تصاعدت المخاوف من خروج أزمة الديون الأوروبية عن السيطرة بتأثير الفوضى السياسية في أثينا وروما والركود الاقتصادي الذي أشاع الذعر في أسواق المال. وتفيد تقارير واردة من بروكسل أن ألمانيا وفرنسا بدأتا محادثات أولية حول تفكيك منطقة اليورو وسط مخاوف من أن تكون مشاكل إيطاليا أكبر من أي حزمة مساعدات لانتشالها من أزمتها.


تجدد الاضطراب في منطقة اليورو يشير إلى بوادر ركود عميق في أوروبا

إعداد عبد الاله مجيد: رغم إعلان رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني عزمه على الاستقالة بعد إقرار إجراءاته التقشفية في البرلمان فإن انهيار ثقة المستثمرين في ثالث أكبر اقتصادات منطقة اليورو بعد ألمانيا وفرنسا، رفع أسعار الفائدة إلى مستويات استدعت في السابق تحرك الاتحاد الاوروبي لإنقاذ البرتغال واليونان وإيرلندا. وتخطت مردودات السندات الإيطالية حاجز الـ 7 % لتصل إلى 7.5 % وسط مخاوف من أن يكون الوضع المتردي دفع الأزمة إلى مرحلة خطرة جديدة.

وفي أثينا، دخلت المحادثات بشأن اختيار خلف لجورج بابندريو طريقًا مسدودًا، وكانت مستمرة حتى صباح الخميس. وسعى الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو إلى طمأنة الأسواق بتأكيده على رحيل برلسكوني في وقت قريب.

وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن الوضع أصبح quot;بغيضًاquot;، ودعت الدول الأعضاء في منطقة اليورو إلى التسريع بخطط تعزيز الاندماج السياسي. ورأت أن الوقت حان لتحقيق اختراق نحو quot;أوروبا جديدةquot;.

وأصدر رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو دعوة جديدة إلى وحدة الاتحاد الأوروبي في مواجهة الأزمة الإيطالية كي لا يفقد الاتحاد مبرر وجوده. وأفادت تقارير أن مسؤولين كبارًا في باريس وبرلين وبروكسل بحثوا إمكانية خروج بلد أو أكثر من منطقة اليورو مع توجه الدول الباقية إلى تحقيق مزيد من التكامل الاقتصادي، بما في ذلك في مجال السياسة الضريبية والمالية.

وكانت أجهزة الرقابة المالية في عموم أوروبا تتابع عن كثب ليل الأربعاء وضع بنوكها المكشوفة وسط مخاوف من أن يؤدي الاضطراب المالي إلى عجز عن سداد الديون أو حتى إلى انهيار اليورو.

وقال محللون في سوق لندن إن تجدد الاضطراب في منطقة اليورو يشير إلى بوادر ركود عميق في أوروبا. ونقلت صحيفة الغارديان عن رئيس قسم الاستراتيجية في بنك أستراليا الوطني نك بارسونز quot;إنه لا مفر من حدوث انكماش في الربع الرابع من هذا العام، وإن هناك احتمالات بنسبة 60 إلى 70 % أن يحدث هبوط آخر في الربع الأول من العام المقبلquot;.

وسجلت الأسهم تراجعًا كبيرًا على جانبي الأطلسي يوم الأربعاء. إذ فقدت سوق الأسهم الإيطالية 4 % من قيمتها. وأغلق مؤشر فوتسي 100 على 5460.38 إثر هبوطه 106.96 نقطة. كما أغلق مؤشر داو جونز على 11780.94 هابطًا 389 نقطة.

وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد خلال ندوة مالية في بكين إن أزمة المديونية الأوروبية تهدد بدفع الاقتصاد العالمي إلى quot;عقد ضائعquot; من النمو الضعيف والانكماش من النمط الياباني. وحذرت من أن الاقتصاد العالمي يواجه دوامة من المجهول وانعدام الاستقرار المالي واحتمال انهيار الطلب quot;إذا لم نتحرك بجرأة، ونتحرك موحدين أيضًاquot;.

وقال سايمون دريك الخبير المالي في بنك نيويورك ميلون quot;إننا إزاء السؤال القائل quot;إذا وضعتُ نقودي في إيطاليا هل أستعيدها؟quot; نظرًا إلى عدم وجود شبكة أمان. وأضاف أن الأجواء في سوق لندن تعيد التذكير بالأربعاء الأسود في أيلول/سبتمبر 1992 عندما انسحبت بريطانيا من آلية سعر الصرف الأوروبي.

وكان الصعود الحاد في مردود السندات الإيطالية توقف بتحرك البنك المركزي الأوروبي، الذي تدخل في الأسواق لشراء كميات محدودة من الدين الإيطالي. لكن محللين قالوا إنه سيتعين على البنك في نهاية المطاف أن يكثف تحركه، ويقوم بدور المقرض النهائي لخفض أسعار الفائدة إلى مستواها قبل الأزمة.

وقال سوني كابور مدير مؤسسة ريديفاين للأبحاث في بروكسل quot;إننا قد نكون قريبين من النقطة التي يكون فيها خطر وجودي على منطقة اليورو، وبالتالي هناك خطر على البنك المركزي الأوروبي يلوح في الأفق، وإن هذا يمكن بسهولة عن يفلت من السيطرةquot;. ويعتبر البنك المركزي الأوروبي المؤسسة الوحيدة التي لديها القدرة على إنقاذ إيطاليا، لأن الاتحاد الأوروبي يفتقر الموارد لإسعاف مثل هذا الاقتصاد الكبير.

وأوضح بن ماي من مؤسسة كابتال إيكونوميكس للأبحاث المستقلة أن إيطاليا تحتاج 650 مليار يورو لإنقاذها وإبقائها بعيدة عن أسواق السندات خلال السنوات الثلاث المقبلة، وأن صندوق تسهيل الاستقرار المالي الأوروبي لن يتمكن من توفير حزمة إنقاذ بهذا الحجم.

وأكد مسؤولون في بروكسل يوم الأربعاء أنه لن تكون هناك حزمة إنقاذ كهذه تقدم إلى روما، قائلين quot;إن المعونة المالية ليست مطروحةquot;. في غضون ذلك، تصاعد الضغط السياسي على إيطاليا برسالة شديدة اللهجة وجّهها مفوض الشؤون الاقتصادية والنقدية أولي رين إلى وزير المالية الإيطالي جوليو تريمونتي، طالب فيها بتفاصيل ملموسة، توضح تحريريًا كيف ستنفذ إيطاليا كل إصلاح من الإصلاحات التسعة والثلاثين، التي تعهدت بتنفيذها.

وبعد ارتفاع مردود السندات الأوروبية إلى أكثر من 7 % دافعًا أسعار الفائدة إلى مستويات تطلبت في السابق حزم إنقاذ للدول المبتلية بأزمة المديونية في منطقة اليورو، أصدر الرئيس الإيطالي نابوليتانو بيانًا أكد فيه أن الإجراءات التقشفية الجديدة ستُقرّ في غضون أيام قليلة، وأن quot;لا لبس في قرار رئيس الوزراء الاستقالةquot;.

وقال نابوليتانو، الذي لا يستطيع بدء المشاورات مع القادة السياسيين قبل رحيل برلسكوني، إن حكومة جديدة ستُعلن لاتخاذ كل ما يلزم من القرارات أو أن انتخابات ستجري quot;خلال فترة قصيرةquot;. لكن مصدرًا قريبًا من الرئيس أكد لصحيفة الغارديان أن إجراء انتخابات مبكرة quot;ليس قضية مفرغًا منهاquot;.