فيما يعيش المصريون نشوة إنتصار ثورتهم، تعاني غالبيتهم إرتفاع الأسعار، ولا سيما أسعار السلع الغذائية، وتسرب الإحباط إلى نفوسهم وبخاصة البسطاء، الذين كانوا يعلقون آمالاً عريضة على الثورة، ظناً منهم أنها سوف تحدث تغييرات فورية في حياتهم.


القاهرة: علّق المصريون آمالاً عريضة على الثورة، ظناً منهم أنها سوف تحدث تغييرات فورية في حياتهم، ولكن من دون أن يطرأ أي جديد، حيث لم تحقق ما كانوا ينشدونه من إنتعاش إقتصادي وتوفير فرص العمل، وتحسن في أحوالهم المعيشية. فمتى يتعافى الإقتصاد المصري من جراحه، ويحقق آمال هؤلاء البسطاء الذين لا يعرفون من الثورة والسياسة سوى لقمة العيش؟.

للإجابة عن هذا السؤال المصيري، يرى خبراء إقتصاديون تحدثت إليهم quot;إيلافquot; أن مستقبل الإقتصاد المصري مرهون بتحقق الديمقراطية واستتباب الأمن في البلاد، مؤكدين أنه في حالة توافر الشرطين السابقين سوف يشهد طفرات غير مسبوقة. وأضافوا إليهما شرطًا ثالثًا هو انتصار الثورة الليبية، حيث سوف تعود العمالة المصرية إلى ليبيا، التي تقدر بما يزيد على مليون ونصف مليون مصري، بل سوف تحتاج ليبيا ضعف هذا الرقم لإعادة الإعمار.

وقال الدكتور سمير طوبار أستاذ الإقتصاد في جامعة الزقازيق إن الإقتصاد المصري سوف يتعافى مما حاق به من أزمات منذ إندلاع الثورة خلال ستة أشهر على الأكثر، ويعود إلى معدلات النمو العادية التي كان يسير بها قبل يوم 25 يناير، مشيراً إلى أن مناخ الإحتجاجات الفئوية وغياب الإستقرار يهدد بتعطيل عجلة النمو، ويزيد من متاعب الإقتصاد.

وحول المدى الطويل للإقتصاد، قال طوبار إن أي اقتصاد في العالم يكون حسّاسًا جداً للديمقراطية، موضحاً أن المستثمرين الأجانب يفضلون وضع أموالهم في مشروعات في دول تنتهج السلوك الديمقراطي في تعاملاتها مع مواطنيها، وبالتالي يسود فيها القانون، الذي يفضل الرأسمال أن يكون هو الفيصل بينه وبين المتخاصمين، سواء من الأفراد أو الحكومات.

مشيراً إلى أن ذلك يفسر السّرّ وراء سيطرة الفقر على الدول التي تتسم أنظمة الحكم فيها بالإستبداد، حيث تسيطر على مقاليد الأمور فيها عائلة الرئيس أو الملك وحاشيته، وتتفشى الرشوة والفساد، وهذا ما كشفته وثائق ويكيليكس، حيث أظهرت أن عائلة القذافي كانت تسيطر على منابع الإقتصاد في ليبيا، كما هو الحال مع عائلة زين العابدين بن علي وأصهاره في تونس، وكذلك في مصر.

وهذا المناخ غير جاذب للإستثمارات أبداً. وتوقع طوبار حدوث طفرات في الإقتصاد المصري مع الولاية الأولى للرئيس المنتخب الجديد، وإقرار دستور جديد، يكرس للديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة المؤسسات والقانون. حيث ستصبح مصر جاذبة للرأسمال الأجنبي، لاسيما في المجالات الزراعية والتنقيب عن البترول والإستثمارات طويلة الأمد. أما السياحة فسوف تشهد إنتعاشة واضحة مع الموسم الجديد الذي يبدأ في شهر نوفمبر/تشرين الثانيالمقبل.

لكن هل سينعكس ذلك بالإيجاب على العمال وسائر المصريين؟. ويوضح الدكتور محمد عبد الخالق الأستاذ في مركز الدراسات الإقتصادية المستقبلية، أن الثورة المصرية قامت لأسباب أقتصادية وإجتماعية بالأساس، حيث كان المصريون يعانون ضيق الأحوال المعيشية في مقابل إرتفاع جنوني لأسعار السلع الضرورية، ولاسيما الغذائية منها، فضلاً عن ضعف الرواتب وعدم توافر فرص عمل، ورفض الدولة تعيين متخرجين جدد في الجهاز الإداري للدولة أو المؤسسات الرسمية، وقصر الوظائف ذات الدخول المرتفعة على أبناء المسؤولين والقادرين على دفع رشاوى بعشرات الآلاف من الجنيهات.

مشيراً إلى أن هذا ما جعل قطاعات عريضة تشارك في الثورة، أملا منها في تحسن أحوالها المعيشية، ونظراً إلى أن نحو 43% من المصريين يعانون الأمية، ويعملون في مهن هامشية أو أعمال وحرف بسيطة، فقد كانوا يتوقعون أن تلبي الثورة مطالبهم فور إنتصارها على نظام الحكم ورحيل مبارك وابنيه وحاشيته، ولكن خاب ظنهم، وتملكهم شعور شديد بالغضب، وظهر ذلك في صورة إحتجاجات وتظاهرات مطلبية وفئوية، ما أدى إلى توقف عجلة الإنتاج، ومن ثم عجزت بعض المؤسسات عن دفع الرواتب أو تأخرت في تسليمها للعمال، فزادت مشاعر الغضب، التي تزامنت مع الإعلان عن قضايا الفساد ونهب المال العام، التي ضمت مبالغ تقدر بالمليارات من الدولارات.

وأضاف أن هناك عوامل عدة سوف تساهم في تحسن الإقتصاد على المدى القريب وأخرى سوف تساهم في حدوث قفزات له على المدى البعيد، موضحاً أن توافر الأمن والإستقرار وعدم اللجوء إلى الإحتجاجات الفئوية والمطلبية، سوف يؤدي إلى عودة الإقتصاد إلى معدلات النمو الطبيعية التي كان عليها قبل الثورة والتي كانت تقدر بنحو 5.8%، حيث إنها تبلغ الآن 3.5%، لافتاً إلى أن السياحة سوف تشهد إنتعاشة حقيقية مع نهاية العام الحالي، وسوف تعود قناة السويس إلىمعدلاتها الطبيعية.

وعن الظروف المطلوب توافرها لحدوث قفزات على المدى البعيد، قال عبد الخالق: تتمثل تلك الظروف في نجاح تجربة الديمقراطية وانتخاب رئيس للبلاد ووضع دستور جديد، وإستتباب الأمن، والقضاء على الفساد، الذي يعتبر من أخطر العوامل الطاردة للإستثمارات، كما إنه كان يلتهم نحو 6.7 مليارات دولار سنوياً من أموال المصريين، إضافة إلى تدريب العمالة وتحسين أدائها لتكون مستعدة لتدفق الإستثمارات في مختلف المجالات ومنها المجال التكنولوجي.

مصر سوف تكون دولة جاذبة للإستثمارات إذا حدثت مكافحة جادة وقوية للفساد، لاسيما أن إقتصادها متنوع ولا يعتمد على مصدر واحد، إنه رأي الدكتورة إيناس عبد العزيز أستاذ الإقتصاد في جامعة القاهرة، وقالت إن مصر سوق تعيد تجربة تركيا أو كوريا الجنوبية، حيث حققتالدولتان نهضة إقتصادية واضحة خلال سنوات قليلة، شريطة تطوير البنية التحتية، وإصلاح قوانين الإستثمار، مشيرة إلى أن مصر تمتلك الكثير من الكفاءات والمواهب في شتى المجالات، ولديها مواقع آثرية متعددة وشواطئ ومعالم سياحية وصحراء وأراضٍ خصبة وأيدٍ عاملة وفيرة، وكل تلك العوامل ستساهم في إحداث النهضة الإقتصادية إذا أحسن استغلالها.

وأشارت عبد العزيز إلى أنه من المهم أن يعاد ترتيب أولويات الإقتصاد، بحيث تكون الزراعة أولوية أولى، لاسيما أن مصر بلد زراعي بالأساس، حتى يمكنها تحقيق الإكتفاء الذاتي من القمح، فهي تعتبر المستورد الأول له على مستوى العالم، يجب على الحكومة أن تبحث عن وسائل للزراعة الحديثة وتدريب المزارعين عليها، وأن تكون الأولوية للمحاصيل الغذائية، وليس الخاصة بصناعة العطور أو التي تستخدم في التصدير مثل العنب والموز.

وسوف تظهر نتائج التحول نحو الإهتمام بالزراعة سريعاً ما يؤدي إلى توافر السلع الغذائية بأسعار منخفضة، وهذا ما يهم المواطن بالدرجة الأولى، وبناء عليه سوف يشعر بالرضا وتحسن الإقتصاد.

وينبه الدكتور منير سلام الخبير الإقتصادي في مركز الدراسات الإجتماعية والإقتصادية إلى أن الدول العربية والأجنبية في إنتظار ما ستسفر عنه الثورة المصرية، فإذا نحجت في وضع مصر ضمن البلاد الديمقراطية، وقام النظام الحاكم الجديد بحزمة من الإصلاحات الإقتصادية بالتوازي مع الإصلاحات السياسية، سوف تحدث إنتعاشة في الإقتصاد، وتتحسن أحوال المواطنين، لافتاً إلى أن من المهم أيضاً إصلاح التعليم وربط المتخرجين بسوق العمل، والإهتمام بالصناعات الصغيرة، وتدريب وتأهيل العمالة.

وأضاف سلام أنه كما كانت للثورة الليبية تأثير سلبي على المصريين، حيث أدت إلى عودة مئات الآلاف منهم إلى بلدهم، فسوف يكون لنجاحها في إسقاط نظام حكم الرئيس معمّر القذافي تأثير إيجابي أيضاً، وأوضح أن إعادة الإعمار في ليبيا سوف تحتاج تلك العمالة العائدة، وبل أضعافها، سوف تفتح للمصريين المزيد من فرص العمل هناك.