الوزير الأول الفرنسي فرانسوا فيون

يواجه الإقتصاد الفرنسي في هذه الأثناء وضعاً صعباً نظراً لتراكم ديونها العامة وإرتفاع معدل العجز، إضافة إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى مستويات متدنية، وتحاول الحكومة إنتهاج مخطط تقشف على جرعات تجنباً لردود فعل غير محسوبة النتائج، خصوصاً أنها تأتي قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية.


باريس: يرى الخبراء الاقتصاديون أن فرنسا ليس أمامها أي حل آخر للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية التي وجدت نفسها فيها بفعل ثقل الديون العامة إلا بإنتهاج سياسة تقشف صارمة، وإن كان ليس بمقدور هؤلاء الخبراء تحديد مدة العمل بها في الظرف الحالي.

وفي هذا الإطار كانت الحكومة الفرنسية رفعت سن التقاعد من 60 إلى 62 سنة في إطار إصلاح نظام التقاعد، وفي آخر خطاباته أعاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الكرة إلى المعارضة الاشتراكية التي كثيراً ما أنتقدت الاختبارات الحكومية لتقويم الاقتصاد الفرنسي.

وقال سيد الإليزي ملمحاً إلى الإصلاحات الاجتماعية للمعارضة اليسارية عندما كانت في الحكم: quot;كان خطأ خطر العمل بسن التقاعد في حدود سن 60 سنة وحصر ساعات العمل الأسبوعية في 35 ساعةquot;.

كما سنت حكومة فيون بموجب سياسة التقشف المذكورة ضرائب جديدة، شملت نوعية من المشروبات الغازية، والسجائر وعلى بعض القطاعات، زيادة على إجراءات مهمة شملت الوظائف العمومية، كما قامت بخفض النفقات.

المزيد من إجراءات التقشف

يعتقد الخبراء الاقتصاديون أن فرنسا بحاجة إلى المزيد من إجراءات التقشف لتدارك مستوى العجز الذي تسجله البلاد، وتجنب تخفيض تصنيفها من الثلاثية quot;أي أي أيquot; إلى الثنائية quot;أي أيquot; من طرف وكالات التصنيف العالمية الثلاثة.

وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الفرنسية، في تقريرها الأخير، أن يتراجع معدل النمو إلى0.3 العام المقبل عوضاً عن 1 بالمائة التي تتحدث عنه الحكومة الفرنسية.

الخبير الاقتصادي خليد كراوي

ويعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي خليد كراوي، في حديث لإيلاف، أن quot;التدابير التي إتخذتها الحكومة الفرنسية غير كافية، وليست بذلك قادرة على وضع الاقتصاد الفرنسي على السكة الصحيحة. ويلزمها المزيد من إجراءات التقشف للتخفيف من العجز العام المحدد أوروبياً في نسبة معينة من الناتج الداخلي الخامquot;.

و من جانبها، حثت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فرنسا على إتخاذ إجراءات تقشفية إضافية، حددت قيمتها في مبلغ ثمانية مليارات يورو، أي ما يقارب 0.4 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، لكي تخفض العجز من مستوى 5.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5 بالمائة في 2012.

ومن المتوقع أن تسجل ميزانية فرنسا عجزاً كبيراً قد يصل إلى 8 بالمائة، وتعهد ساركوزي إلى خفضه إلى 3 بالمائة في حدود سنة 2013، حتى ينسجم وما تمليه القواعد الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، إلا أن بعض الخبراء يرون أنه من الصعب تحقيق ذلك، أمام تضاعف الديون العامة لهذا البلد.

وفي ظل هذا الوضع الصعب يتحدث الخبراء الاقتصاديون عن إمكانية خفض ترتيب فرنسا من طرف وكالات التصنيف العالمية الثلاثة، لتنتقل من ثلاثية quot;أي أي أيquot; إلى ثنائية quot;أي أيquot;، ما سينعكس سلباً على مستقبلها الاقتصادي.

ويقول كراوي بهذا الخصوص quot;قد تفقد فرنسا تصنيفها، وهو ما سيثقل كاهلها بالديون، كما وسيرفع من نسبة الفائدة على السندات الحكومية التي سترتفع إلى مستويات قياسية، وهو ما سيصعب على فرنسا عملية الاستدانة وربما قد تواجه مشاكل في السيولةquot;.

المعارضة اليسارية لا تشاطر الحكومة نفس المقاربة

المعارضة اليسارية وعلى رأسها الاشتراكيين لا تساير الحكومة اليمينية في مقاربتها لمعالجة الأزمة، بل وتتهمها بكونها كانت السبب في ما آل إليه الاقتصاد المحلي، حيث إعتبرت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي أن quot;الحكومة تنحو سياسة خطرة على الاقتصاد وغير عادلة إجتماعياً...quot;.

وبنفس النبرة تتابع زعيمة الحزب الاشتراكي: quot;في ظل غياب الشجاعة لمراجعة الهدايا الضريبية التي قدمت للمحظوظين من طرف اليمين منذ عشر سنوات، حيث تتمادى الحكومة في سياسة اقتصادية غير منصفة وخطرة على البلادquot;.

وكانت الحكومة الفرنسية منحت عدد من الامتيازات الضريبية للمقاولات المحلية، وذلك بهدف تشجيع الاستثمارات والنمو الاقتصادي ومحاربة رحيلها نحو البلدان النامية، إلا أن المعارضة كثيراً ما أحتجت على هذه الإصلاحات الضريبية التي تقول أنها quot;لا تخدم إلا الطبقة الغنيةquot;.

ولتجاوز هذه الأزمة، يتفق الخبراء الاقتصاديون، بحسب كراوي، quot;على المزيد من خفض النفقات الحكومية، وإعطاء المزيد من الصلاحيات للمؤسسات الأوروبية بإعتبار أنه لا يمكن لها أن تتخذ قرارات في الوقت الحالي لتهدئة الأسواق المالية وحماية إقتصاديات البلدان الأوروبية الكبرىquot;.

تبعات الأزمة على البلدان العربية والمهاجرين

يؤكد خليد كرواي أن الوضع الاقتصادي الحالي في فرنسا quot;سيكون له تأثير على اقتصاديات البلدان العربية، سواء منها المغاربية المرتبطة اقتصاديا بالدول الأوروبية، بشكل مباشر، عن طريق الاستثمارات والمعاملات التجارية على المدى المتوسط.

أو غير مباشر، من خلال تحويلات المهاجرين من العملة الصعبة نحو بلدانهم، علماً أن المغرب مثلاً، أول إيراداته تأتي من المهاجرينquot;.

ويضيف قائلا أن تأثير الأزمة سيمتد إلى باقي الدول العربية، مشيرا إلى أن quot;على دول الخليج المقبلة على اتحاد نقدي أن تستفيد من هذه الأزمة التي تضرب منطقة اليوروquot;، وهذه الدول بدورها قد تتعرض لأضرار كبيرة، يقول ضيفنا،quot;مع تراجع أسعار النفط الذي يشكل أول مورد للمنطقةquot;.

وفي الختام لا يستبعد كرواي أن quot;يتضرر المهاجرون من هذه الأزمة كما هو حاصل اليوم في اسبانيا... وهو ما قد يدفع بالعديد من الحكومات الأوروبية إلى المزيد من تشديد قوانين الهجرةquot;.