سليمان بن عيسى

كامل الشيرازي من الجزائر: يرافع مسرحيون في الجزائر لأجل إحياء quot;المقهى المسرحيquot; العريق هناك، كتوليفة لاستعادة جماليات الفرجة وسط دعوات لمراودة الجماهير في فضاءات غير تقليدية، بعدما أضحت المسارح الكلاسيكية في البلاد تشكو هجرانا ملحوظا أثرّ سلبا على تطبيقات الفن الرابع.
يعتبر الوجه المسرحي الجزائري المعروف quot;زياني شريف عيادquot; أنّ الرجوع إلى جو المقهى المسرحي في بلاده، بات ضرورة في ظلّ ما يطبع المرحلة الراهنة، سيما وأنّ عروض المقهى المسرحي قبل عشريات أفلحت في اجتذاب جماهير غفيرة من مختلف الفئات والميولات.
ويبرز زياني نجاحات مواطنيه الراحلين أمثال quot;محمد التوريquot;، quot;رشيد القسنطينيquot;، quot;سيد علي فيرنانديل، علالو، علي سلالي المعروف بعلالو، محي الدين باشطارزي، رشيد القسنطيني، سعد اللّه إبراهيم المعروف بدحمون، رويشد وغيرهم، حيث كانوا يمارسون مسرحا اجتماعيا رائقا تعرضوا من خلاله لعديد المواضيع بأساليب خفيفة كانت فيها روح التواصل هي السائدة.
ويشير زياني الذي يرأس الجمعية المسرحية quot;الغوستوquot;، إلى فضائل العودة إلى المقهى المسرحي من حيث ذهاب المسرحيين إلى الجماهير على منوال مسرح الشارع، وفسح مجال الإبداع أمام الجميع بمن فيهم أولئك الذين ليس لهم فضاءات خاصة بالتمارين والعروض، ناهيك عن ابتداع أشكال فنية جديدة.
بهذا الشأن، يوضح زياني الذي كان يدير المسرح القومي:quot;تعميم المقاهي المسرحية بمختلف المدن الجزائرية ستجعل المشهد العام رائعاquot;، بيد أنّ زياني يوقن بصعوبة تجسيد الفكرة بسبب ما يسميه quot;تصلّب مواقفquot; مسؤولي الفضاءات الثقافية تجاه إسقاطات الفن الرابع، رغم أنّ هناك عدة أشكال من التعبير المسرحي، بحيث لا يجب أن يقتصر عرض المسرحيات في قاعات العرض فحسب، إذ يمكن أن يتم عرضها في أماكن أخرى كالمقاهي الشعبية مثلا.
ويراهن زياني الذي سبق له إخراج مسرحيات عديدة مثل quot;قالوا لعرب قالواquot;، quot;الشهداء يعودون هذا الأسبوع، وquot;العيطةquot;، على نموذج المقهى المسرحي لاستعادة نكهة المسرح الشعبي وتقريب المسرح من المتلقين، ولسان حاله:quot;لا نحتاج إلى مسرحيات بل نفتقر إلى ممارسة ركحية في أماكن حميميةquot;.
وشكّلت مسرحية quot;الكوخ يا صديقيquot; التي أخرجها زياني شريف عياد وجرى عرضها نهاية الأسبوع الماضي، أنموذجا للمقهى المسرحي من خلال نقل العمل بطريقة طريفة انشغالات وتطلعات وآمال وآلام المجتمع المحلي.
وعبر زمن مسرحي اتخذ من المقهى العتيق quot;السعادةquot; فضاء له، يحتدم سجال بين صاحب المقهى والشاب المنهك quot;عليلوquot; المشدود بحنينه إلى الماضي، ويدور حوار بديع حول رمزية المكان وجدل الهوية وحلم عليلو لبلوغ الضفة الأخرى لبحيرة المتوسط.

زياني شريف عياد
بدوره، يستحسن المخرج المسرحي quot;أحمد خوديquot; تجربة المقهى المسرحي التي مورست بشكل ما خلال السنوات الأخيرة في فضاء الجمعية الثقافية quot;الجاحظيةquot; وكذا على مستوى المكتبة الوطنية الجزائرية تحت إشراف الدكتور quot;أمين الزاويquot; الذي أسس أيضا للمقهى الأدبي ونظيره الفلسفي، وهو طرح يؤيده الكاتب والمخرج quot;سليمان بن عيسىquot; صاحب مسرحيات ذائعة الصيت مثل quot;غضب الصمتquot;، quot;بوعلام زيد لقدامquot;، quot;المحقورquot;، راك خويا وأنا شكونquot;، quot;يوم الجمعةquot;، وquot;مجلس التأديبquot;.
ويشير الدكتور مخلوف بوكروح في دراسته النفيسة quot;المسرح الجزائري بين الخصوصية والعالميةquot;، إلى جزء هام من ذاكرة الجزائر المسرحية منذ عشرينيات القرن الماضي، والتي جرى تقديمها في المقاهي وسائر النوادي والتجمعات الثقافية آنذاك، رغم ما كانت تعانيه البلاد إبان فترة الاحتلال الفرنسي (1830 ndash; 1962).
ويقحم الأكاديمي الجزائري البارز المقهى المسرحي ضمن لائحة بعض الأشكال المسرحية الغير تقليدية التي كان يمارسها الجزائريون لغرض التسلية، ونبعت في الغالب من الحاجة للتعبير عن حالة شعورية خاصة، وظهرت معها بوادر حركة مسرحية في تلك النوادي من خلال عروض مسرحية هزلية ممزوجة بالموسيقى والغناء.
ويلفت د/بوكروح إلى كم هائل من المسرحيات في الفترة الممتدة بين (1926 ـ 1952)، حيث وصل حجم ما اشتغل عليه قدماء المبدعين المسرحيين في الجزائر إلى ما يربو عن 180 عملا، 75% منها موضوعاتها اجتماعية ثورية.
مخلوف بوكروح
من جهته، يلاحظ الباحث والناقد quot;بوبكر سكينيquot; أنّ التفرد الذي يتمتع به المسرح الجزائري وما يتسم به من خصوصية ناجم عن كونه انبثق من البيئة الشّعبية و التصق بذوق و حاجة الجماهير المسرحية فانعكس هذا على طبيعة و صيغة العرض فطغى الغناء و السّرد و انتظم التلقي بين حيز الفرجة وحيز اللعب في شكل حلقوي دائري، ليصبح فيما بعد الركيزة لتحقيق عامل الفرجة للجمهور وجعل الأخير يلتصق بمقتضيات العرض المشهدي.