لليوم الـ68 على التوالي، يستمر إضراب عن العمل يشنه 240 عاملا جزائريا احتجاجا على تصرفات مجموعة صينية تسيّر مصفاة نفطية ضخمة في منطقة أدرار (1000 كلم جنوبي الجزائر). هذا الوضع الذي لا يزال عالقا ومرشحًا للاستمرار شلّ المصفاة بالكامل، وهو ما تنفرد quot;إيلافquot; بتفاصيله.


الجزائر: يؤكد ممثلو العمال المضربين أنّ المتعامل الصيني quot;سي أن بي سيquot; داس على القوانين الجزائرية ومسّ كرامة المستخدمين الجزائريين بممارسات غير مشروعة في مصفاة أدرار، وسط برود غريب من السلطات والمجموعة النفطية سوناطراك. ويقول quot;محمد عزيزاويquot; الناطق الرسمي للمضربين، إنّ مصفاة أدرار دأبت على إنتاج دوري بحدود ستمائة ألف طن من الوقود (بنزين ndash; مازوت وغاز منزلي)، وجرى الاتفاق لدى افتتاح هذه المصفاة قبل أربع سنوات، على تكفل الجانب الصيني بأعباء العمال الجزائريين ووفائه بحقوقهم، إضافة إلى رسكلتهم لتمكينهم من تسيير المصفاة بشكل تام لاحقا.

إلاّ أنّ الأمور لم تسر كما يشتهي العمال، مثلما يؤكد quot;مولاي علي اسماعيلquot; أحد قادة نقابة المصفاة، ما جعل شرارة الحركة الاحتجاجية تشتعل في العشرين من آذار/مارس الماضي، ولا تزال مستمرة إلى غاية كتابة هذه السطور دونما استجابة للائحة المطلبية من المعنيين، علما أنّ الشريك الصيني يمتلك 70 بالمائة من أسهم المصفاة بمقابل 30 بالمائة للمجموعة النفطية الجزائرية سوناطراك (المملوكة للحكومة).

ويركّز المتحدث باسم المضربين محمد عزيزاوي لـquot;إيلافquot;، على أنّ إدارة quot;سي أن بي سيquot; ضربت عرض الحائط بقوانين العمل المحلية السارية المفعول، رغم أنّها مُلزمة بتنفيذها بحكم نشاطها على الأراضي الجزائرية. ويبرز عزيزاوي امتناع المجموعة الصينية عن إقرار الاتفاقية الجماعية وإلزامها المستخدمين الجزائريين بالامتثال إلى البنود نفسها التي تسيّر العمال الصينيين، فضلا عن ممارستها ما يسميه النقابي الجزائري صنوفا من quot;الإجحافquot; وquot;المماطلةquot;، وإطلاق مزاعم مغلوطة من قبيل quot;عدم جودة النفط المنتجquot; وquot;التسبب في أزمة وقودquot;.

ويُعدّد المتحدث باسم المضربين، ألوانا من التجاوزات كعدم احترام الجانب الصيني، سلّم الرواتب ولا مبالاته بحقوق العمل، ما جعل مئات العمال الجزائريين ينتظرون ترسيمهم كموظفين رسميين رغم استهلاكهم أربع سنوات في مناصبهم، بجانب عدم استفادتهم من خدمات التأمين على نحو جعل العشرات ممن كانوا عرضة لحوادث عمل، يهرولون بإمكاناتهم الخاصة لتوفير مستلزمات العلاج. وبشأن تعاطي مجموعة سوناطراك مع الملف باعتبارها شريكا في المصفاة، يلفت عزيزاوي إلى أنّه على منوال الصمت الذي لاذت به منذ أعوام طويلة، حضر ممثلها بضع مرات إلى المكان بشكل quot;هزليquot; على حد تعبيره، حيث اكتفى بتقديم وعود لا ترتقي إلى مستوى الحلول الواقعية. ويستدل محدثنا بكون المسؤول إياه تعامى عن كل المشكلات، وتجاهل مطالبات المُضربين بتدخل فوري لإدارة سوناطراك وإدماجهم في الشركة البترولية الجزائرية، على أن تصبح الأخيرة الوصي الوحيد على المصفاة.

وإزاء انسداد قنوات الحوار، وقيام العمال المضربين بالاعتصام أمام مقر شركة quot;سي أن بي سيquot; في أدرار، أقدمت إدارة المتعامل الصيني على الزجّ بالمستخدمين الغاضبين في عطلة مفتوحة منذ 21 نيسان/أبريل المنقضي، وهو رد فعل مُبهم لم يرافقه أي توضيح لممثلي العمال أو لمجموعة سوناطراك حول مؤدى هذه العطلة المفتوحة وتداعياتها على المستخدمين وما إلى ذلك.

ورغم نقل عزيزاوي على لسان مسؤولي سوناطراك، أنّ القرار الذي اتخذه الصينيون أحادي ولاغ في آن واحد، إلاّ أنّ القائمين على شؤون quot;سي أن بي سيquot; ذهبوا إلى أبعد من ذلك، باستخدامهم في العاشر آيار/ مايو الجاري، قوة عمومية تألفت من مائة دركي لطرد العمال المضربين من مقر النقابة والسكنات الوظيفية التي كانوا يشغلونها.

وفيما لم يتسنّ الحصول على توضيحات من إدارة quot;سي أن بي سيquot; بدعوى غياب مديرها quot;خو خي خونغquot;، تماما مثل إحجام إدارة سوناطراك عن إعطاء أي تعليق، يتواجد المُضربون حاليا في اعتصام مفتوح أمام مقر ولاية أدرار، حيث نصّبوا خيمة هناك وسط الشارع، ويفيد عزيزاوي أنّ زملاءه اتصلوا بالوالي لكنه صرّح أنّ القضية أكبر منه، في حين لم يكن للمراسلات التي بُعثت إلى جميع الوزارات، أي رجع صدى. وأمام استهلاكهم كثيرًا من الأوراق، يخطط عمال مصفاة أدرار وغالبيتهم من أبناء الجنوب الجزائري، للصعود إلى عاصمة البلاد، وتنظيم وقفات احتجاجية هناك أمام مقار الشركة الصينية وكذا مجموعة سوناطراك، إضافة إلى مقر وزارة الطاقة والمناجم، لإيصال أصواتهم طالما أنّ الأشياء لا تزال محتبسة، وتلقي العمال رواتب غير مكتملة.

ويعلن quot;مولاي علي اسماعيلquot;:quot;نريد مقابلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإبلاغه بحتمية إدماج العمال تحت غطاء سوناطراك، فضلا عن استرجاع كرامة العمال والكوادر، وتسوية حقوقهم، والتحقيق في استعمال القوة ضدّ العمال، ناهيك عن محاسبة المسؤولين وفضح المتآمرين على الجزائرquot;. ويتصور quot;هيثم ربانيquot; مراسل quot;دوتش فيلهquot; في الجزائر الذي عاين عن قرب معاناة عمال مصفاة أدرار، أنّ المشكلة تمثل واحدة من عشرات المشاكل التي تفرزها اتفاقات شراكات جزائرية أجنبية لم تبت بشكل دقيق وواضح في حيثيات هذه الاتفاقات من زاوية حقوق العمال الجزائريين، ووجد هؤلاء ndash; في حالة مستخدمي مصفاة أدرار ndash; أنفسهم تحت رحمة الجانب الصيني.

وينبّه رباني إلى أنّ الجزائر لا تحتاج إلى متاعب إضافية تولدّها الحالات المُشار إليها، لأنّ غضب العمال قد يؤدي الى اشتباكات وما يترتب عن ذلك من تفاعلات. ولإخراج مستخدمي مصفاة أدرار من النفق الذي يعيشونه، يدعو رباني إلى مراجعة الجانب الإجتماعي للاتفاق، إذ لا بد من تفعيل بنود هذا الجانب في كافة اتفاقات الشراكة الجزائرية الأجنبية، حتى لا يستفحل طاعون يهدد في حال عدم تطبيق القوانين كما هي، إلى ما لا يُحمد عقباه. ووسط أحاديث غير مؤكدة عن ضغوط تمارسها سوناطراك على شريكها الصيني وتناقل أنباء عن زيارة وفد من سوناطراك للمنطقة هذا الأحد، يقول quot;مصطفى زقلاويquot; النقابي في مصفاة أدرار إنّه لا يدري الى أين ستؤول الأمور مع احتمال بقاء الوضع عالقا لأشهر قادمة، بينما يتساءل quot;مولاي علي إسماعيلquot;:quot;هلحق الإضراب ألغي في الجزائرquot;.

ويحيل quot;مولاي علي اسماعيلquot; وquot;محمد عزيزاويquot; على أنّ الطرد جرى بموجب قرار قضائي استعجالي اتخذته إحدى المحاكم المحلية، مع أنّ وفدا عن مجموعة سوناطراك، زار المنطقة في الخامس من الشهر الحالي شدّد على انتفاء quot;قانونيةquot; قرار العطلة المفتوحة، لكنّ الطرف الصيني لم يبال، وجعل مصائر 240 عاملا بينهم مائة كادر جامعي، عُرضة للمجهول.