2005 والعام 2008، ولكنها انخفضت إلى 29 في المائة في العام 2009 (مسجلة 264 مليار دولار). نمت مساهمة النفط الخام و الغاز في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي مركب مقداره 24 في المائة في الفترة ما بين 2005 و 2008ن في حين شهد العام 2009 انخفاضا مقداره 15.6 في المائة لتصل مساهمته إلى 264.2 مليار درهم إماراتي.

وكما تجلى في خطط التنمية الاقتصادية لإماراتي أبو ظبي و دبي، يمثل تنويع النشاط الاقتصادي بعيدا عن عن الاعتماد على النفط إستراتيجية تنمية الاقتصاد الإماراتي على المدى الطويل. و من ضمن القطاعات غير التفطية التي تتطلّع الإمارات إلى تنميتها، الخدمات اللوجيسيتة، والسياحة، و التجارة، و التمويل، و الصناعات التحويلية. منذ عام 2005، كانت أكبر نسبة مساهمة للقطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي متأتية من قطاع الصناعات التحويلية حيث بلغ معدل مساهمتها في 15.4 في المائة.

بلغت مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي لعام 2009 ما مقداره 16 في المائة و شهد نموا بمعدل 5 في المائة ليصل إلى 148 مليار درهم إماراتي في العام 2009. و كان قطاع قطاع البناء و التشييد ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية مساهمة في النمو الاقتصادي (فيما عدا النفط)، حيث سجل نموا بمعدل 8 في المائة، وصولا إلى 98 مليار درهم. وعلى الرغم من أن قطاع العقار وخدمات الأعمال شكل 8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، إلا أنه شهد ب تباطؤا في العام 2009 (مسجلا نمو بمعدل 4 في المائة مقارنة بالمستوى المسجل في العام 2008 البالغ 30 في المائة). و قد عوّضت مشاريع البنية التحتية الكبرى الخسائر التي تكبدتها دبي في هذا القطاع، مما ساعده على النمو بمعدلات طفيفة على الرغم من نقص السيولة.

ساهمت إمارة أبو ظبي بحوالي 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات في العام 2008. و نتيحة للانخفاض الملحوظ في أسعار النفط خلال العام 2009، يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009 حيث يكمن معظم النفط الإماراتي في إمارة أبو ظبي. و نظرا لاستمرار أسعار النفط في الارتفاع خلال العام 2010 الحالي وحتى العام 2011، نتوقّع أن تعود مساهمة إمارة ابو ظبي في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوياتها السابقة.

شهد الإنفاق الإجمالي ارتفاعا بمعدلات اسمية خلال عام 2009، بلغت 2 في المائة ليصل إلى 522 مليار درهم إماراتي بالمقارنة مع 512 مليار درهم إماراتي خلال العام الأسبق. و شهد الإنفاق الخاص زيادة طفيفة مقدارها 2 في المائة ليصل إلى 433 مليار درهم إماراتي في العام 2009. و من ناحية اخرى، نما الإنفاق الحكومي بمعدل 1.7 في المائة ليصل إلى 88 مليار درهم إماراتي خلال العام 2009 مقابل زيادة مقدارها 14 في المائة في العام 2008. و يشكّل الإنفاق الخاص في دولة الإمارات العربية المتحدة قرابة 47 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2009 مما يشير إلى الطلب الاستهلاكي يمثل مصدرا هاما للنمو الاقتصادي. و نما الإنفاق الاستهلاكي في الفترة الممتدة من العام 2005 إلى العام 2009، بمعدل سنوي مركب مقداره 14.5 في المائة مما يشير إلى تحوّل الاقتصاد الإماراتي المعتمد على النفط إلى اقتصاد معتمد على الاستهلاك.

شهد إجمالي تكوين رأس المال الثابت الذي يتضمن مكوّنات خاصة و حكومية، نموا بمعدل 6 في المائة ليصل إلى 318 مليار درهم إماراتي. و بلغت حصة القطاع الخاص من إجمالي تكوين رأس المال الثابت حوالي 72 في المائة في العام 2009، مما يبين سيطرة القطاع الخاص في الإمارات. يقيس التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت قيمة ممتلكات الحكومة أو قطاع الأعمال التجارية من الأصول الحالية أو الأصول الجديدة الثابتة. و هو يمثل المقدار المستثمر المضاف إلى الاقتصاد و ليس المُستهلك. و عادة ما تنخفض الاستثمارات التجارية في الاصول الثابتة خلال فترات الركود الاقتصادي أو الاضطراب المالي، إذ أنها تقيّد رأس المال اللازم لفترة طويلة كما أن المخاطر التي تنطوي عليها الأصول غير المدرة للأرباح تشكل داما مصدرا للقلق. يعتبر التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت بصفة عامةـ، مؤشرا جيدا على النمو الاقتصادي، و ثقة أصحاب الأعمال و الأنشطة التجارية المستقبلية. و بناء على توقعات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينخفض التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت بمعدل 12.7 في المائة في العام 2010.

و نتيجة لارتفاع الاستهلاك الخاص، تتوقع غرفة دبي للتجارة ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للإمارات بمعدل 8 في المائة خلال العام 2010. شهد الاقتصاد الإماراتي تراجعا كبيرا، خاصة منذ الإعلان عن ديون مجموعة دبي العالمية. و يقدر صندوق النقد الدولي أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للإمارات بمعدل 1.3 في المائة خلال العام 2010 الحالي. و بعد ان أعلنت مجموعة دبي العالمية عن توصلها إلى اتفاق مبدئي مع دائنيها لإعادة جدولة 23.5 مليار دولار أمريكي من ديونها، صرح صندوق النقد الدولي أنه يعتزم مراجعة تقديراته الأولية للنمو. و قال أيضا صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من وصول نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى أدنى مستوياته خلال العام 2010، فإنه يرى أن النمو سوف يستعيد نشاطه في العام 2011. واستند الصندوق في ذلك إلى سببين هما تزايد نشاط قطاع النفط و التجارة نظرا للانتعاش الاقتصادي الذي تشهده آسيا، و عملية إعادة جدولة الكيانات المملوكة لحكومة دبي. وفقا لغرفة دبي للتجارة، سوف يرتفع معدل التوظيف بمقدار 2 في المائة خلال العام 2010 مما سيعطي دفعة لنمو البلاد ويُعيد سير اقتصادها مجددا في مساره الصحيح.